دولة الإحتلال

نتنياهو يجر إسرائيل إلى الحضيض في رحلته الكارثية إلى الجحيم

تحت حكم نتنياهو وقع هجوم حماس المروع. وتحت حكمه بنت حماس 350 ميلاً من الأنفاق. وتحت حكمه جندت حماس ودربت وجهزت ما بين 35 و40 ألف مقاتل.

لم تواجه إسرائيل قط هذا النوع من الحالة المروعة التي تجد نفسها فيها حاليًا منذ تأسيسها في عام 1948. من الصعب أن نفهم كيف يخاطر رئيس وزراء إسرائيلي بوجود حلم الدولة اليهودية الذي دام آلاف السنين فقط لخدمة عطشه المستمر للسلطة وتبرئة أخطائه المروعة.

كيف وصلت إسرائيل إلى هذه النقطة من اليأس المطلق وعدم اليقين المرعب؟ كيف من الممكن أن تكون علاقات إسرائيل بالفلسطينيين قد وصلت إلى أدنى مستوياتها بعد 76 عامًا من الوجود؟ كيف تواجه إسرائيل الآن هجمات منسقة لا مفر منها من قبل إيران وحزب الله وحماس والحوثيين وجماعات إسلامية متشددة أخرى؟ كيف يمكن تصور أن إسرائيل قد نفرت من أقرب حليف لها وحاميها – الولايات المتحدة – إلى درجة لم يسبق لها مثيل من قبل؟

كيف أصبحت إسرائيل دولة مارقة ومنبوذة فقدت أخلاقها وتضع القيم اليهودية في مأزق؟ كيف يمكن تصور أن يحكم إسرائيل اليوم مجموعة من المجرمين والفاشيين ومحبي الحرب والمتطرفين المسيانيين الذين يدمرون البلاد حجرًا حجرًا، ويسببون أضرارًا لا رجعة فيها ستؤثر على الأجيال القادمة؟ وكيف وصلت إسرائيل إلى هذه النقطة من الانقسام الاجتماعي والسياسي الخطير الذي يستهلك البلاد من الداخل ويكشف عن ضعفها وافتقارها الرهيب إلى التماسك ووحدة الهدف؟

الإجابة على هذه الأسئلة الجيلية المزعجة هي بنيامين نتنياهو. أجل، رئيس الوزراء نتنياهو، وليس غيره، قاد إسرائيل إلى هذه الحالة المشؤومة حيث يكون كل مخرج محفوفًا بالمخاطر بلا مفر ودون تحمل ضربة قوية ستترك ندوبًا على كل إسرائيلي في أعقابها.

كان رد فعل نتنياهو الأوّلي وقراره بشن حرب ضد حماس بسبب وحشيتها التي قتلت 1200 إسرائيلي في أكتوبر الماضي مبررًا لأن إسرائيل لها كل الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن بعد عشرة أشهر من القتال، وبعد موت ما يقرب من 40 ألف فلسطيني وأكثر من 1200 إسرائيلي بشكل مروّع في حين نصف غزة في حالة خراب، لا تزال هناك عدم رؤية نهاية في الأفق، ولا إستراتيجية خروج، ولا خطط لمستقبل غزة، ولا حتى تلميحا إلى حلّ طويل الأجل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

تحت حكم نتنياهو وقع هجوم حماس المروع. وتحت حكمه بنت حماس 350 ميلاً من الأنفاق. وتحت حكمه جندت حماس ودربت وجهزت ما بين 35 و40 ألف مقاتل. وتحت حكمه اشترت حماس وأنتجت ما يقرب من 20 ألف صاروخ وطائرة دون طيار. نتنياهو ولا أحد غيره يسهّل نقل مليارات الدولارات من قطر إلى حماس، مدعيًا أن دعم حماس ضد السلطة الفلسطينية سيمنع إقامة دولة فلسطينية. لقد أظهرت عشرة أشهر من القتال ضعف إسرائيل العسكري؛ إن حماس لا تزال حية تنبض بالحياة، وهي بعيدة كل البعد عن الهزيمة العسكرية، ولن تتوقف بأيّ حال من الأحوال عن الوجود على المستوى الأيديولوجي وكحركة سياسية.

ثم جاءت اغتيالات فؤاد شكر، القائد العسكري الأعلى لحزب الله والزعيم السياسي لحماس، وإسماعيل هنية، بعد أقل من يوم واحد. والآن أصبح المسرح مهيأ لهجوم منسق على إسرائيل يشمل إيران و”محور المقاومة” والذي قد يأتي في أيّ وقت.

اقرأ أيضا| نتنياهو وبداية النهاية

هل يفهم نتنياهو أنه بغض النظر عن عدد قادة حزب الله أو حماس الذين قُتلوا، فإن هذا لن يغير المأزق الإستراتيجي طويل الأمد لإسرائيل، ولن يؤدي إلا إلى جعل الصراع أكثر صعوبة في الحل؟

هل يفهم نتنياهو أن القتل الجماعي للفلسطينيين لا يؤدي إلا إلى تغذية جيل آخر من الفلسطينيين الذين سيعيشون من أجل الانتقام ويقاومون الاحتلال بعنف ويموتون بسعادة من أجل قضية يؤمنون بها؟

هل يفهم نتنياهو أن حماس وضعت إسرائيل بالضبط حيث تحلم أن تكون؟ وتستعد إيران ووكلاؤها لمهاجمة إسرائيل نيابة عنها، في حين يشعر العالم كله بالفزع من سلوك إسرائيل.

هل يفهم نتنياهو أن حكومته الحالية وسياساتها تغيّر بشكل كبير ليس فقط القيم الاجتماعية والثقافية للبلاد، بل وروحها الداخلية حيث تقودها طائفة مسيانية ستحدد في نهاية المطاف وجهتها التي أصبحت مشؤومة بشكل متزايد؟

هل يفهم نتنياهو أن مؤسسات الدولة، حتى مثل المؤسسة العسكرية، تتعرض للتحدي من قبل المتطرفين الدينيين الذين يمزقون الرباط الاجتماعي الذي نسج شرائح المجتمع الإسرائيلي بعضها ببعض ويحطمون الوحدة التي لا غنى عنها في زمن الحرب؟

هل يفهم نتنياهو أن تحديه العنيد للولايات المتحدة وعزل إسرائيل عن حلفائها يشوّه صورة إسرائيل ويعزلها دوليا، وهو ما سيستغرق عقودا من الزمن لإصلاحه، وهذا فقط إذا انتهى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني؟

هل يفهم نتنياهو أن طبيعة التمرد وهدفه هو البقاء، أي بغض النظر عن مدى ضخامة الخسائر التي تتكبدها، طالما أنها تحتفظ بالقدرة على استيعاب هجمات إسرائيل المتكررة، فإن حماس ستعيد تجميع صفوفها وتقاتل؟

هل يفهم نتنياهو أنه لا يستطيع تحقيق لا نصر تكتيكي ولا إستراتيجي ضد إيران وعملائها، ولن يكون قادرا على استعادة الردع ضدهم لأن لديهم الوقت والموارد لاستئناف العنف متى شاؤوا؟

وعلى الرغم من أن جنرالاته ورئيس الشاباك والموساد ووزير الدفاع يتهمونه بتخريب الصفقة عمدا برفضه أيّ شرط من شروط وقف إطلاق النار، هذا في حين يلومه الرئيس الأميركي جو بايدن على إطالة أمد الحرب، إلا أن نتنياهو يظل متحديا.

في كل مرة اقترب فيها المفاوضون من حماس وإسرائيل من التوصل إلى اتفاق، كان نتنياهو يقدم مطالب جديدة. هو ببساطة تحت سيطرة شركائه اليمينيين المتطرفين في الائتلاف، وخاصة بن غفير وسيموتريتش، الذين هددوا بالاستقالة وإسقاط الحكومة إذا قبل أيّ اتفاق ، وهي النتيجة التي يريد نتنياهو بشدة تجنبها، مدركاً أنه بمجرد خروجه من منصبه، فإنه سوف يواجه ثلاث تهم جنائية وغضب الأمة التي تشعر بالخيانة لأنه وضع بقاءه السياسي فوق بقاء البلاد.

وفي تصريحه الأخير للصحافة، قال نتنياهو “سنواصل ممارسة الضغوط العسكرية على حماس وكبار شخصياتها حتى عودة جميع رهائننا وتحقيق جميع أهداف الحرب”. ولا شيء يمكن أن يكون أكثر تناقضاً وتضليلاً من هذا التصريح، حيث تشهد الحقيقة على مدى بعده عن الضغط على كبار شخصيات حماس وتحقيق أهداف الحرب.

يتعين على نتنياهو أن يعلم أنه في مقابل كل زعيم من زعماء حماس ُيقتل، سوف يظهر اثنان أو ثلاثة ليحلّوا محله، ورغم أن حماس تكبدت نكسة، فإن أتباعها سوف يصبحون أكثر تطرفاً. ولكن إذا كان هدف نتنياهو من الحرب هو سحق حماس بالكامل ومنعها من إعادة بناء نفسها في غزة، فإن هذا الهدف يبدو بعيد المنال يوما بعد يوم. فبعد عشرة أشهر من القتال المميت، لا تزال حماس نشطة وتستمر في تجنيد وتدريب مقاتلين جدد. والعديد من مقاتلي حماس يعودون إلى الظهور في الأماكن التي طردتهم منها إسرائيل.

من الصعب وصف ما فعله نتنياهو ببلاده. فقد أضاف التوتر بين الناس، والغضب الشديد تجاه الحكومة، والاشمئزاز من الأحداث المتكشفة، شعوراً عميقاً باليأس الذي يشعر به العديد من الإسرائيليين، الذين لا يعرفون ماذا يتوقعون بعد ذلك.

وبصفته رئيساً للوزراء، الذي من المفترض أن يقود ويحكم بما هو الأفضل للبلاد فقط، فإنه لا يملك إستراتيجية ولا خطة واقعية لإنهاء الحرب وإعادة الرهائن إلى ديارهم وصياغة مستقبل من التعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. والواقع أن الوقت ينفد لأن إسرائيل تتوقّع عمليات انتقامية منسّقة قد تتحول إلى حرب إقليمية. إنها أعظم مأساة شهدتها إسرائيل منذ إنشائها. لن يكون هناك خلاص إلا بإخراج نتنياهو من السلطة لأنه يجر إسرائيل في رحلته الكارثية نحو الجحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى