دولة الإحتلال

نتنياهو ما بين حل الحكومة أو إنقاذ الصهيونية

العالم كله مدرك تماما أن القضاء على حماس كحركة صعب إن لم يكن مستحيلا، والفكرة تبقى في الصدور. ربما تستطيع إسرائيل تدمير بنية حماس وغيرها من الفصائل لكن القضاء على ما تحمله حماس من فكر صعب.

الصهيونية تيار آخذ في الاتساع ضمن المجتمع الإسرائيلي، بينما الصهيونية كرؤية ومشروع سياسي تتهاوى شرعيتها؛ إذ عجزت عن تقديم إجابات على الأسئلة الكبرى التي أثارها تأسيس الدولة. والسؤال المطروح هو بعد استقالة كل من غانتس وآيزنكوت ماذا تبقى لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من أوراق لكي يبقى رئيسا للحكومة لمدة أطول، ولكي يصطاد عصفورين بحجر فيحافظ على نفسه ويمنع من انهيار أركان الصهيونية؟

وبالطبع، نتنياهو لا يعول كثيرا على توليفته من اليمين الصهيوني المتطرف، وهو يعرف حق المعرفة أن هذا اليمين يفتقد للرأي الرشيد وأبجديات السياسة الصحيحة. وقد تسبب كل من سموتريتش وبن غفير بمتاعب جمة لنتنياهو عندما فتحا النار على الرئيس الأميركي جون بايدن واتهموه بالتقصير في دعم إسرائيل وبمساندة الإرهاب. ورغم كل ما سمعه البيت الأبيض من اتهامات من قبل ائتلاف نتنياهو اليميني لم تؤثر تلك التصريحات على الدعم الأميركي المخصص لإسرائيل. وهو ما دفع صحيفة هآرتس الإسرائيلية للتساؤل عن مصير إسرائيل لولا السلاح والذخيرة الأميركية والقبة الحديدية الحقيقية والدعم الدبلوماسي في الأمم المتحدة وأمام المحاكم الدولية؟

وبغض النظر عما حققه جيش الاحتلال من تحرير أربعة أسرى قبل حوالي ثلاثة أسابيع، برفع معنويات حكومة نتنياهو، إلا أن هذا لم يكن كافيا مادام هنالك أسرى في قبضة حركة حماس والفصائل الأخرى. وكلما طال أمد الحرب كانت خسائر إسرائيل أكبر خصوصا الدعم الأممي. هناك عدة اقتراحات من المعارضة الإسرائيلية بشبكة أمان، وهذا الطرح جاء به زعيم المعارضة يائير لابيد، لكن نتنياهو الذي لا يثق بأحد كعادته لم يلب ما جاء به لابيد.

العالم كله مدرك تماما أن القضاء على حماس كحركة صعب إن لم يكن مستحيلا، والفكرة تبقى في الصدور. ربما تستطيع إسرائيل تدمير بنية حماس وغيرها من الفصائل لكن القضاء على ما تحمله حماس من فكر صعب. لا يغيب عن مخيلة إسرائيل بكل أطيافها السياسية المعارضة منها والمؤيدة لنهج نتنياهو أن ما حل بقطاع غزة من دمار يزيد من قوة الفصائل الفلسطينية، وحتى الشعب الغزاوي، لم يعد لهذا الشعب شيء يخسره. ووفق هذه المعارضة لا بد من إعادة التفكير في نهج إسرائيل الحالي بحيث يعمل رئيس الحكومة في إسرائيل على إنقاذ نفسه من الإسرائيليين الذين يطالبون اليوم بانتخابات للبرلمان، وهذا يعني رفض السواد الأعظم لتشكيلة نتنياهو الحكومية الحالية.

لا يمكن لنا إلا أن نفكر بالأسباب التي دفعت يائير لابيد لتوقع ما يجري في إسرائيل من فوضى، وكان قد أعرب عن اعتقاده بأن انتخابات مبكرة ستجري خلال العام الجاري 2024، وتوقع رحيل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وبموجب هذا التصريح نتوقع أن استمرار حكومة نتنياهو الحالية لن يدوم طويلا، وكأن العالم كله يسعى لإنقاذ الصهيونية من أنياب نتنياهو وحكومته.

جماعة “ما بعد الصهيونية” تقول إنها تتعرض في إسرائيل لهجوم شديد من جانب اليمين المتطرف العلماني والديني معا، حتى أن ليمور ليفنات، وزيرة التربية في حكومة شارون، قالت إنها ستشن من موقعها، في وزارة التربية “حربا صليبية” من أجل إعادة التفكير “ما بعد الصهيونية” إلى مكانها الصحيح.

يتضح جليًّا أن ما بعد الصهيونية هي حالة مجتمعية، خلقت عددًا من التحولات الجذرية في ما يتعلق؛ بالهوية السياسية لإسرائيل حيث الصراع العلماني – الأصولي، فضلا عن السياسات الاقتصادية والنزوع إلى اقتصادات السوق، والترتيبات الطبقية في المجتمع حيث تُرفض سياسات التمييز، ويهودية الدولة حيث الاتجاه إلى التخلي عن النقاء النوعي، والنظرة إلى طبيعة الصراع مع الفلسطينيين حيث الميل إلى السلام وقيم التعايش.

ما بعد الصهيونية هي حالة كانت حتمية الحدوث، لأن إسرائيل كـ“دولة” تأسست على أيديولوجية ظرفية مرحلية (المقصود هنا الصهيونية)، حيث صيغت مبادئ هذه الأيديولوجية في ظرف وجودي وتاريخي مغاير تمامًا لما تطور به شكل المجتمع اليهودي في فلسطين، وهي بالتأكيد لا تصلح أن تكون الأيديولوجية الرسمية لدولة طبيعية في المجتمع الدولي.

في الختام، يبدو أنه من المبكر جدا الحديث عن أي تكهنات مستقبلية حول نهاية الصهيونية، وحتى الآن يمكن القول بأن الحركة الصهيونية التي ولدت قبل حوالي قرن ونيف من الزمن تطل برأسها، ولا توجد عقبات جدية تهدد وجودها، ولكن ثمة خوف غربي من ذلك، لهذا جاء قادة العالم بعد 7 أكتوبر مهرولين لإنقاذها، وبعيد وصوله مطار بن غوريون قال الرئيس الأميركي جون بايدن: لو لم تكن هنالك إسرائيل لأوجدناها، لهذا السبب وغيره من الأسباب، العالم برمته يحافظ بكل قوة على هذا المشروع ولو كلفه ذلك الكثير من المال والجهد والدعم اللوجستي والعسكري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى