نتنياهو بين خرق بن غفير وعرض لبيد

بعد 125 يوما من “غوص” جيشه في رمال غزة دون طائل، في أطول وأصعب حرب خاضتها إسرائيل منذ قيامها، ما زال نتنياهو يعد الإسرائيليين بنصر ساحق يتم خلاله القضاء المبرم على حماس والوصول إلى قياداتها وتحرير الرهائن أحياء، دون الحاجة إلى “هذيان” حماس المتعلق بصفقة تبادل أسرى.

ويجزم نتنياهو أن تحقيق هذه المهمة يحتاج إلى أشهر وليس إلى سنوات، كما يدعي البعض، وهو يدرك أنه رغم استطاعة جيشه خلال أربعة أشهر من القصف والنسف من تحويل معظم بيوت غزة إلى ركام وغالبية أهلها إلى نازحين، فإنه فشل في النيل من قدرة المقاومة وإلحاق الأذى بها بشكل جدي، حيث تشير التقديرات الأميركية إلى أنه لم ينجح بتدمير سوى 20-30% من قوة حماس العسكرية، في حين ما زال 80% من شبكة الأنفاق عامرة، كما لم يتمكن من الوصول إلى أي من قيادات المقاومة.

الباحثة في علم النفس الاجتماعي من جامعة رايخمان، د. ليراز مرغليت، رأت أن خطاب نتنياهو هو نموذج محكم لهندسة الوعي، التي تقوم على ثلاثة أركان توفرت جميعها في الخطاب، وهي بساطة الرسالة، تكرارها، ومخاطبة العاطفة.

وتشير ليراز في مقال نشرته “معاريف”، إلى أن الأبحاث أثبتت أن الطريقة الناجعة لتحويل الكذبة إلى حقيقة مطلقة هي تكرار الرسالة، لأن نظام الدماغ عند الإنسان لا يميز بين المعروف وبين الحقيقي، وكلما كان الأمر معروفا لنا أكثر يتم التعامل معه كحقيقة، وعندما يتم تعريض الناس بشكل منهجي لرسالة معينة فإن العقل يبدأ بالتعامل معها كصحيحة وذات مصداقية، بل يتعزز تأثيرها لفترة طويلة، لذلك فإن الطريقة الأفضل لهندسة الوعي، كما تقول، هي التمسك برسالة واحدة بسيطة وواضحة وتكرارها مرات كثيرة، وهو ما يفعله نتنياهو.

وتلاحظ الاختصاصية النفسية، أن نتنياهو كرر تعبير “نصر ساحق” في خطابه المذكور أكثر من 20 مرة ووظفه في سياقات مختلفة، في حين كانت رسالة خطابه واضحة وبسيطة، “يجب أن نواصل حتى النهاية لتحقيق النصر” و”الطريق إليه قصيرة والنصر في متناول اليد”، و”الجيش الإسرائيلي أصبح قريبا من تحقيق كامل أهداف الحرب وتدمير حماس وتحرير الرهائن ونزع غزة من السلاح”.

ولكن لمعرفة كم هو قريب أو بعيد هذا النصر عن عيون الإسرائيليين يكفي إلقاء نظرة على تقرير المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، العائد من خان يونس، يوآف زيتون، والذي جاء تحت عنوان “في النهاية سيسمونها حرب العشر سنوات”.

وإذا كان العنوان غير كاف، نقتطف ما جاء في العنوان الفرعي بأن “مقاتلي الاحتياط في لواء المظليين 646 الذين نقلوا إلى غزة في السابع من أكتوبر أصبحوا يشعرون بأنهم عادوا إلى الجيش النظامي”، وذلك في إشارة إلى طول المدة التي قضاها جنود الاحتياط في غزة، وفي المتن ينقل المراسل عن قائد اللواء قوله “لن يتم القضاء على حماس في السنة القريبة وأمامنا سنوات من القتال بوتائر مختلفة.. ونحن في ماراتون”.

وعودة على بدء فلا بد أن نتنياهو يعرف أكثر من غيره أن جيشه لا يستطيع أن يفعل أكثر مما فعل في غزة ولو أعطي كل الوقت المطلوب، ولكنه ما زال رغما عن ذلك يرفض ما وصف بحبل النجاة الذي قدمه له بايدن، على شكل صفقة إقليمية شاملة يتم فيها مقايضة غزة المدمرة عبر تسليمها لسلطة فلسطينية متجددة قد تكون حماس جزءا منها وقد لا تكون، بمعاهدة تطبيع مع السعودية تستكمل معاهدات “أبراهام” وتغدق على إسرائيل الكثير من خيرات الخليج التي تحلم بها وذلك مقابل وعد لن يتم تطبيقه مقابل وعد الدولة الفلسطينية الذي غرروا به الفلسطينيين على مدى 30 عاما مضت.

ما باتت تعرف بخطة بايدن هي رهن بالجدل الداخلي الإسرائيلي الذي يشكل بن غفير وسموتريتش أحد أطرافه المركزية، ويمثلان بديلا سياسيا في غياب أي بديل إسرائيلي آخر، عدا مشروع بايدن، لما يسمى باليوم التالي بعد الحرب في غزة، وبديلهما كما هو معروف يتمثل بعودة السيطرة على غزة وإحياء مستوطناتها السابقة في “غوش كطيف” وربما في غيرها من المناطق.

وبعكس ما قد يعتقد البعض بأن نتنياهو رهين كرسيه وملفاته الجنائية المرتبطة بالمشروع الأخرق لبن غفير وسموتريتش وليس بمشروع بايدن “العقلاني”، خاصة وأن غريمه ومنافسه بيني غانتس يتحين الفرصة لترجمة التأييد الذي تمنحه له استطلاعات الرأي لاحتلال كرسي رئاسة الحكومة، بعكس ذلك فإن يئير لبيد الذي افقدته الحرب شعبيته إلى حد بعيد تجمعه مصلحة مشتركة مع نتنياهو بعدم إجراء انتخابات قريبة، وربما يكون نتنياهو بانتظار التأكد من جدية عرضه في الحلول محل بن غفير وسموتريتش في حكومته ومن ثم التعاطي مع خطة بايدن.

سليمان أبو ارشيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى