الشائع أن الدكتاتور يموت فجأة قبل سقوط نظامه الاستبدادي، وفي إيران نشهد منذ زمن طويل ملامح هذا المشهد. يعيش خامنئي اليوم في كابوس الموت قبل أن يحين “دور السقوط” على نظامه الدكتاتوري، لأنه يعلم يقينًا أن سقوطه على يد الشعب الإيراني أمر حتمي، وأن الشعب الإيراني يرفض هذا النظام الفاشي رفضاً باتاً. لقد شهدنا سلفه خميني في عام 1988، حينما علت أصوات الزراع المسلح للمقاومة الإيرانية مردداً شعار “اليوم مهران، وغدًا طهران”؛ يتوجس من تبعات هذا الشعار، وبعد عام حزن حزنا شديداً حتى فارق الحياة!
تبرز اليوم دلائل عديدة تشير إلى أن سقوط الدكتاتورية السورية قد عجل بموعد سقوط نظام ولاية الفقيه في إيران، إذ أن العلاقة بين هذين النظامين كانت وثيقة وتاريخية، بحسب تصريحات قادة الدكتاتوريتين. ومع انهيار ما يسمى بـ “محور المقاومة” وتراجع العمق الاستراتيجي للنظام الإيراني في سوريا، اجتاحت حالة من القلق والاضطراب خامنئي وقادة نظامه.
حاول خامنئي في خطابه بتاريخ 11 ديسمبر من العام الحالي؛ التخفيف بشكل هزلي من تداعيات هذا التحول الاستراتيجي على أتباعه عبر خطاب مليء بالمغالطات لرفع معنوياتهم المنهارة. واعترف بأن حاشية النظام الحاكم غلب عليها “السلبية والإحباط”. واعترف وزير خارجيته صراحةً بأن خامنئي ونظامه قد فوجئوا بالمتغيرات السريعة في سوريا، وبالفشل الذريع للقواته الوكيلة للنظام الإيراني، وكذلك للجيش السوري. (صحيفة “دنياي اقتصاد” – 8 ديسمبر 2024).
اقرأ أيضا.. إيران.. ومستقبل الشيعة في المنطقة؟
بينما وصف قواته الوكيلة في هذا الخطاب بأنها “صامدة وقوية” وزعم أن نظامه قوي وسيزداد قوة. ولكن خلف هذه الادعاءات، يمكن تلمس مرارة القلق من السقوط الوشيك لنظامه في كلمة “سم السلبية”. وقال خامنئي: “إن الركود أحياناً ما يكون أشد خطراً من الأحداث ذاتها”. إن الخشية من سقوط النظام الاستبدادي الإيراني في القريب العاجل حقيقة تزداد يومًا بعد يوم.
كما أشار خامنئي في هذا الخطاب إلى انفجار وقع في 22 فبراير 2006 في مرقد إمامي الشيعة العاشر والحادي عشر في سامراء بالعراق، والذي حدث على غرار انفجار مرقد الإمام الثامن في مدينة مشهد في 20 يونيو 1994. صرح الجنرال كيسي، القائد السابق للقوات المتعددة الجنسيات في العراق، بأن التحقيقات أثبتت أن النظام الإيراني وعملائة في العراق هم من وراء هذا التفجير.
لذا، يسعى خامنئي، من خلال تهديده الصريح لأي صوت معارض داخل البلاد، إلى إخفاء تبعات هذه الهزائم. ويقول: “إذا تحدث أحد بطريقة تُضعف من عزيمة الشعب، فهذا جُرمٌ ويجب ملاحقته”. وهي كلمات تحمل دلالات على انهيار أسرع من سقوط دكتاتورية الأسد في سوريا. إن سقوط دكتاتورية بشار الأسد يشير بوضوح إلى أن أجراس “التغيير الكبير” في إيران ومنطقة الشرق الأوسط قد بدأت تقرع من الآن.
أصبحت أزمة سقوط نظام دكتاتورية ولاية الفقيه الآن بشكل غير مسبوق واقعًا يطوق هذا النظام الذي فرض نفسه على الشعب الإيراني لأكثر من أربعة عقود. وقد لجأ إلى استمالة الآخرين بشتى الوسائل للحفاظ على بقائه. بدءًا من داعمي سياسة الاسترضاء مع دكتاتورية ولاية الفقيه على الصعيدين الدولي والإقليمي، وصولًا إلى مرتزقته من الإيرانيين وغير الإيرانيين، الذين باتوا اليوم يسعون جاهدين للنأي بأنفسهم عنه.
إلا أنه كما عجز أنصار الاسترضاء الغربيون عن إنقاذ نظام الأسد الديكتاتوري في سوريا، فمن المستبعد أن يتمكنوا من إنقاذ نظام ولاية الفقيه من السقوط. لقد أثبت التاريخ أن الشعوب قادرة على التغلب على الدكتاتورية، وهذه الحقيقة الحتمية تزداد سرعة يومًا بعد يوم. فهل هناك قوة تستطيع إنقاذ هذا النظام الفاشي من السقوط أو منع الشعب الإيراني من نيل الحرية والديمقراطية؟ إن إجابة هذا السؤال هي “كلا! على الإطلاق!” لدى كل إنسان منصف.
يواجه النظام الإيراني اليوم أزمات حادة تهدد بقاءه. فالمجتمع الإيراني يشهد انفجارًا جديدًا من الغضب الشعبي من الحكومة، حيث لم تنجح سياسة التهديد والتعذيب والقتل والإعدام في كبح جماح الشعب عن الانتفاض لإسقاط النظام. وهناك مقاومة منظمة داخل إيران، يزداد يومًا بعد يوم عدد وحدات المقاومة فيها وتنتشر في المدن الإيرانية، ويتسع نطاق الغضب الشعبي ضد نظام ولاية الفقيه. لقد انهار العمق الاستراتيجي لنظام ولاية الفقيه في منطقة الشرق الأوسط، ولم تعد الأنظار وحدها متجهة نحو إسقاط نظام ولاية الفقيه (رأس الأفعى)، بل باتت الأيدي والخطوات تتحرك لتحقيق ذلك الهدف والإجهاز على “رأس الأفعى”.
إن نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران عاجز عن الخروج من أزماته الاقتصادية العميقة، كما لا يملك القدرة على إجراء أي إصلاحات ولو بسيطة في بنيته المهترئة. والإفلاس الاقتصادي، والتضخم الجامح، والانهيار الحاد في قيمة العملة الوطنية جعل حياة الشعب الإيراني شديدة القسوة. يُضاف إلى كل ذلك عامل التغير في الإدارة الأمريكية، حيث يعيش نظام الملالي في حالة من الرعب من عودة الجمهوريين إلى الحكم في الولايات المتحدة، ما يزيد من عزلته ويدفعه نحو الانهيار بشكل أسرع.
بناءً عليه، تتسارع اليوم خطوات التغيير الكبير في إيران، ولا شك في ذلك، وتقترب ساعة “موت الدكتاتور” لتسبق لحظة “موت الدكتاتورية” في إيران.