لو كان النائب السابق نوّاف الموسوي مجرد صاحب وجهة نظر، لمرّت الأدبيات الخطرة التي يتوسّلها في “تحقيره” المتواصل لمعارضي “حزب الله”، مرور الكرام، ولكنّه ليس كذلك، فهو واحد من أكثر الناس قرباً من الأمين العام للحزب حسن نصر الله الذي، على الرغم من ارتكاب الموسوي “خطيئة أمنية” اضطرته إلى الاستقالة من مجلس النواب، عندما هاجم على رأس عشرين مسلّحاً، في صيف عام 2019، مخفراً للدرك مناصرةً لابنته ضد طليقها، أعاده إلى الواجهة، إذ وضع بين يديه ملفاً سيادياً بامتياز، بتعيينه المسؤول عن “ملف الموارد والحدود” في الحزب، وأتاح له أن يطل إعلامياً، للدفاع عن الحزب والترويج لأفكاره.
وقد لاحظ المراقبون، مراراً، أنّ ما يطلقه الموسوي من أفكار تتصل بطريقة التعامل “التحقيري” مع المعارضين، سرعان ما يتبنّاه نصر الله بالذات.
جديد الموسوي كان، في إطلالات إعلاميّة عدة، نهاية الأسبوع الماضي، انتهت إلى استهداف غير مسبوق لمعارضي “حزب الله”، إذ قال بالحرف: “في لبنان لوبي إسرائيلي، حمله أرييل شارون وهو صغير على يديه وربّت له على كتفه. هذا اللوبي يكرهنا، لا يحبنا، وهو عنصري، وهو طائفي، وهو انعزالي، وهو أصلاً لا يريد أن يعيش مع أحد”.
المشكلة في هذا الموقف لا تكمن في “التحقير”، فغالبية القوى السياسية اللبنانية تُدمن على “المبالغة” في التعبير عن خصوماتها، بل في ما يعتمل داخل “حزب الله” المسلّح حتى أسنانه، ضد الفئات اللبنانيّة التي تحاول أن تقف في وجه توريط لبنان في “وحدة الساحات”، الأمر الذي أسقط سيادة الدولة من جهة أولى، وأطاح التزاماتها لجهة احترام القرار الأممي 1701 من جهة ثانية، وزاد الانهيار الاقتصادي انهياراً من جهة ثالثة، ودمّر منطقة شاسعة من جهة رابعة، وألحق بالسكان خسائر بشريّة هائلة من جهة خامسة.
وثمة كلام مماثل واجه اللبنانيّين بعد صدور القرار 1559، كان قد جرّ على لبنان موجة واسعة من الاغتيالات التي تبيّن من التحقيقات في ملفات وضعت يدها عليها المحكمة الخاصة بلبنان (اغتيال كل من رفيق الحريري وجورج حاوي ومحاولتا اغتيال مروان حمادة والياس المر) أنّ مجموعة أمنية تابعة لـ”حزب الله” متورطة فيها.
وكلام مماثل بخطورته صدر في حرب تموز (يوليو) 2006 التي شنّتها إسرائيل ضد “حزب الله”، إذ استتبعته عملية عسكرية واسعة النطاق في بيروت والجبل، وسُميّت بعملية السابع من أيّار (مايو) 2008. ولم تتوقف هذه العملية العسكرية التي قادها “حزب الله” إلّا بتنازلات سلطوية حصل عليها في إطار ما سُمي بـ”تفاهم الدوحة”.
وبالفعل، لم يُخفِ الموسوي، وهو يطلق مواقفه هذه، تطلّع “حزب الله” إلى إجراء تعديلات دستورية، فقد طالب بإدارج “المقاومة”، أي “المقاومة الإسلامية في لبنان”، وهي الجناح العسكري لـ”حزب الله”، في الدستور اللبناني، الأمر الذي يعين الحزب على “تأبيد” سلاحه من جهة، والانقلاب على القرارات الدولية التي تدعو إمّا إلى نزع السلاح غير الشرعي من القوى اللبنانية وغير اللبنانية (القرار 1559)، وإمّا إلى إبعاد كل سلاح غير شرعي إلى ما وراء شمال نهر الليطاني (القرار 1701) من جهة أخرى.
وبما أنّ هذا المطلب الدستوري يستحيل تطبيقه من دون “قهر”، فإنّ التمهيد له يكون من خلال التعاطي مع معارضي “حزب الله” على أنّهم يشكلون “لوبي إسرائيلياً”، و”تشبعوا بالثقافة الإسرائيلية على يد مهندس اجتياح لبنان في عام 1982 أرييل شارون”، و”هم لا يكرهون حزب الله فقط بل جميع أبناء الطائفة الشيعية” باعتبار أنّهم “طائفيون وانعزاليون ولا يريدون أن يعيشوا مع أحد”.
وهذه الصفات التي أسبغها نواف الموسوي على معارضي “حزب الله”، من شأنها أن تهدر دماءهم، إفرادياً وجماعياً، وقد اعتبرها البعض، انطلاقاً من معرفة سجل الحزب وأسبقياته، بمثابة تهديد علني وواضح ومباشر.
لا قيمة للنقاش في صحة ما تضمّنه موقف هذا المقرّب من الأمين العام لـ”حزب الله”، لأنّه، قبل غيره، يدرك أنّه مفترٍ، ولكنّه لا يأبه بذلك، فهو جزء من ماكينة دعائية هدفها التمهيد لاستثمار طويل الأمد لحرب حدوديّة مكلفة للغاية من جهة، وخلق عواطف سلبية لدى جمهوره تجاه المجموعات اللبنانية الأخرى، باعتبار أنّها المخرج الوحيد لتشتيت الانتباه عن الخسائر البشرية والمادية الضخمة التي تلحق به من جهة أخرى.
وبعد حرب عام 2006، لم يجد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله وسيلة لدفع بيئته إلى استيعاب ما لحق بها من خسائر وتدمير وقتل وإعاقة، سوى إبلاغها، أنّ حزبه منع مؤامرة إعادتهم إلى “بيع العلكة” واقتلاعهم من لبنان لرميهم في العراق.
وفي التاريخ اللبناني الحديث لم تكن البيئة التي يخاطبها “حزب الله” تعاني وحدها الفقر والحرمان، إذ كانت كل البيئات اللبنانية الريفية مهمّشة ومحتاجة، بفعل مصائب “الإنماء غير المتوازن” الذي اتفق اللبنانيون في اتفاق الطائف على تصحيحه.