تميزت فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب السابقة في البيت الأبيض بنهج غير تقليدي للحكم أثار مخاوف بشأن الاستبداد. إن نزعته لتأسيس دكتاتورية عالمية تستند إلى أحداث واقعية، وكذلك من أسلوبه في القيادة وتصريحاته الجديدة، تعززها سياسات الولايات المتحدة ونفوذها العالمي، لعظم قوتها الاقتصادية وتفوقها التكنولوجي وقدراتها العسكرية. ومن خلالها يسعى ترامب إلى تأكيد هيمنة الولايات المتحدة على المسرح العالمي.
وقد ذهبت مجلة “ذا ويك” الصادرة في شباط – فبراير العام الماضي إلى أبعد من ذلك برسم كاريكاتيري لترامب وهو يرتدي زيا عسكريا وكتافا ذهبية، وقبضته اليمنى مرفوعة، بعنوان “دكتاتور في الانتظار.” الفكرة واضحة: دكتاتورية ترامب ستكون شبيهة بالفاشية أو النازية.
يرى ترامب أن الكوكب عبارة عن لعبة احتكار كبيرة، حيث يتنافس العديد من المنافسين للسيطرة على الأصول القيمة، سواء العقارات أو الأسواق أو الموارد.
إن عبارة “أميركا أولا” سوف تغير بشكل عميق علاقات واشنطن مع العالم الخارجي، حيث تؤكد على التفرد والانعزالية تجاه الاتفاقيات الدولية، والتي يمكن أن تزعزع استقرار التعاون العالمي بشأن القضايا الحرجة مثل تغير المناخ والتجارة والأمن وموقفه من منظمة الصحة العالمية وغيرها. وهي تعني بوضوح ابتزاز التنازلات والموارد من الدول الأخرى، إضافة إلى الصفقات غير المبالية بالعلاقات الدولية والتحالفات.
وقد نشرت صحيفة “واشنطن بوست” عمودا طويلا بقلم الكاتب الأميركي بوب كاجان، كتب فيه “لا يمكننا أن نلوم ترامب على تزييف كلماته: هناك طريق واضح نحو الدكتاتورية في الولايات المتحدة، وهو يقصر يوما بعد يوم”، ويضيف “إن دكتاتورية ترامب أصبحت حتمية أكثر فأكثر. يجب أن نتوقف عن التظاهر.” يجادل كاجان بأن الدكتاتورية أقرب بكثير مما يدركه الأميركيون.
وعلق جوناثان فريدلاند، المحرر في “الغارديان”، على تصرفات ترامب بقوله “إن زعيم أقوى دولة في العالم يتصرف مثل دكتاتور مستبد يهدد الديمقراطية.”
التخوف من النزعة الدكتاتورية لترامب نابعة من قدرات الولايات المتحدة وتفوقها في مجالات كثيرة، مثل قوة الدولار، الذي يعتبر العملة الاحتياطية الأساسية في العالم، وهو الوضع الذي يمنح الولايات المتحدة نفوذا كبيرا على الاقتصاد العالمي. خلال رئاسة ترامب، تم استخدام هذه القوة المالية لفرض العقوبات وممارسة الضغط على الدول التي عارضت المصالح الأميركية. وغالبا ما ينظر إلى هذه التكتيكات على أنها قسرية تهدف إلى عزل الدول المعنية اقتصاديا وسياسيا، مما يجبرها على الامتثال للمطالب الأميركية أو مواجهة عواقب اقتصادية معوقة. ومثل هذه التدابير تعكس نهجا استبداديا، حيث يتم إسكات الأصوات المعارضة من خلال التعاون الاقتصادي بدلا من الحوار الدبلوماسي.
وكذلك الهيمنة التكنولوجية، حيث أعطت إدارة ترامب الأولوية للتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، لاسيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والاتصالات السلكية واللاسلكية. واتخذت الإدارة موقفا متشددا ضد بعض الشركات، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي. ويهدف ترامب إلى الحد من نفوذ الدول المتنافسة في المشهد التكنولوجي العالمي.
وبالنظر إلى القوة العسكرية، طالما كانت الأسلحة والقدرات العسكرية الحديثة محورية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وشهدت إدارة ترامب زيادة في الإنفاق الدفاعي وموقفا عسكريا أكثر عدوانية، مع التركيز على إظهار القوة الأميركية، مما يشير إلى استعداده لاستخدام القوة العسكرية لتأكيد السلطة.
إقرأ أيضا : لماذا انسحب ترامب من الصحة العالمية ولم بقاؤه ضروري لنا؟
كما عكس نهج ترامب تجاه التحالفات الدولية الميول الاستبدادية. وكثيرا ما شكك في الشراكات طويلة الأمد، مثل حلف شمال الأطلسي، مطالبا الدول الأخرى بالمساهمة المالية بشكل أكبر. لم يهدد هذا السلوك استقرار التحالفات القائمة فحسب، بل بعث أيضا برسالة مفادها أن الولايات المتحدة ستعطي الأولوية لمصالحها على الحوكمة العالمية التعاونية.
وحذر رئيس وزراء فرنسا فرانسوا بايرو من أن “الولايات المتحدة قررت اتباع سياسة مهيمنة على نحو لا يصدق من خلال الدولار، ومن خلال السياسة الصناعية، ومن خلال الاستيلاء على كل الأبحاث والاستثمارات.”
امتدت ميول ترامب الاستبدادية إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة، مما أثر على التصورات العالمية للديمقراطية والحكم. غالبا ما كان خطابه يفضل قيادة الرجال الأقوياء، وأعرب في مرات كثيرة عن إعجابه بالأنظمة الاستبدادية، مما يعطي إشارات مختلطة حول مدى التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. وكان لهذا النهج صدى لدى مختلف الحركات القومية في جميع أنحاء العالم، مما شجع القادة الاستبداديين والأحزاب الشعبوية في العالم.
وتظهر رؤيته الاستبدادية تجاه العالم من خلال محادثته الهاتفية الساخنة للغاية مع رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن في أنه يريد حقا الاستيلاء على جزيرة غرينلاند من الدنمارك. هذا ما قاله خمسة مسؤولين أوروبيين كبار حاليين وسابقين لصحيفة “فاينانشال تايمز”.
وفي ما يتعلق بقناة بنما، قال ترامب خلال خطاب التنصيب إن الولايات المتحدة “ستستعيد” قناة بنما، مضيفا أنه “حان الوقت لنتحرك بشجاعة لأننا أمة عظيمة.” وفي مناسبات كثيرة عبّر ترامب عن رغبته في السيطرة على القناة بذريعة ضمان الأمن الاقتصادي للولايات المتحدة، وتحدث عن خضوع هذا الممر البحري للنفوذ الصيني، ولم يستبعد استخدام القوة العسكرية لتحقيق غايته. علما أن بنما دولة مستقلة وأن معاهدة الحياد الدائم والدستور البنمي لا يمنحان ترامب الحق في استعادة القناة.
وكرر ترامب عدة مرات عن رغبته في ضم كندا إلى الولايات المتحدة، واعدا بخفض ضرائبها في حال باتت ولاية أميركية. وانتقد ما أسماه التكاليف الباهظة لحمايتهم. واعتبر أن كندا تمتلك موارد ومساحات شاسعة يمكن أن تعزز قوة الولايات المتحدة.
ودعا ترامب إلى تهجير ما بين مليون إلى مليون ونصف مليون من فلسطينيي غزة، ويطلب من ملك الأردن ورئيس جمهورية مصر العربية تهيئة مساكن لهم واصفا خطته بأنها قد تكون ”مؤقتة أو طويلة الأجل.”
وهكذا ألقت رئاسة دونالد ترامب الضوء على إشكالية القوة الأميركية في العالم الحديث. إن ميوله الاستبدادية، التي تتميز باستخدام العقوبات الاقتصادية والهيمنة التكنولوجية والقوة العسكرية، أعادت تشكيل دور الولايات المتحدة على المسرح العالمي. في حين استفاد ترامب من نقاط القوة الأميركية لتأكيد السلطة، وأثارت تصريحاته تساؤلات حاسمة حول مستقبل الديمقراطية والتعاون الدولي. وفي الوقت الذي يتصارع فيه العالم مع آثار رئاسته، لا يزال من الضروري تقييم التوازن بين المصالح الوطنية وتعزيز القيم الديمقراطية في مشهد عالمي متزايد الترابط.