روسيا

كيف أصبح موقع روسيا على الخارطة السياسية اليوم

لم يعد لروسيا مكان تحت الشمس، بعد خوضها حربًا ضروسًا مع أوكرانيا وبعد تدخلها في سوريا، لقد ألغى ذلك تموضعها على الخارطة السياسية العالمية.

التاريخ دائمًا وأبدًا يذكرنا بالحرب العالمية الثانية، عندما دخل الاتحاد السوفياتي في حرب مع ألمانيا، وخرج منها منتصرًا لكن منهك القوى، فقد خسر فيها أكثر من 10 في المئة من سكانه و70 في المئة من منشآته الصناعية وشهدت مبانيه وبناه التحتية دمارًا هائلًا. كما أن دعم روسيا للنظام في سوريا -وهو مدفوع بمجموعة معقدة من المصالح الجيوسياسية، بما في ذلك الحفاظ على موطئ قدم إستراتيجي في الشرق الأوسط ومواجهة النفوذ الغربي في المنطقة وحماية المصالح الاقتصادية والأمنية الروسية- لم يحقق لها حتى اللحظة إنجازًا يُذكر.

أفطن إلى ما انتهى إليه حال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد دخوله الحرب مع أوكرانيا، حيث بدأ العد التنازلي لارتداد روسيا إلى الخلف، وهنالك شواهد كثيرة على ذلك، منها عدم قدرتها على صد الضربات الأوكرانية، وأصبحت روسيا على مرمى حجر من هزيمة محققة بعد تلقيها الضربة تلو الأخرى. وأصبح بوتين، الذي كان يتوق مرة أخرى إلى بسط نفوذه والتأثير في الشرق الأوسط، نادما شديد الندم على مقامرته في مهاجمة أوكرانيا. فاحتلال روسيا لبعض الأجزاء من أوكرانيا لا يعني أن روسيا حققت مخططها لضم أوكرانيا، ولم تجن من سباحتها في هذا الغور العميق ما تروم إليه من احتلال كييف، ولم تبلغ حلمها.

لم يكن لدى الولايات المتحدة مانع حقيقي من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، صحيح أنها شجبت هذا العدوان في العلن، لكن هذا ظل يدغدغ مشاعر الأميركيين لأنه وصل بروسيا إلى مرحلة وجدت فيها نفسها غارقة في الوحل الأوكراني.

يفسر ذلك، بعد سنتين تقريبا من الحرب الروسية – الأوكرانية، وضع الروس المتقهقر، فضلًا عن تورطهم بالدخول إلى سوريا لدعم نظام الحكم فيها. لا طاقة لروسيا اليوم على بسط جناحيها في أوكرانيا وسوريا، وهذا مرده ضعف اقتصادها ومحاصرتها أمميًا. إذن هي في ورطة حقيقية، رغم أنّ حربها مع أوكرانيا قد تكون مبررة، فهي حديقتها الخلفية التي باتت مهددة من حلف الناتو، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي توزعت ترسانته النووية على أربع دول بينها أوكرانيا، وهذا سبب آخر دفع روسيا إلى محاربة الأوكرانيين.

إقرأ أيضا : أمريكا وإسرائيل: من يملك قرار الحرب؟

لا يوجد اليوم، وبعد مرور عامين من الاقتتال في أوكرانيا، ما يشير إلى حسم عسكري لصالح روسيا، بل على العكس، تراجعت قوة روسيا العسكرية والاقتصادية أكثر وبات حلم بوتين بأن يكون القطب الآخر في المعادلة الدولية غير موجود في ظل سيطرة الولايات المتحدة على العالم حتى هذه اللحظة.

بيد أن القوة الصاعدة اليوم، والتي تخشى منها الولايات المتحدة، هي الصين التي تطمح للسيطرة على العالم اقتصاديًا وسياسيًا. وذلك رغم عدم شروعها في السيطرة السياسية لحسابات دقيقة تتعلق بهذا الجانب، واختارت ترك الأمر لوقت آخر حتى تنضج الأمور تمامًا. هذا ما تتحسب له الولايات المتحدة وتحاول توريط الصين في معارك داخلية أو حتى مع تايوان.

الرغبة الجامحة عند الصين لإعادة تايوان إلى أحضانها موجودة وهذا مربط الفرس، فهي تدرك، أي الصين، خطورة الدخول إلى تايوان وإعادة احتلالها لهذا تركت هذه الخطوة إلى أجل غير مسمى.

روسيا لا تستطيع أن تجاري الولايات المتحدة في حال سقطت الورقة الأميركية لأنها بحاجة وقتها إلى اقتصاد قوي يدعم حضورها، وبسط سيطرتها. تبقى الصين المرشح الأوفر حظًا وذلك لكونها قوة اقتصادية وتمتلك ترسانة عسكرية كبيرة.

لم يعد لروسيا مكان تحت الشمس، بعد خوضها حربًا ضروسًا مع أوكرانيا وبعد تدخلها في سوريا، لقد ألغى ذلك تموضعها على الخارطة السياسية العالمية.

ملامح تشكيل عالم من دون الولايات المتحدة اليوم غير واضحة، فهي مازالت تحكم سيطرتها على العالم. ولكن بعد الانتخابات الأميركية المزمع إجراؤها في الخامس من الشهر القادم، وفي حال فوز ترامب فإن ذلك سيحدد طبيعة المرحلة القادمة. إذا بقي ترامب على تهوره وآتت خططه وأفكاره المنبثقة عن فلسفته أكلها، ما لنا إلا أن نقول لم يعد للولايات المتحدة دور فعال، لأن إحدى أهم مشاكل ترامب خطبه السياسية المتمثلة في إقصاء العالم علنًا، وهذا ما يجعله في وضع مختلف مقارنة مع فترة حكمه السابقة، فالعالم اليوم يمر بحقبة تطور ومخاض فكري ملموس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى