مهزلة التحقيق الإسرائيلي في حادثة المطبخ العالمي
في أول رد فعل على هذه الحادثة، علقت منظمة المطبخ العالمي المركزي أعمالها الإغاثية في قطاع غزة بما يضع أكثر من مليون شخص في القطاع في خانة المجاعة، خاصةً أن اسرائيل أوقفت تعاونها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين متهمةً إياها بالتورط في الأعمال العدائية ضدها!
أصدر جيش الاحتلال الاسرائيلي نتائج تقريره الخاص بالتحقيق بمقتل سبعة من عمال الاغاثة التابعين للمطبخ العالمي المركزي (WCK). وحسب التقرير، اعترف الجيش بمسؤوليته عن هذه الحادثة، مبرراً قصف ثلاث مركبات تابعة للمنظمة الاغاثية بوجود مشتبه به مسلح في إحداها على الرغم من انخفاض مستوى الثقة، وأنه تم ضرب المركبتين الاخريين بشكل مخالف لتعليمات الجيش. وأشار الجيش بأنه بعد مراجعة كاميرات الطائرة المسيرة التي رصدت الهدف، تبين أن المشتبه به كان يحمل حقيبة وليس سلاح، كما أن طائرات الاستطلاع لم تستطع أن تحدد ان هذه المركبات تابعة للمطبخ العالمي المركزي برغم وجود شعار المطبخ العالمي عليها!.
وفي أول رد فعل على هذه الحادثة، علقت منظمة المطبخ العالمي المركزي أعمالها الإغاثية في قطاع غزة بما يضع أكثر من مليون شخص في القطاع في خانة المجاعة، خاصةً أن اسرائيل أوقفت تعاونها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين متهمةً إياها بالتورط في الأعمال العدائية ضدها!. كما أكدت المنظمة الدولية والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها على أن الجيش الاسرائيلي استخدم قوةً مميتةً مدمرةً في تجاهل واضح لبروتوكولات وقواعد الاشتباك وتجاهل التسلسل القيادي، وطالبت المنظمة بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في قتل موظفيها، قائلة أن الجيش الإسرائيلي “لا يستطيع التحقيق بشكل موثوق في فشله”. وحسبما أوردت صحيفة “التايمز أوف اسرائيل”، فقد اعتذر رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي “هليفي” عن مقتل العاملين في المطبخ العالمي المركزي. كما إعتبره رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو حادثاً مأساوياً، الا أنه أتبع تصريحه بأن هذه الأخطاء في العادة تحدث في الحروب!.
وأدت هذه الحادثة الى ردود فعل دولية غاضبةً على إسرائيل من قبل مختلف دول العالم، لاسيما تلك الدول التي يحمل جنسيتها ضحايا هذا العدوان وهي استراليا وبريطانيا وبولندا وكندا والولايات المتحدة. وهو الأمر الذي دفع جيش الاحتلال الى الاعلان عن تشكيل لجنة أمنية خاصة للتنسيق لوصول المساعدات. الا أن تقريراً صدر عن “هارتس” يشكك في قدرة هذه اللجنة وغيرها من الاجراءات الاسرائيلية التي تستهدف تسهيل وصول المساعدات أو تجنب قتل المدنيين، حيث ينتقد التقرير قيام القادة الميدانيين باتخاذ الاجراءات التي يروها مناسبة في الميدان حيث لا يعبئون كثيراً بالبروتوكولات والاجراءات العسكرية. وقد شهد العالم أجمع على هذه القرارات الميدانية التعسفية في أكثر من مناسبة مثل مجزرة الشيخ عجلين، وقتل مدنيين فلسطينيين عزل يسيرون في شارع الرشيد كما أظهرتهم طائرة إستطلاع إسرائيلية، أو حتي تفجير جامعة الأقصى بدون موافقة قائد الاركان وغيرها الكثير من الحوادث التي تظهر بشكل جازم أن الجيش الاسرائيلي لا يتقيد بأي برتوكولات في قطاع غزة.
في الواقع، هنالك العديد من الملاحظات على نتائج التحقيق الاسرائيلية الخاصة بحادثة المطبخ العالمي يمكن إيجازها بالأتي:
أولاً: لا يوجد أي إثبات قدمه الجيش الاسرائيلي بأن أحد المسلحين استقل مركبةً من مركبات المطبخ العالمي وهذا باعتراف التقرير نفسه. وبالضرورة، فانه لا يوجد أي مبرر للقيام بقصف المركبة.
ثانياً: حتى لو افترضنا بأن أحد المشتبه بهم ركب إحدى المركبات التابعة للمنظمة الاغاثية، فلماذا تم ضرب المركبتين الأخريين وهما تبعدان عن المركبة الاولى أكثر من نصف ميل؟
ثالثاً: كان هنالك تنسيق مع جيش الاحتلال بمرور هذه المركبات وهذا باعتراف الجيش ومنظمة المطبخ العالمي، وبالضرورة، فان التبرير بأن طائرات الاستطلاع لم تستطع أن تميز شعار المنظمة الاغاثية على المركبات ليس منطقياً.
رابعاً: بافتراض وجود اي اشتباه باحدى المركبات، كان بإمكان القائد الميداني الاسرائيلي أن يطلق طلقات تحذيرية، أو يقطع الطريق على المركبات من خلال القوة الميدانية او قوة النيران.
والسؤال المهم الأن، هل الجيش الاسرائيلي بهذه السذاجة بأن يقوم بقصف مركبات تابعة لمنظمة اغاثية دولية كبيرة وهي بالأصل تقوم بالتنسيق معه لصالح توزيع المساعدات في شمال غزة، في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الدولية على إسرائيل بأن تعمل على وصول أمن للمساعدات منعاً للمجاعة التي يمكن أن تقتل مئات الألاف من الفلسطينيين؟. في الحقيقة، هنالك عدة نظريات يمكن أن تفسر لنا هذه الحادثة -وهي جميعها تبتعد عن هزلية تقرير التحقيق الاسرائيلي- وهي:
1- النظرية النفسية في الصراع، وهي تبنى على أن الاسرائيليين في جيش الاحتلال المقاتل في غزة محكومين بالحقد والرغبة بالانتقام والكراهية المطلقة للشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي يدفعهم بالوعي واللاوعي بعيداً عن البروتوكولات العسكرية للاستهداف المقصود لكل ما هو فلسطيني أو حتي يساعد الفلسطينيين حتى لو كانوأ عمال إغاثة أجانب.
2- النظرية الأمنية، وهي أن قيادة الجيش راهنت على أن المشتبه به الذي ركب مركبة الاغاثة أو اقترب منها كان من أحد القيادات الأمنية والسياسية الكبيرة الفلسطينية في القطاع، وهو الأمر الذي دفع هذ القيادة الى اتخاذ قرار ظني سريع باستهداف المركبات الثلاث نتيجة لمعلومات أمنية مغلوطة تتحدث عن إغتيال أحد القيادات الفلسطينية.
3- النظرية البيروقراطية ، وهي تفترض ضعف النظام الاجرائي البيروقراطي وانسياب المعلومات الأمنية بين قيادات الجيش الاسرائيلي والقادة الميدانيين في الجبهة. بحيث تتيح هذه الفجوات البيروقراطية للقادة الميدانيين اتخاذ قرارات سريعة ومتهورة.
4- النظرية السياسية، وهي أن اسرائيل تريد استمرار فاعلية سياستها في تجويع سكان قطاع غزة، وراهنت على أن تنامي مساعدات المطبخ العالمي سيؤدي الى تراجع في سياستها المفضية الى تجويع سكان شمال القطاع بهدف ترحيلهم.
وفي النهاية، وبغض النظرعن إحتمالية تماثل إحدى هذه النظريات أو كلها مع حقيقة إستهداف مركبات المطبخ العالمي، يظل التساؤل المركزي ماثلاً أمام العالم أجمع، وهي أنه في الوقت الذي يستهدف به عمال إغاثة دوليين مع وجود تنسيق مع الارتباط العسكري الاسرائيلي، فكيف الحال بالفلسطينيين العزل الذين يقتلون بالمئات يومياً. ما هي الاجراءات والبروتوكولات العسكرية الاسرائيلية التي تجنبهم القتل والتطهير العرقي؟ في الواقع، اذا لم تفلح هذه الاجراءات في تأمين عمال إغاثة دوليين فهل من المتوقع أن تفلح الاجراءات التي أعلنها جيش الاحتلال وسلمها لمحكمة العدل الدولية بأن تحمي المدنيين الفلسطينيين في فترة الحرب.!