من يقدر على منافسة قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية ؟
قيس سعيد يمتلك حظوظا أوفر من غيره للنجاح، لاعتبارات متعددة منها أنه موجود في السلطة وحاضر بين الناس في التغطيات الإعلامية اليومية والأنشطة ذات البعد الاجتماعي التي تقرّبه من الناس
تتعدد الترشيحات للانتخابات الرئاسية التونسية المقررة نهاية العام الحالي، وأكدت الدوائر الرسمية موعدها برغم التشكيك الواسع من المعارضة في إمكانية التزام السلطة بإجرائها.
صحيح أن الموعد لا يحوز على اهتمام كبير من الناس كما يحصل في السابق، خاصة انتخابات 2019 التي فاز بها الرئيس الحالي قيس سعيد، فالدنيا تغيرت والناس لم يعودوا يبحثون عن السياسة ومناسباتها بقدر ما صاروا يبحثون عن الخبز والأرز والزيت والسكر، ومن سيكون قادرا على جلب هذه المواد سيحصل على أصوات أكثر، لكن، ومع ذلك، فإن ترديد أسماء المرشحين آخذ في الاتساع.
في 2019 وما قبلها لم يكن المشهد واضحا سياسيا، وهو ما أفرز تنافسا كبيرا ومتنوعا سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية. الآن المشهد أقل تعددا وتنافسا لاعتبارات متعددة منها ما يتعلق بالسلطة التي تعتقد بضرورة القضاء على الفوضى السياسية وتحييد الأحزاب عن المشهد لكونها المسؤول الأول عن التعقيدات الاقتصادية التي تعيشها تونس، وهو ما يظهر من خلال التشدد في القوانين واستدارة الإعلام نحو الصوت الواحد، والتخلي كلية عن التعددية التي خلقت عشرات البرامج السياسية وكانت تجذب إليها نوعية من المشاهدين المهتمين بالسياسة والانتقال الديمقراطي.
وهناك أسباب تتعلق بالأحزاب والفاعلين السياسيين. فقد تقلص العدد من العشرات إلى دائرة محدودة جدا باتت تشمل المعارضين الذين كانوا في خلاف ومماحكة مع الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، فيما اختفت الوجوه التي أفرزتها ثورة 2011، وحولها الاستقطاب السياسي والإعلام وتدخلات الخارج في ورشة الانتقال الديمقراطي إلى رموز تقود أحزابا صغيرة تشكلت حولها وهدفت لتأمين حضورها في المشهد.
لم يعد أحد يعرف مثلا مآل المجموعات الصغيرة التي تشكلت وتشظت بعد اختفاء حزب نداء تونس من تجمعيين ويساريين ونقابيين، ولا مآل رموزها مثل محسن مرزوق أو حسونة الناصفي.
وهناك أحزاب ومجموعات فكرية عادت إلى البيات الشتوي الطويل الذي اختارته لنفسها في عهد بن علي. ولم يكن من هدف لبروزها بعد الثورة سوى تغذية المماحكات الأيديولوجية التي عاشتها خلال الحراك الطلابي بالجامعة.
الغياب القسري أو الاختياري للأحزاب والوجوه السياسية التي يمكن أن تنافس على الرئاسة يجعل دائرة المرشحين ضيقة، وباستثناء الرئيس سعيد، فإن الوجوه التي يؤمّل أن تترشح ستكون من سياسيين معروفين قبل الثورة، ما يعني أن مرحلة ما بعد الثورة لم تخلق رموزا ولا أحزابا حقيقية، كأنما هي قوس تم إغلاقه بالريموت كنترول.
قيس سعيد يمتلك حظوظا أوفر من غيره للنجاح، لاعتبارات متعددة منها أنه موجود في السلطة وحاضر بين الناس في التغطيات الإعلامية اليومية والأنشطة ذات البعد الاجتماعي التي تقرّبه من الناس، وخاصة خطابه الذي يمس تفاصيل حياتهم ويستجيب لبعض تطلعاتهم خاصة ما تعلق بصورته كشخص لم يتسخ بعدُ بالسياسة ولم ترتبط به تهم أو إشاعات الفساد في ذاته أو في الدائرة المحيطة به، أو وزراء حكومته.
سيكون التحدي الأكبر أمامه لإقناع الناس بإعادة انتخابه هو تحقيق نتائج ولو محدودة في حل أزمة المواد التموينية وضمان توزيعها بشكل عادي دون صفوف. يضاف إلى ذلك التقدم بخطوات واضحة في حل موضوع البطالة.
سيختبر الناس فكرة الشركات الأهلية ومدى قدرتها على استقطاب الشباب وتوفير ما يبحثون عنه في مستوى عيشهم خاصة من الأجيال الجديدة لخريجي الجامعات الذين بات الكثير منهم يفكر في الهجرة لتحقيق أهداف لن يقوى على تحقيقها في تونس مهما كانت الوظيفة التي يحصل عليها.
ويجد المنذر الزنايدي، الذي ألمح في بيان أخير إلى أنه سيترشح للانتخابات الرئاسية، نفسه منطقيا المرشح الجدي الثاني بعد قيس سعيد، وذلك بسبب انتمائه للمنظومة التي سبقت الثورة، حيث شغل الكثير من الحقائب الخدمية ولديه معرفة بتفاصيل ملفاتها ما يسهّل عليه أن يقدم برنامجا واقعيا قد يجلب الناس خاصة جمهور المنظومة السابقة التي تشعر بأنه تم تهميشها وتخوينها بسبب أخطاء في دائرة محدودة من محيط بن علي وبعض رجال الأعمال المستفيدين منه.
وحمل بيانه الأخير نوعين من الإشارات. الأول فيه انتقاد لنظام قيس سعيد بشكل واضح، وقد يكون الهدف منه السعي لكسب أنصار المعارضة، من ذلك قوله إن تونس “تعيش اليوم حالة من الإحباط والتخبط وانسداد الأفق لم يسبق لها مثيل”، أو أن “الترهيب والتخوين وتكميم الأفواه لن تفل من عزمنا على الاستجابة إلى نداء الواجب الوطني”.
ويحيل النوع الثاني إلى خبرات الزنايدي في الدولة ومؤسساتها من مثل قوله إن الواجب يقتضي “العمل على تحرير الإرادات واقتراح الحلول والمبادرات”، أو “مستأنسون بفهمنا لطبيعة الدولة والمجتمع (…) ومطمئنون لما وصلت إليه مجموعتنا من تصورات وبرامج لحلّ الأزمات الراهنة وتسليح بلادنا بما يضمن انخراطها بقوة ووثوق في معركة المستقبل”.
لكن هناك تساؤلات مفاتيح تطرح بشأن الزنايدي: هل هو مرشح شخصي أم مرشح الدولة العميقة، وخاصة رجال الأعمال والمال في ظل حديث عن شعور هؤلاء بالقلق من الوضع الراهن بعد تشدد الرئيس سعيد في موضوع الصلح الجزائي. ثم ما علاقة الزنايدي بالقاعدة الانتخابية لعبير موسي، رئيسة الحزب الدستور الموجودة حاليا في السجن، هل سيكون ترشحه على حسابها أم ضمن تفاهمات تضع في الحسبان أن سجن موسي يستدعي تحالفات أكثر فاعلية في جمهور المنظومة القديمة.
وفي قائمة المرشحين الأخرى، والأقل أهمية انتخابيا وفق توقعات عمليات سبر الآراء نجد نجيب الشابي، زعيم جبهة الخلاص الوطني التي يتحالف فيها مع حركة النهضة الإسلامية. ورغم أن الجبهة لم تعلن مرشحها بعد، لكن واقعيا سيكون الشابي هو المرشح الأول.
ويستفيد الشابي من وضع النهضة التي لا تسمح ظروفها الداخلية بتقديم مرشح خاص بها في ظل سجن رئيسها راشد الغنوشي وقيادات تاريخية أخرى مهمة خاصة رئيس الحكومة الأسبق علي العريض ونورالدين البحيري وزير العدل المثير للجدل والحكايات في حكم الترويكا.
وقبل أيام، قال الأمين العام لحركة النهضة العجمي الوريمي إن الحركة لن تقدم مرشحا حزبيا للانتخابات الرئاسية لسنة 2024، وهو ما يفتح الباب لدعم الشابي. لكن تجربة الشابي مع النهضة على هذا المستوى غير مطمئنة، فكثيرا ما راهن على دعمها، لكنها كانت تختار غيره مثل دعم المنصف المرزوقي في 2011.
ويجري حديث أيضا عن أن الحركة لا تمانع في دعم الزنايدي حتى ولو بشكل غير معلن لقناعتها بأنه مرشح غير “استئصالي”، وأنها قد تجد أرضية للتفاهم معه على قاعدة رابح – رابح، وهو افتراض واقعي إذا حصلت خلافات داخل جبهة الخلاص بشأن اسم المرشح، أو قررت عدم التقدم بمرشح خاص بها، أو إذا مر الزنايدي إلى الدور الثاني كمنافس لقيس سعيد.
الوقت مازال مبكرا، ما يمنح المرشحين لبناء التحالفات في محيطهم الحزبي أو الشخصي ودوائر النفوذ الداعمة لهم، لكن ذلك لن يمنع من توقع عزوف كبير للتونسيين عن المشاركة في ظل تجربة الانتقال الديمقراطي التي حولت الانتخابات إلى علامة سلبية تتساوى في الأذهان مع الفوضى والفساد.