روسيا

من يفوز في القتال الدرامي بين روسيا وأوكرانيا؟

بات من الواضح أن أوكرانيا فى موقف دفاعى؛ فبعد عدة أسابيع من القتال الدامى، استولت روسيا أخيرًا على مدينة أفدييفكا المحصنة، وبدون توقف لالتقاط الأنفاس، شرع جيشها فى شن هجمات على نقاط القوة الأوكرانية الرئيسية الأخرى ومراكزها اللوجستية.

تستهوينى على نحو خاص المباريات الحربية التى يجريها القادة العسكريون الكبار وذلك النوع الفذ من الخبراء العسكريين الذين حنكتهم التجربة على جبهات القتال، والذين لا يحللون مجرى الحوادث على خطوط النار من المكاتب وشاشات الفضائيات، بل من خلال زيارة ميدانية لمسارح العمليات.

تعد تلك المباريات جزءا رصينا من أساليب التحليل للقائد ــ أى قائد ــ وهيئة أركانه، إذ تمكنه من تحليل الصراع وتقوده إلى البدائل والاستراتيجيات التى يتخذ من خلالها قراراته وفق حجم الإمكانات والمعلومات المتاحة. وبنهاية المباراة الحربية وتقييم نتائجها يكون هناك تحليل كامل للخطط التى تم تنفيذها، وعوامل نجاحها، وأسلوب التغلب على نقاط الضعف فيها، ومن ثم فإن المباريات الحربية هى أعظم محاكاة للواقع.

تستهوى المباريات الحربية الصحف المهمة فى العالم، فقد أجرت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية ما يشبه مباراة حربية بين مجموعة من الخبراء بشأن مستقبل الحرب الروسية ــ الأوكرانية التى دخلت عامها الثالث، انتهى منها الخبراء إلى أن الحقائق تشير على خط المواجهة الآن إلى أن عام 2024 هو عام الركود فى هذه الحرب، فقال مارك تيس، الذى تقاعد من منصب نائب وزير الدفاع البلجيكى العام الماضى برتبة فريق: «إن العام الجارى سيكون عاما للتعافى والاستعداد على كلا الجانبين، تماما مثل عامى 1916 و1941 ــ 1942 فى الحربين العالميتين الأولى والثانية».

على ذات النسق قال وزير الدفاع الإستونى هانو بيفكور إن هذا العام «سيكون عام تعزيز استراتيجى ودفاع لأوكرانيا وداعميها فى حلف الناتو، ففيه سينصب المجهود الرئيسى على بناء القاعدة العسكرية والصناعية اللازمة». لكنه فى الوقت نفسه استدرك قائلا: «لكن روسيا تشكل هدفا متحركا، بعد أن وضعت اقتصادها على أهبة الاستعداد للحرب، وهى تنتج الآن دبابات وطائرات وصواريخ ومدفعية جديدة».

اتفق الخبراء الذين جمعتهم «بوليتيكو» فى هذه المباراة الحربية على أن ثلاثة أساسيات سوف تحدد مسار الأشهر المقبلة فى الصدام العسكرى القائم على جانبى نهر دونباس بين الروس والأوكران:

أولا: فى ربيع 2024 لن تمتلك أوكرانيا المعدات أو الأفراد اللازمين لشن هجوم مضاد كبير.

ثانيا: نجحت روسيا، بمساعدة حلفائها، فى تأمين التفوق المدفعى، وتقوم، جنبا إلى جنب مع الهجمات البرية المتواصلة، بقصف المواقع الأوكرانية.

ثالثا، فى غياب الدفاعات الجوية الغربية والصواريخ بعيدة المدى، فضلا عن قذائف المدفعية، فإن كييف سوف تكافح من أجل إقامة دفاع مستدام جدير بالثقة.

ونوه الخبراء إلى أن المبادرة خلال الأشهر القليلة الماضية انتقلت إلى الجانب الروسى، وبات من الواضح أن أوكرانيا فى موقف دفاعى؛ فبعد عدة أسابيع من القتال الدامى، استولت روسيا أخيرًا على مدينة أفدييفكا المحصنة، وبدون توقف لالتقاط الأنفاس، شرع جيشها فى شن هجمات على نقاط القوة الأوكرانية الرئيسية الأخرى ومراكزها اللوجستية.

يتطابق تقريبا ما ذهب إليه الخبراء العسكريون فى «بوليتيكو» مع ما خلص إليه المحلل العسكرى النمساوى فرانز ستيفان جادى ــ الذى يسافر بانتظام إلى الجبهة للتحقيق فى قدرات القوات الأوكرانية، من خلال إجراء مقابلات مع جنود من مختلف الرتب، من كبار الضباط فى كييف إلى القادة فى ساحة المعركة، ــ الذى قال فى مقابلة مع صحيفة «دير ستاندرد» النمساوية، فى 19 مارس الماضى: «لا أستطيع أن أؤكد الرواية السائدة هنا فى الغرب بأن نقص الذخيرة هو أكبر مشكلة تواجه أوكرانيا.. ما أعتقد أن أوكرانيا تعانى منه حاليًا أكثر من غيره: أولا، النقص المتزايد فى الأفراد، وثانيًا، الافتقار إلى التحصينات».

يرى جادى أنه يتعين على حكومة كييف أن تتخذ قرارات سياسية اليوم وليس غدًا من شأنها أن تؤدى إلى تعبئة المزيد من الأفراد وتدريبهم والحاقهم بقواتها المقاتلة بحلول الخريف. وإذا لم يحدث ذلك فإن أوكرانيا تخاطر بعدم قدرتها قريبا على تعويض خسائرها من الرجال، وعندئذ سوف يتحول الميزان أكثر فأكثر لصالح روسيا.

وفيما يخص افتقار أوكرانيا إلى التحصينات والتجهيزات الهندسية الدفاعية قال الخبير النمساوى: فى عام 2023، استغلت روسيا انتظار أوكرانيا الطويل لتسليم الأسلحة الغربية لإقامة حاجز دفاعى لا يمكن التغلب عليه على طول خط المواجهة ــ والذى سمى على اسم القائد المخلوع سيرجى سوروفيكين، وسيكون من الضرورى بالتأكيد بناء نظير أوكرانى لهذا الخط، لكن كييف ستواجه عقبات فى هذا الخصوص، ففى حين أن روسيا لديها وحدات تنظيمية خاصة للبناء السريع لأنظمة الدفاع العميق، فإن الجيش الأوكرانى يفتقر هذه الوحدات وما تضمه من معدات الهندسية لازمة للتجهيز الهندسى لخطوط الدفاع.

خالد أبو بكر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى