في أحد أيام سنة 2018، صعدت خديجة رحيمي (أصيلة دوار الرحيمات من معتمدية حاسي الفريد محافظة القصرين) كعادتها إلى الجبل رفقة إحدى قريباتها لجمع الحطب ورعي الأغنام، فانفجر لغم أرضي تحت أقدامهما. ذهب الانفجار بالساق اليسرى لخديجة وتوفيت قريبتها متأثرة بإصابات خطيرة. قلب ذلك الحادث حياة خديجة رأساً على عقب، فهي أم معيلة لطفلين وزوج مريض وعاطل عن العمل، فضلاً عن رعاية أمها المسنّة. والجبل هو مورد رزقها الوحيد، ولهذا تحتاج الصعود إليه باستمرار لجمع الحلفاء وإكليل الجبل لبيعها، ولرعي عنزات والدتها، وبعد بتر ساقها أصبح وضعها صعباً جداً. وجدت خديجة نفسها أمام كابوس مخيف، فهي من جهة فقدت إحدى ساقيها وبالتالي أصبح صعودها إلى الجبل صعباً ومرهقاً، ومن جهة أخرى، بات شبح الجوع أمام عينيها، فلا مورد رزق لديها ولا معيل لها وأطفالها.
تحوّلت الألغام إلى كابوس يؤرق الدولة التونسية، بخاصة ساكني الجبال التي تتحصن فيها التنظيمات المسلّحة، منذ انفجار أول لغم أرضي في الـ29 من نيسان/ أبريل سنة 2013 في جبل الشعانبي، الذي استهدف حينها مجموعة من العسكريين كانوا يقومون بالتمشيط بحثاً عن مسلحين، إذ لم تتوقف انفجارات الألغام منذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم مخلّفة وفيات وإعاقات خطيرة، سواء في صفوف المدنيين أو العسكريين.
وكانت السلطات التونسية ترجّح في البداية أن الجبال هي مجرد مناطق عبور لهذه المجموعات، ولهذا أعلنت حينها (سنة 2013) أن حدودها الشرقية مع ليبيا والجنوبية مع الجزائر منطقة عازلة. ولكن مع تتالي تنفيذ عمليات ضد عناصر الأمن والجيش ووسط العاصمة ونزل في محافظة سوسة، صدر في السادس من تموز/ يوليو 2015، أمر رئاسي أعلن أن جبال الشعانبي، السمامة، السلوم والمغيلة والمناطق المتاخمة لها في محافظة القصرين (وسط غربي) مناطق عمليات عسكرية مغلقة، بدءاً من توقيت صدوره حتى نهاية العمليات، بعد أن تحوّل هذا الشريط الجبلي الطويل منطقة نشاط للجماعة الإرهابية، وليس مجرد منطقة عبور. وتمتد سلسلة هذه الجبال على مناطق شاسعة في محافظة القصرين، وإلى أطراف محافظة سيدي بوزيد.
وعودة إلى حكاية خديجة الحزينة كما يرويها شقيقها، فقد تلقّت بعد بتر ساقها وعوداً بأن تحصل على مبلغ أربعين ألف دينار (حوالي 13 ألف دولار) كتعويض عن الحادث الذي ألمّ بها، ولكنها لم تحصل سوى على عشرة آلاف دينار (حوالي 3200 دولار) وعلى ساق صناعية ظلت ثلاث سنوات تطلبها من السلطات. كان المبلغ زهيداً بالنظر إلى مصاريف علاجها وتكاليف المعيشة الغالية في تونس، بخاصة في ظل بطالة زوجها. وظلت تمنّي النفس بأن تلتفت إليها السلطات وتخصص لها مورد رزق قار، يمكّنها من تربية أطفالها، لكن ذهبت كل الوعود التي تلقّتها من أكثر من جهة سدى.
وبعد طول انتظار ساءت فيها أوضاع خديجة الاجتماعية، وفقدت الأمل في أن تحصل على أي معونة، عادت مجدداً إلى البحث عن لقمة عيش أبنائها في الجبل، برغم إعاقتها وبرغم صعوبة تنقلها في تضاريس الجبال الوعرة. كان قراراً صعباً ومنهكاً لها، لكنها مضت فيه مكرهة، وقد زاد صعوبته تلف الساق الصناعية، وعدم تجاوب السلطات المحلية معها من أجل تغييرها، وعجزها عن شراء واحدة أخرى. ظلت خديجة على هذة الحال لفترة طويلة، حتى صادف أن أخذت طفلها إلى أحد المستشفيات في العاصمة تونس، هناك أشفق بعض الأطباء على حالها، واشتروا لها ساقاً صناعية جديدة.
وفي الرابع من آب/ أغسطس الماضي، توجهت مع خالتها وابنتها إلى الجبل في منطقة لم تطأها قدمها منذ أكثر من عشر سنوات، وبينما كن يرعين عنزاتهن عثرت خديجة على قطعة حديد فالتقطتها، وبعد خطوات قليلة رمتها أمامهن مباشرة لينفجر لغم ويصيب خديجة على مستوى الصدر وتفارق الحياة مباشرة، فيما تعرضت الخالة لإصابات خطيرة. ارتعبت ابنة الخالة من هول ما رأت، ولم تدري ماذا تفعل فانطلقت مسرعة إلى القرية لتخبرهم بما جرى، وتطلب منهم الصعود إليهما. هرع الأهالي إلى مكان الانفجار وحملوا جثة خديجة التي تناثر بعض أجزائها، في لحاف، فيما تناوبوا على حمل الخالة على ظهورهم، حتى وصول سيارة الإسعاف. علماً أن خديجة قد أصيبت في سنة 2016 بجروح خفيفة في انفجار لغم أرضي أيضاً.
“وحتى بعد وفاتها لم تبالِ السلطات بوضع أطفال شقيقتي، وتم الاكتفاء بتقديم بعض المساعدات الغذائية، ومبلغ ألف دينار (330 دولار) في اليومين الأولين للحادثة، مع حضور قوات الجيش يوم الحادثة حصراً، ثم طويت الصفحة، حتى محافظ المدينة يتجاهلنا تماماً، ولا يكترث أبداً لمعاناة أبناء هذه القرية. ولكننا حقاً تعبنا، وأنهكنا فقد أحبائنا في كل مرة، وبتر أطرافهم الذي يتحول إلى مشكلة صحية ونفسية كبيرة.
خديجة ليست الوحيدة التي اضطرت للعودة إلى الجبل بساق واحدة، وأمثالها كثر ممن دفعهم الفقر وتجاهل الدولة إلى الدوس على أوجاعهم، لملاحقة قوتهم اليومي، حتى بساق واحدة أو يد واحدة وحتى بعين واحدة. نحن أبناء الجبال ولدنا ونشأنا فيها ونحبها جداً، وهي مورد رزقنا الوحيد، ولكنها تتحول منذ سنوات إلى مقبرة تبتلعنا تباعاً، من دون أن تشعر أي جهة بما يلمّ بنا، وما نقاسيه من أهوال. ومن سيهتم لأمرنا؟ فنحن نصف أحياء، الفقر ينهشنا من كل صوب فلا طرقات مهيأة، ولا مدارس قريبة، ولا مياه صالحة للشرب، نحن منسيون تماما”.
إقرأ أيضا : في تونس عندما ينزل المطر ينخفض مستوى السدود
هكذا روى شقيق خديجة لـ”درج” بكثير من الحزن والحسرة رحلة أخته الشاقة مع الفقر، الذي دفعها لتبحث عن قوتها بين الألغام في الجبال حتى الموت، بعد أن تخلت عنهم السلطة منذ سنوات، وتركتهم يواجهون مصيرهم من دون أن تنجح في إيجاد حلول لمعضلة كبيرة لم يكونوا مسؤولين عنها، بل وضعوا مكرهين في مواجهة معها.
وخديجة ليست الوحيدة التي رحلت تاركة وراءها أطفالاً يتامى وبلا معيل، إذ سبقتها شريفة الهلالي التي تركت وراءها سبعة أيتام، وخيرة الهلالي التي تركت أربعة أيتام، وقبلهما راعية تركت سبعة أطفال، وغيرهن ممن حصدت الألغام أرواحهم/ن، بينما كانوا يبحثون عن لقمة عيشهم في جبال كانت بالأمس عنوان حياة، وأصبحت مسرحاً لقصص وحكايات مؤلمة، منذ أن وطأ المسلحون مناطقهم وتحصن بجبالهم وتحوّل إلى مسرح لعملياتهم ضد العسكريين والأمنيين.
وظهرت معضلة الألغام في تونس بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 وخاصة بعد سيطرة حركة “النهضة” على الحكم، وتفعيل العفو التشريعي العام، الذي أُطلق بموجبه سراح عديد المُدانين الخطيرين من السجون التونسية، وسيطرت العناصر التكفيرية على المنابر الدينية والساحات العامة بمباركة من الحركة، وظهور تيارات دينية متشددة أبرزها تنظيم “أنصار الشريعة” المصنف على لائحة الإرهاب، الذي تفرعت منه كتيبة “عقبة بن نافع” وتنظيم “جند الخلافة” المسؤولين الرئيسيين عن زرع الألغام في الجبال.
وتعد كتيبة “عقبة بن نافع” الموالية لتنظيم “القاعدة” في بلاد المغرب الإسلامي، أول مجموعة مسلحة نشطت في تونس بعد 2011، وأخطر جماعة سلفية جهادية هددت الأمن في تونس، وقد كانت تخطط لإقامة أول إمارة إسلامية في شمال أفريقيا انطلاقاً من تونس. وفي أيلول/ سبتمبر 2014 أعلنت مبايعة تنظيم “داعش” ودعته إلى التحرك خارج سوريا والعراق. وتحصنت منذ نهاية 2012 بجبل الشعانبي من محافظة القصرين (وسط غرب) على الحدود بين تونس والجزائر حتى تجعل عملية مراقبتها أمنياً صعبة. وكان الظهور الأول لها مع اغتيال الضابط في الحرس الوطني التونسي أنيس الجلاصي، في منطقة بوشبكة من محافظة القصرين على الحدود الجزائرية في كانون الأول/ ديسمبر 2012.
وشهدت سنة 2013 منعرجاً كبيراً على مستوى العمليات الارهابية في تونس من حيث العدد ونوعية الهجمات، التي تضاعفت ضد القوات الأمنية والعسكرية. وارتفعت الخسائر البشرية، مسفرة عن اغتيالين سياسيين، ومقتل ثمانية عسكريين وإصابة ثلاثة آخرين، ومقتل ستة عناصر من الحرس وغيرهم. ومع تتالي الحوادث الدموية بدأت البلاد حرباً ضد المجموعات المسلحة محققة نتائج هامة. وحتى تمنع هذه المجموعات تقدّم القوات العسكرية والأمنية، قامت بزرع أعداد كبيرة من الألغام في الجبال، تسببت في مقتل مدنيين وعسكريين وبتر أطراف كثيرين .
وخلال شهري نيسان/ أبريل وأيار/ مايو 2013، بدأت الألغام بالانفجار تحت أقدام الجنود التونسيين لدى قيامهم بعمليات تمشيط بحثاً عن المجموعات المسلحة، وهي متواصلة حتى اليوم.
ويواجه الأهالي الذين يعيشون على أطراف الجبال أزمة مضاعفة، فهم ينحدرون من مناطق فقيرة جداً، حيث لا تنمية ولا مواطن شغل، ولهذا يعتمدون بشكل كبير على الجبال في موارد رزقهم، كالرعي وجمع الحطب والحلفاء وإكليل الجبل والصنوبر لبيعها في الأسواق، أو لتربية النحل وغيرها، مع غياب شبه تام للدولة منذ عقود، برغم النداءات المتتالية التي يطلقونها كي تطالهم عيون السلطة.
ومنذ تسلل المجموعات المتطرفة إلى الجبال باتت حياتهم أكثر صعوبة. في البداية وجدوا أنفسهم عرضة لتهديدات هذه المجموعات التي بلغت حد القيام بذبح راعيي أغنام الأخوان مبروك وقطع رأسيهما في المنطقة نفسها في جبل المغيلة بين محافظتي القصرين وسيدي بوزيد، في حادثين منفصلين عامي 2015 و2017 على التوالي، وافتكاك المؤونة منهم تحت تهديد السلاح. وبعد أن نجحت القوات العسكرية في تونس في تحجيم وجود هذه المجموعات، وجد الأهالي أنفسهم في مواجهة الألغام الأرضية التي زرعها المسلحون، وهي إما تحصد أرواحهم وإما تؤدي إلى بتر أطرافهم، وهم الذين تحتاج حياتهم الشاقة إلى بنية جسدية قوية، حتى يتسنى لهم التكيف مع تضاريس الجبال الوعرة. وبرغم أن الجيش التونسي يمنع السكان المحليين من دخول المناطق العسكرية المغلقة، لكن هذا القرار يبقى غير قابل للتطبيق في غياب أي مورد رزق لهذه المناطق، باستثناء ما تدره عليهم الجبال.
ومع استمرار صعود الأهالي إلى الجبال تتالت حوادث انفجار الألغام تحت أقدامهم، وكان آخرها الذي جدّ في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في منطقة العثامنية التابعة لمعتمدية حاسي الفريد من محافظة القصرين، وتسبب في فقدان سيدة في الـ36 من العمر لساقها اليسرى وكسر وجرح ساقها اليمنى، عندما كانت بصدد جمع الحلفاء لبيعها وشراء بعض المواد الغذائية بثمنها.
ويُذكر أن القصرين هي أكثر المحافظات التونسية فقراً، إذ أظهرت إحصائيات للمعهد الوطني للإحصاء، حول توزع نسبة الفقر في تونس سنة 2020، أن أعلى نسبة فقر قد سُجلت في منطقة حاسي الفريد من محافظة القصرين بـ 53.5 في المئة.
ولا يوجد في تونس إحصاءات حكومية حول أعداد ضحايا انفجارات الألغام، لكن تم تداول وثيقة إعلامياً، تؤكد أن عدد الضحايا في محافظة القصرين وحدها بلغ 17 قتيلاً و22 جريحاً، في صفوف المدنيين حتى سنة 2023. بينما تم إحصاء نحو 48 قتيلاً، حتى عام 2018 جراء انفجارات الألغام حسب تقرير “مرصد الألغام الأرضية”.
تهميش الدولة
وعند حدوث الانفجار يواجه الأهالي محنة أخرى لا تقل خطورة عن الألغام نفسها، إذ يضطر المواطنون إلى حمل جرحى وقتلى انفجارات الألغام، إما على ظهورهم من أعالي الجبال والنزول بهم، لعدم توفر طرق سالكة تستطيع سيارة الإسعاف سلوكها للوصول إلى الضحايا، وعدم تخصيص الدولة معدات أكثر تطوراً للتعامل الناجع والسريع مع هذه الحوادث.
زد على ذلك ضعف الخدمات الصحية في المحافظة التي تفتقر إلى المستشفيات الكبيرة المجهزة بتقنيات حديثة. إذ يُنقل جرحى انفجارات الألغام، إما إلى أقرب مستشفى محلي، غالباً ما يكون غير مجهز ولا مزود بالمعدات والإطارات الطبية المختصة، أو إلى المستشفى الجوي الوحيد في المحافظة الذي يعاني بدوره مشاكل مشابهة، وهو ما يدفع إلى نقل بعض المصابين إلى مستشفيات أخرى في محافظات المناطق الساحلية أو العاصمة، الأكثر تطوراً.
ويسعى المصابون للحصول على تعويضات مناسبة أو مساعدة من السلطات، لفتح مشاريع صغير قارة يقتاتون منها، في ظل الإعاقات التي خلفتها الانفجارات، والتي تجعل استئنافهم لسالف أعمالهم صعباً ومنهكاً. ولكن روايات الأهالي تؤكد أن الدولة لا تضع أي استراتيجية لمساعدة ضحايا الألغام لمواجهة ظروفهم الجديدة بعد بتر أطرافهم، أو في حال وفاة معيل/ة العائلة، ومع كل الرؤساء والحكومات التي تتالت لأكثر من عقد لم يتم تأسيس هيئة تقوم بمتابعة ملفاتهم وأوضاعهم، وظل التعاطي معها هذه الحالات عشوائياً.
وتهتم السلطات التونسية إلى حد ما، بضحايا الهجمات التي يشنها المسلحون عموماً، وأنشأت سنة 2022 مؤسسة “فداء” التي تولت الاهتمام بأوضاع “ضحايا العمليات الإرهابية من جنود وأمنيين وضحايا ثورة الـ14 من كانون الثاني/ يناير 2011،” لكنها أقصت ضحايا الألغام برغم عددهم الكبير، واستمرار الانفجارات حتى اليوم، وعدم ظهور أي مؤشر عن نهاية هذا الخطر على المدى القريب أو المتوسط، وهو ما يعمّق أزمة ضحايا انفجارات الألغام.
وبدورها أعلنت “الهيئة العامة للمقاومين وضحايا الثورة والعمليات الإرهابية”، في كانون الثاني/ يناير 2023 على لسان رئيستها أن القضاء والأمن هما اللذان يحددان ما إذا كانت إصابات الجرحى من المدنيين من سكان المناطق العسكرية المغلقة (بتر أعضاء) نتيجة “عمليات إرهابية” من عدمها. ولم يتم تحديد ما هي المعايير التي يتم اعتمادها في ذلك، ولكن واقع ضحايا الألغام يبين أنه ليس هناك الجدية الكافية للتعامل مع هذا الملف.
وبسبب هذا التعاطي الرسمي مع هذا الملف أقدم المحامي سمير بن عمر المختص في قضايا الجماعات الإرهابية على رفع دعوى قضائية ضد الدولة التونسية، بعد أن تعرض شاب لانفجار لغم تسبب له في إصابات بالغة وإعاقة دائمة لكن القضاء رفض تحميل الدولة المسؤولية.
معضلة نزع الألغام
ويطرح تواتر انفجارات للألغام الجدل حول مدى نجاعة السلطات التونسية في عملية نزع هذه الألغام. فرغم إبطال القوات العسكرية مفعول أكثر من 100 لغم لكن هناك ألغاماً تبدو عصية على الكشف ويصعب نزعها.
وحسب العميد المتقاعد في الجيش التونسي مختار بن نصر فإن “إشكالية نزع الألغام في تونس لا تتعلق بالمعدات، ولكن زارعي الألغام يخفونها في أوعية بلاستيكية، في حين أن كاشفات الألغام التي تشتغل بارتداد موجات مغناطيسية أو بالإشعاعات، لا تستطيع أن تتفطن إلى الألغام المخبأة تحت الأرض بأوعية بلاستيكية”.
كما يرجّح بعض المهتمين بهذا الملف، استمرار وجود بعض العناصر المتطرفة التي تقوم بزرع الألغام حتى الآن، وتفخخ المسالك، حتى تمنع القوات الأمنية والعسكرية من الوصول إلى أماكن اختبائهم، فضلاً عن ترويعهم الأهالي الذين يصعدون باستمرار إلى الجبال، ويعتبرون في نظرهم مشاريع وشاة للسلطات. ويفسرون ما ذهبوا إليه بتكرار انفجار الألغام في الأماكن ذاتها لأكثر من مرة.
وحسب وزارة الدفاع، هناك أنواع عدة من الألغام، بعضها يستهدف البشر، وبعضها الآخر يستهدف المركبات والعربات، فضلاً عن الألغام التقليدية الصنع والحربية المصنعة.
ويقدّر معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح عدد قتلى وجرحى الألغام الأرضية ومخلفات الحروب لسنة 2020 بحوالي 7073 شخصاً، على مستوى العالم، أي بمعدل إصابة ومقتل يومياً، مقابل 5853 سنة 2019. ويمثّل المدنيون 80 في المئة من نسبة الضحايا السالف ذكرهم، نصفهم من الأطفال، وتحتل سوريا كانت في المرتبة الأولى من حيث عدد الإصابات، تليها أفغانستان.
وتعتبر مصر الدولة الأكثر تلوثاً بالألغام الأرضية بـ23 مليون لغم أرضي، أي ما يعادل 20 في المئة من عدد الألغام في العالم، وخامس دولة على مستوى عدد الألغام الأرضية المضادة للأفراد لكل كيلو متر مربع.
وحسب التقارير الدولية، فإن إزالة الألغام الأرضية تحتاج وقتاً طويلاً، إذ يرجّح بعض التقديرات أنه في حال استمرار إزالة الألغام بالمعدل الحالي نفسه، فإن العالم بحاجة إلى 1100 سنة للتخلص من الألغام، وهذا الرقم مشروط بعدم زرع ألغام جديدة. علماً أن هناك أكثر من 110 ملايين لغم مزروع على مستوى العالم.