ربما الإصرار الأمريكي على ضرورة مناقشة من سيحكم قطاع غزة في اليوم التالي للحرب الإسرائيلية المستمرة حتى اليوم يستدعي من الجميع نقاشا عميقا ومن أكثر من جهة، لمعرفة الجهة المناسبة لملئ هذا الفراغ الذي سيكون، صحيح أن إسرائيل ترفض حتى اللحظة كلا من حماس والسلطة الفلسطينية للسيطرة على القطاع، أو حتى مناقشة الأمر في مجلس الحرب، إلا أن الضغط العالمي والأمريكي على وجه الخصوص سيجبر إسرائيل على مناقشة هذا الأمر، خاصة وأنها ترفض ولو إعلاميا السيطرة المدنية على القطاع بعد الحرب.
وفي زحمة المناقشات الإعلامية التي بدأتها الفضائيات ووسائل الإعلام الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، خرج القيادي في حركة حماس بلبنان وليد كيلاني، ليؤكد بأنه بعد انتهاء الحرب لن يحكم غزة أحد على ظهر دبابة إسرائيلية، وأن من سيحكم غزة هو من يختاره الشعب، وقبل ذلك ستكون الأجهزة الشرطية والأمنية جاهزة لفرض الأمن، مؤكدا بأن ذلك سيكون ضربة تجاه من راهن على سقوط حماس أو من ظن أنه قادر على دخول غزة وحكمها دون قرار شعبي”، في رفض واضح لعودة السلطة الفلسطينية التي أخرجتها حماس بقوة السلاح عام 2007 من القطاع المحاصر والمدمر.
ومع حالة الغموض التي تسود الساحة الفلسطينية، كان الأولى على حماس وقادتها أن يناقشوا الأمر بكل منطقية وواقعية، خاصة وأن قطاع غزة سيحتاج عشرة أعوام على الأقل للانتهاء من اعمار البيوت المدمرة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية التي لم تنته بعد، وإعادة بناء البنى التحتية والمياه وشبكة الكهرباء والطرق والمنشآت، دون أن ننسى سقوط منظومة التعليم والصحة وتدمير البنية الاجتماعية والنفسية، وليس بعيدا الكثير من القضايا العالقة.
اعتقدت لفترة وجيزة، أن حماس أكثر ذكاء من هذا، وأنها بالرسم الاستراتيجي لنظرية ليبرمان ومن خلفه أطراف عديدة إغراق الحركة في حكم غزة انتهى بعد ٧ أكتوبر، وأن الذي تعتبره إسرائيل هدفا رئيسا للحرب، تعتبره حماس إنجازا سياسيا كبيرا يحسب كهدف حققته في دفع كل الأطراف للبحث عمن يدير أزمات القطاع بعيدا عن نظرية إغراقها، لكن بعد تصريحات قيادة الحركة تيقنت أنها مراهقة سياسيا أنها تريد ذلك بدون أي أفق واضح.
إن هذا الحديث، يثبت بدون أي شك، أن هناك فجوة عميقة بين تفكير قيادة حماس التي تحكم قطاع غزة، وبين الواقع والحقيقة، نحن في كارثة كبيرة جدا، قد يصل الى “ترانسفير” جديد ولجوء جديد وهجرة جديدة، وقيادة حماس تقول إنها لن تسمح لأحد بحكم القطاع دون موافقتها أو مشاركتها، فكان الأجدر على الأقل أن لتنتظر نهاية الحرب، وكيف سيكون شكل القطاع بعد انتهائها.
ولأن تفكير قيادة حماس هو “تفكير تربصي” بدا أن كل همّهم هو ألا يتم انتزاع الحكم من يدهم، رغم أن كل المؤشرات توحي بأن حكمها أصبح من الماضي بعد انتهاء الحرب، وكيفية الحفاظ عليه “إلى يوم القيامة” كما قالها أحد قيادتهم يوم أحداث يونيو 2007، فبدلا من التفكير في انهاء الحرب ومعاناة 2.5 مليون غزاوي من جوع وفقر وقتل ودمار، يفكرون في استمرار حكمهم.
إن انقلاب الأولويات لدى قيادة حماس، يؤكد أنهم لم يتعلموا شيء فترة حكمهم لغزة، وأنهم رغم سنوات سيطرتهم على غزة ما زالوا يعتقدون أن إدارة البلاد مثل إدارة مسجد في أحد أحياء قطاع غزة، بلجانه الاجتماعية، لتصبح الحكاية بالنسبة لهم أن قتل عشرات الآلاف من أهالي غزة أمر طبيعي، وأنها “ثمن الكرامة والحرية”، أما مجرد الحديث عن استبعادهم عن حكم القطاع، فهو الكارثة والمصيبة التي ستدمر القضية الفلسطينية وتعيدها عشرات السنين..