في مشهد سياسي غير متوقع، انتصرت قوى اليسار في كل من فرنسا وبريطانيا، ما أثار موجة من التفاؤل في صفوف الفلسطينيين وأعاد الأمل إلى نفوسهم بعد سنوات طويلة من الإحباط.
وتفاعل رواد منصات التواصل الاجتماعي العربية بشكل واسع مع نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، التي أسفرت عن تصدر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، بينما حل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان في المرتبة الثالثة، بعد أن كان متقدماً في الجولة الأولى من التصويت.
جاء ائتلاف “معاً” الوسطي برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون في المرتبة الثانية، لكن الانتخابات لم تُفضِ إلى تحقيق أي معسكر للأغلبية المطلقة، المتمثلة في الفوز بـ289 مقعداً في البرلمان.
في ظل تصدر معسكر اليسار للانتخابات الفرنسية، أعرب العديد من رواد التواصل الاجتماعي في العالم العربي عن ارتياحهم، ليس فقط لفوز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، وإنما أيضاً لخسارة حزب التجمع الوطني صدارته خلال الجولة الأولى، إلى جانب ذلك، أثار تصدر حزب التجمع الوطني اليميني في الجولة الأولى من الانتخابات مخاوف بين المهاجرين العرب، خاصة المسلمين، بعد تصريحات زعيمة الحزب مارين لوبان.
هذا الانتصار ليس مجرد تغيير في القيادة السياسية لهذه الدول، بل هو بمثابة شمس جديدة تشرق على غزة، لتبدد ظلام الحصار والعدوان، فبينما كانت إسرائيل تراهن على فوز اليمين المتطرف الذي يدعم حربها الضارية على القطاع، جاءت نتائج الانتخابات كنسيم الربيع الذي يحمل معه وعوداً بتغير جذري في المواقف الدولية.
وأصابت نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية حزب التجمع الوطني، بزعامة لوبان بخيبة أمل كبيرة، بعد توقعات على مدى أسابيع كشفت عنها استطلاعات الرأي بأن الحزب سيفوز في الانتخابات بشكل مريح.
وتعاون تحالفا اليسار والوسط بعد الجولة الأولى من الانتخابات الأسبوع الماضي، فقد سحب كل منهما عددا كبيرا من المرشحين وجعل السباق في عدد من دوائر الجولة الثانية بمشاركة مرشح واحد من أي منهما، في مواجهة المرشح اليميني، لتجنب تفتيت الأصوات المناهضة لحزب التجمع الوطني.
وفي غزة، حيث يعيش الناس تحت وطأة القصف والحصار، كان لفوز اليسار وقع الزلزال، الذي يهز أركان السياسة التقليدية ويعيد تشكيل ملامح المستقبل.
ويرى المحللون السياسيون في هذا الانتصار تغييرات جذرية قادمة في المواقف الدولية، إن فوز اليسار في فرنسا وبريطانيا يمثل صفعة قوية للسياسات الإسرائيلية، ويفتح الباب أمام دول أخرى لإعادة النظر في مواقفها تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
هذا الاعتراف الأوروبي المتزايد بدولة فلسطين قد يزيد من الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها، ويعطي دفعة قوية للحركة الوطنية الفلسطينية.
داخل غزة، تعيش الفصائل الفلسطينية لحظة فارقة، حيث تجد قوى اليسار الفلسطيني، التي طالما ناضلت من أجل الحرية والكرامة، أنها اليوم أمام فرصة تاريخية لتعزيز موقفها، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها هذه القوى خلال العقود الماضية، فإن الأمل يتجدد بفضل الدعم الأوروبي المتزايد.
في هذه الأجواء، يبدو أن فصلا جديدا من النضال الفلسطيني قد بدأ يُكتب.. فصل تُمزج فيه سطور من الأمل والإصرار.. سطور تُكتب بدماء الشهداء وصمود الأحياء.
ارتياح شرق أوسطي
فوز اليسار في الانتخابات الفرنسية قوبل بارتياح واسع بين رواد التواصل الاجتماعي في العالم العربي، خاصة بعد تصريحاتهم السابقة عن نيتهم الاعتراف بدولة فلسطينية.
فغرد الدكتور محمد البرادعي على منصة “إكس” تويتر سابقًا قائلًا: ميلانشون، رئيس جبهة اليسار التي حصلت على أعلى الأصوات في فرنسا، يتحدث عن ضرورة الاتفاق على الاعتراف بالدولة الفلسطينية “عاش كفاح الشعب الفلسطيني.. وما ضاع حق وراءه مطالب”.
وقبل انطلاق السباق الانتخابي، كانت “الجبهة الوطنية الشعبية الجديدة” قد دعت إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطينية، ودفع إسرائيل وحماس إلى إبرام اتفاق هدنة في غزة.
ورغم الابتهاج العربي بفوز اليسار الفرنسي ومواقفه المعلنة تجاه القضية الفلسطينية، يشير مراقبون إلى أن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية ستظل في يد الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي قال قبل شهرين إنه مستعد للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكن في الوقت المناسب.
تصريحات ماكرون جاءت بعد إعلان إسبانيا وأيرلندا والنرويج اعترافها الرسمي بدولة فلسطينية، لكنه ربط الاعتراف بتنفيذ السلطة الفلسطينية “إصلاحات أساسية”.
خبراء السياسة يرون أن القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية لن تُحسم في الوقت الراهن، في انتظار تشكيل الحكومة الفرنسية، وهي مهمة صعبة نظراً لفشل الكتل الثلاث المتصدرة في تحقيق الأغلبية المطلقة، ما يعني أنها لن تتمكن من تشكيل حكومة أغلبية وستحتاج إلى دعم من قوى أخرى.
على مر التاريخ، حاول صناع السياسة الخارجية في فرنسا الحفاظ على توازن بين علاقة فرنسا الاستراتيجية مع إسرائيل وبين مواقف متضامنة مع الجانب الفلسطيني.
طالب بعض رواد التواصل الاجتماعي بعدم التعجل في الحكم على نتائج الجولة الثانية، وما قد تعنيه من قطع الطريق أمام اليمين المتطرف في الوصول إلى الحكم في فرنسا.
نقطة تحول في المشهد
وبلهجة متفائلة، تحدثت الأكاديمية والحقوقية الدولية البارزة الدكتورة ترتيل درويش، قائلة، إن فوز اليسار الفرنسي في الانتخابات التشريعية يمثل نقطة تحول هامة في المشهد السياسي الفرنسي والدولي، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية تاريخياً، كانت السياسات الخارجية الفرنسية تحاول التوازن بين الدعم الاستراتيجي لإسرائيل والمواقف المتضامنة مع الفلسطينيين، ومع ذلك، فإن هذا الفوز يفتح آفاقاً جديدة يمكن أن تغير هذا التوازن لصالح الاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
وتابعت درويش، في تصريحات لـ”جسور بوست”، يمكن القول إن فوز اليسار الفرنسي يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ويمنحها دفعة معنوية ودبلوماسية قوية، لكن تظل التحديات كبيرة، ويتطلب الأمر متابعة مستمرة للضغوط السياسية التي يمكن أن يمارسها اليسار الفرنسي على الحكومة، بالإضافة إلى كيفية استغلال هذا الانتصار لتحقيق خطوات فعلية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحماية حقوق الفلسطينيين.
واسترسلت، اليسار الفرنسي، بزعامة جان لوك ميلانشون وتحالف الجبهة الشعبية الجديدة، لطالما كان داعماً قوياً لحقوق الفلسطينيين، ميلانشون وحزبه لم يخفوا نواياهم في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل جعلوا هذا التعهد جزءاً أساسياً من حملتهم الانتخابية، مثل هذا الالتزام الواضح يبعث برسالة قوية إلى العالم بأن هناك تياراً سياسياً في فرنسا يضع العدالة والحقوق الإنسانية في صلب أولوياته.
وأكدت الدكتورة ترتيل درويش، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل فرنسا سيكون له تأثير كبير على الساحة الدولية، أولاً، سيشكل هذا الاعتراف دفعة قوية للجهود الدبلوماسية الفلسطينية للحصول على اعتراف أوسع على المستوى الدولي، ثانياً، يمكن أن يؤدي إلى تأثير دومينو بين الدول الأوروبية الأخرى التي قد تتبع الخطوة الفرنسية، ما يزيد الضغط على إسرائيل للالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقرارات الأممية.
وتابعت، رغم أن السياسات الخارجية تبقى بشكل كبير تحت سيطرة الرئيس إيمانويل ماكرون، فإن الضغط الذي يمكن أن يمارسه اليسار الفرنسي على الحكومة من داخل البرلمان لا يمكن تجاهله، ماكرون نفسه أبدى استعداداً للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكنه ربط هذا الاعتراف بتنفيذ السلطة الفلسطينية “إصلاحات أساسية”،ومع تقدم اليسار، يمكن أن يتغير هذا الشرط، أو على الأقل يُخفف، في ضوء الدعم الشعبي والسياسي المتزايد لهذه الخطوة.
وعن فرحة العرب بهذا الفوز قالت، إنها ليست فقط لأن اليسار فاز، بل أيضاً لأن اليمين المتطرف الذي يتبنى سياسات معادية للمهاجرين والعرب والمسلمين، قد تراجع، الخوف الذي كان يتنامى بين المهاجرين العرب، خاصة المسلمين منهم، من صعود اليمين المتطرف، هدأ قليلاً بعد هذه الانتخابات لكن يجب أن نكون حذرين في التفاؤل.
وأتمت، تشكيل الحكومة الجديدة سيكون مهمة صعبة نظراً لعدم تحقيق أي معسكر للأغلبية المطلقة في البرلمان. هذا الواقع يعني أن الحكومة ستكون بحاجة إلى دعم من قوى أخرى، وقد يتطلب ذلك تقديم تنازلات، وأتم، يظل الأمل قائماً في أن التحالفات الممكنة لن تفرط في الوعود التي قدمها اليسار بخصوص القضية الفلسطينية.
متفائلون ولكن.. هل تصمت إسرائيل؟
وقال الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا عبدالمنعم الحر، إن فوز اليسار الفرنسي في الانتخابات التشريعية يشكل تحولا هاما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على القضية الفلسطينية، وأرى أن هذا الانتصار يمثل فرصة ثمينة لتسليط الضوء على حقوق الفلسطينيين ومطالبهم الشرعية في الحصول على اعتراف دولي بدولتهم المستقلة، اليسار الفرنسي، وخاصة تحت قيادة جان لوك ميلانشون وتحالف الجبهة الشعبية الجديدة، لطالما كان داعماً قوياً للحقوق الفلسطينية، ويعزز هذا الفوز إمكانية اتخاذ خطوات جريئة نحو الاعتراف بدولة فلسطين.
وتابع الحر، في تصريحات لـ”جسور بوست”، أحد الجوانب الإيجابية لهذا الفوز هو تعزيز الجهود الدبلوماسية الفلسطينية على الساحة الدولية، إذا تبنت فرنسا -وهي دولة ذات ثقل سياسي في الاتحاد الأوروبي وعلى المستوى الدولي- موقفاً واضحاً تجاه الاعتراف بدولة فلسطين، فإن ذلك يمكن أن يشكل سابقة تحفز دولاً أوروبية أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، هذا من شأنه أن يزيد الضغط على إسرائيل للالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة.
وأكد الحقوقي الليبي ضرورة أن نكون واقعيين وحذرين في التفاؤل، السياسة الخارجية الفرنسية لا تزال تحت سيطرة الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي أبدى استعداداً للاعتراف بالدولة الفلسطينية ولكنه ربط هذا الاعتراف بتنفيذ السلطة الفلسطينية “إصلاحات أساسية”، هنا يأتي دور اليسار في ممارسة الضغط السياسي داخل البرلمان لدفع ماكرون نحو اتخاذ خطوات فعلية في هذا الاتجاه، دون الالتفاف حول الشروط المعقدة التي يمكن أن تؤخر هذا الاعتراف.
وتابع، من جانب آخر، لا يمكن تجاهل أن إسرائيل ستسعى بكل الطرق الممكنة للتأثير على الموقف الفرنسي الجديد، إسرائيل لديها خبرة طويلة في استخدام الوسائل الدبلوماسية والسياسية للتأثير على القرارات الدولية لصالحها، يمكن أن تلجأ إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع الأطراف السياسية الأخرى في فرنسا التي تعارض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتقديم حجج اقتصادية وأمنية لإقناع الفرنسيين بعدم اتخاذ هذه الخطوة.
ونوه إلى أن إسرائيل قد تستغل علاقتها القوية مع بعض الدول الأوروبية الأخرى للضغط على فرنسا وللحد من تأثير أي اعتراف محتمل بالدولة الفلسطينية، إضافة إلى ذلك، يمكن أن تلجأ إسرائيل إلى تكثيف حملاتها الإعلامية والدبلوماسية لتشويه صورة القيادات الفلسطينية، ومحاولة الإيحاء بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.
واستكمل، رغم هذه التحديات، يبقى الأمل قائماً في أن الضغط الشعبي والسياسي داخل فرنسا يمكن أن يقود إلى تغييرات ملموسة في الموقف الفرنسي تجاه القضية الفلسطينية. فوز اليسار يمنح فرصة لإعادة النظر في السياسات الخارجية ويعيد طرح القضية الفلسطينية بقوة على أجندة النقاش الدولي. لتحقيق ذلك، يجب أن تستمر الجهود الفلسطينية في تعزيز التحالفات الدولية، والعمل بجدية على الإصلاحات الداخلية التي تعزز من مكانتها ومصداقيتها على الساحة الدولية.
وأتم، يمكن القول إن فوز اليسار الفرنسي يمثل بادرة أمل للقضية الفلسطينية، لكنه يأتي مع تحديات كبيرة، يجب على الفلسطينيين وداعميهم استغلال هذا الزخم للدفع نحو تحقيق الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته، يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة المحاولات الإسرائيلية الرامية لإجهاض هذه الجهود.