يتطلب تحسين أوضاع حقوق الإنسان في الدول العربية جهودًا كبيرة تشمل التعديلات القانونية، والإصلاحات السياسية، والتوعية المجتمعية، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية وغيرها، لا سيما في ظل سحب البساط من تحت أقدام حقوق الإنسان على وقع الحروب والنزاعات المسلحة.
وخلال السنوات الأخيرة، عجّت المنطقة العربية بالصراعات والاضطرابات السياسية في غزة والسودان ولبنان وليبيا واليمن وسوريا، ما أسهم في تراجع الحريات وانتهاك الحقوق الأساسية مثل الحق في المياه النظيفة، والغذاء، والسكن، والصحة وغيرها.
وتفرض التحديات الراهنة الاهتمام بتعزيز وإصلاح التشريعات والقوانين لضمان توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، إلى جانب سن تشريعات جديدة لحماية البيانات الشخصية، وحقوق الخصوصية الرقمية، وتجريم التمييز القائم على الدين أو الجنس أو العرق أو التوجه الجنسي، وإصلاح قوانين العمل لضمان ظروف عمل لائقة وحماية العمال من الاستغلال.
اقرأ أيضا.. الرابحون والخاسرون من سقوط الأسد
وتستوجب الأوضاع المتوترة في العديد من البلدان العربية تعزيز استقلال ونزاهة القضاء لضمان المحاكمات العادلة، وما يترتب على ذلك من إنشاء هيئات قضائية مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، وتعزيز حق المواطنين في اللجوء إلى القضاء ضد الانتهاكات.
وبشأن أوضاع الفئات المهمشة في المجتمعات، يتطلب الإنصاف الحقوقي لهذه الفئة إطلاق مبادرات لدمج الأقليات وتوفير الحماية ضد التمييز، إلى جانب تشديد العقوبات على العنف الأسري والتحرش الجنسي، وضمان المساواة في الأجور، ووضع برامج لمنع عمالة الأطفال وحمايتهم من العنف والاستغلال.
ويعد تعزيز حرية التعبير والصحافة أحد أهم مؤشرات تحسين أوضاع حقوق الإنسان في المجتمعات، والذي يستدعي إلغاء القوانين التي تقيد حرية الصحافة والإعلام، وحماية الصحفيين من الاعتقال والمضايقات، وضمان الوصول إلى المعلومات العامة لتعزيز الشفافية.
ويأتي تحسين ظروف السجون وضمان احترام كرامة المحتجزين ووضع قوانين لمنع التعذيب وسوء المعاملة، كضمان لتحقيق حقوق السجناء السياسيين ومراجعة قضاياهم بشكل عادل، خاصة في ظل تفشي حالة الاستقطابات السياسية في الدول العربية.
وفي السياق، يشترط تعزيز دور المجتمع المدني في الدول السماح للمنظمات غير الحكومية بالعمل بحرية دون قيود، وتوفير الحماية للنشطاء الحقوقيين والمجتمع المدني، وتعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني لتطوير حلول عملية.
ويتحقق ذلك من خلال الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتفعيل الالتزامات بموجبها لتعزيز حقوق الإنسان والحوار بين الدول لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات، إلى جانب نشر التوعية من خلال إدراج حقوق الإنسان في المناهج الدراسية، وإطلاق حملات توعية مجتمعية بحقوق الإنسان لتعزيز ثقافة التسامح والمساواة.
إقرار تشريعات جديدة
ويقول الخبراء والمراقبون إن تعزيز الحقوق الرقمية وحماية الخصوصية يتطلب إقرار تشريعات جديدة لحماية البيانات الشخصية، ومواجهة التجسس الرقمي، وتعزيز الشفافية حول استخدام الذكاء الاصطناعي والرقابة على تقنياته لتجنب الانتهاكات، وضمان الوصول العادل إلى الإنترنت باعتباره حقًا من حقوق الإنسان في المعرفة.
وبشأن مكافحة التمييز وتعزيز المساواة وتحسين أوضاع العمالة، يلزم إقرار قوانين جديدة لحماية الفئات المهمشة، مثل الأقليات العرقية والدينية والمهاجرين، وإصلاحات قانونية لمكافحة العنف ضد النساء والأطفال، سن قوانين ضد العمل الجبري واستغلال العمالة، خصوصًا في الصناعات منخفضة الأجر، وتشريعات لحماية العمالة المهاجرة وضمان حقوقهم، وإصلاحات تهدف إلى تقليص ساعات العمل المفرطة وضمان الحد الأدنى من الأجور.
ويشترط لتعزيز حرية التعبير والتجمع السلمي، تقليل القيود على الإعلام والصحافة، وإقرار قوانين لحماية الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني من الملاحقات القانونية أو المضايقات، وتعزيز الحق في التظاهر السلمي، إلى جانب أهمية تحسين أوضاع السجون والحد من التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، وتعزيز الضمانات القانونية في المحاكمات العادلة.
ويتطلب حماية حقوق اللاجئين والمشردين داخليًا في البلدان التي تشهد الحروب والنزاعات، تطوير قوانين لضمان حقوق اللاجئين وضمان عدم إعادتهم قسرًا إلى دول غير آمنة، وتحسين ظروف استقبال اللاجئين في الدول المضيفة.
الحريات والديمقراطية
ويرى الدبلوماسي ورئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، الدكتور غازي فيصل، ضرورة العمل على تحسين أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة العربية على مستوى القوانين والقرارات السياسية والاقتصادية، مؤكدا أنه لا بديل عن ذلك من أجل استقرار وتنمية البلدان العربية.
وقال فيصل، في تصريح لـ”جسور بوست”، إن وثيقة حقوق الإنسان منذ الثورة الفرنسية شرعت كقانون دولي اليوم وقدمت واحدة من المبادئ الكبرى لضمان الحريات والديمقراطية وحق الإنسان في تقرير مصيره وحقه في الحياة والعمل والتعليم والصحة والسكن اللائق والكرامة.
وأضاف: “كل الحقوق الأساسية يفترض أن تشكل أعمدة أساسية في دساتير وقوانين الدول العربية والإسلامية والنامية، ولكن مع الأسف هناك تحديات كبيرة تعيق الالتزام بحقوق الإنسان، تتمثل في انخفاض ومحدودية ثقافة حقوق الإنسان بتلك البلدان، ما يعرض مجتمعاتها لانتهاكات خطيرة من قبل الدول والأنظمة السياسية التي تنعدم فيها الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق المرأة والطفل وغيرها”.
وأشار إلى أن هذه الانتهاكات تتمثل في الاعتقالات العشوائية، وعدم وجود إجراءات قضائية تحترم تطبيق حقوق المتهم بالعدالة والدفاع عن النفس، وعدم استخدام العنف كأسلوب لتوثيق الاعترافات بالإكراه أثناء المحاكمات الجائرة، والملاحقة والقمع تحت ذريعة وهمية مما يشكل انتهاكاً لحرية التعبير.
وأوضح الخبير العراقي أن هناك حلولاً عديدة يجب أن تتحملها الحكومات والمجتمع لفتح مجالات الحوار والتوصل لصيغة تحقق المطالب الحقوقية بشكل ناجز معبر عن تطلعات ومواثيق حقوق الإنسان.
تعزيز حقوق الإنسان
وشددت المحامية والحقوقية السودانية، إقبال أحمد، على أهمية تحرك الحكومات ومنظمات المجتمع بشكل قوي ومؤثر ومسؤول نحو تعزيز حقوق الإنسان، خاصة في ظل التراجع الكبير الذي تشهده في البلدان مع تزايد أعداد اللاجئين والفئات المهمشة ونسب الفقر نتيجة الحروب والنزاعات بالمنطقة العربية.
وقالت إقبال في تصريح لـ”جسور بوست”: “العالم يتطور وحقوق الإنسان بالمنطقة العربية لا تأخذ مساحة من التطور المطلوب في ظل تطورات وظروف سياسية وعسكرية تعزز تراجع الحقوق بشكل مؤسف. لذلك فإن الحكومات عليها دور كبير في إصدار قوانين تتماشى مع حقوق الإنسان، وفتح حوار واسع بشأن ما يعزز الاستقرار والتنمية وحقوق الإنسان بشكل حقيقي”.
وأضافت: “منظمات المجتمع المدني بحاجة لمزيد من العمل والرقابة والبعد عن أي انحيازات سياسية، بما يكفل ترسيخ أكبر للحقوق الإنسانية في المنطقة العربية”، معتبرة أن ملف اللاجئين يعد أحد أبرز الضحايا في 2024، مع استمرار الحروب ببعض البلدان.
وأعربت الخبيرة السودانية عن تطلعها بشأن تعاظم أدوار الحكومات والمجتمع المدني عام 2025، في تحسين أحوال حقوق الإنسان عربيا، وتقديم توعية مستمرة لدعم حقوق كل المتضررين، لا سيما اللاجئين والفئات المهمشة.