غزة

منعطف خطير بعد عام حرب غزة

المنطقة في طريقها لحرب أطول وأشد وطأة، وعلى الجميع أن يستعد لتبعات مثل هذه الحرب وما قد تجره على المنطقة من آثار وتحولات وعواقب.

تتسارع الأحداث في فلسطين المحتلة بوتيرة سريعة.. فبدلاً من الحديث عن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. ذهب نتنياهو بالحرب لمستوى أسوأ من التوتر؛ فهدد وزير دفاعه بالإقالة، ودفع به وبقواته نحو سوريا تارة، ونحو لبنان تارة، بينما الولايات المتحدة الأمريكية التي تستعد للانتخابات القادمة وغير قادرة على كبح جماحه.

أما عن المقاومة الفلسطينية فلديها حسابات أخرى، وهي قادرة باستمرار على تغيير معادلة الحرب لصالحها رغم كل شيء.

فما نتيجة هذا الصراع الصفري بعد الاختراق الأمني الأخير الخطير ضد عناصر حزب الله اللبناني؟ وهل تدخل إسرائيل في حرب طويلة جديدة شاملة بعد أن دفعت بالصراع نحو حافة الهاوية؟

انفجارات البيجر

تضاربت الأنباء حول ما حدث في لبنان من انفجار أجهزة البيجر لدى آلاف من عناصر حزب الله اللبناني. وبدأت الأخبار تتوارد حول حقيقة ما حدث.

آخر الأنباء الواردة من خلال تقرير موقع إكسيوس الأمريكي، أن الهجوم الذي حدث في شكل رسائل نصية تم إرسالها لأجهزة بيجر مبرمجة على الانفجار عند استقبال رسائل مشفرة، أدى لمقتل 11 شخصًا، وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين من عناصر حزب الله اللبناني.

البداية كانت قبل عدة شهور، عندما استقبل أعضاء حزب الله شحنة أجهزة بيجر تايوانية تابعة لشركة “جولد أبولو”، إلا أن اثنين من عملاء حزب الله أثارا الشكوك حول هذه الأجهزة منذ عدة أيام، وهو ما دفع الموساد الإسرائيلي للمسارعة بتفجيرها قبل انكشاف الحيلة الجهنمية.

العملية تمت بالاشتراك بين الموساد والجيش الإسرائيلي؛ إذ أن الأجهزة التي وصلت لأيدي عناصر حزب الله، طبقًا للشركة التايوانية، هي في الحقيقة من صنع شريك مجري للشركة التايوانية، وقد تم العبث بها قبل وصولها إلى لبنان، بحيث تمت زراعة كميات ضئيلة من المتفجرات بالجرامات داخلها، لكنها كافية عند تفجيرها لبطاريات الليثيوم الموجودة داخل أجهزة البيجر لإحداث أضرار متفاوتة لحاملي الأجهزة، التي هي في المعتاد تكون لصيقة بمستخدميها!

تلك الخطة الشيطانية كان المفترض استخدامها كبديل هجومي له توقيت محدد. غير أن الشكوك التي أثارها بعض عناصر حزب الله منذ أيام، دفع الموساد للتعجيل بالهجوم.

تلك المعلومات أعلنها المراقبون الأمريكيون رغم أن إسرائيل صامتة، ولم تعلن مسئوليتها عن الهجوم. ما يعني أن إسرائيل لم تنسق مع أمريكا عند اتخاذ تلك الخطوة الفردية الخطيرة. إنه قرار منفرد اتخذه نتنياهو وحكومته المتطرفة دفعًا بالصراع نحو هاوية الجحيم.

موقف إيران

بعد عدة حوادث اغتيالات للرئيس الإيراني السابق في أذربيجان، ثم لبعض قادة حزب الله في لبنان، ثم لإسماعيل هنية في قلب إيران. هددت إيران بتنفيذ هجوم مضاد ضد إسرائيل، ثم لم يحدث شيء، ما شجع إسرائيل على التمادي وتنفيذ عدة ضربات جديدة ضد إيران.

فمنذ أيام حدث إنزال في سوريا مع اختطاف اثنين من عناصر الحرس الثوري الإيراني، ثم ها هو الهجوم واسع النطاق الذي أصيب على إثره أكثر من 3000 عنصر من عناصر حزب الله، بما يشير لمدى حجم الاختراق الأمني والاستخباراتي في كل من لبنان وإيران.

لبنان لم تقف مكتوفة الأيدي وإنما كانت لها ردود وتهديدات متفاوتة، لكنها لم تخرج عن إطار قواعد الاشتباك المتفق عليها؛ منعاً لانزلاق أقدامها في اتجاه حرب موسعة؛ فكانت لحزب الله هجمة صاروخية يومية نحو الشمال الإسرائيلي، وكلها هجمات غير مؤثرة.

كما استخدمت لبنان سلاح الحرب النفسية؛ من خلال بث عدة أفلام قصيرة متتالية مسجلة، بعضها لصور التقطتها طائرات درون مسيرة اخترقت الأجواء الإسرائيلية واستطاعت مراقبة مواقع عسكرية في مناطق إسرائيلية عديدة، وفيلم قصير تم بثه يشير لامتلاك حزب الله ترسانة من الصواريخ في أنفاق طويلة تحت الأرض.

كل تلك الفيديوهات تم بثها من باب التهديد والتخويف كنوع من الردع لمنع حدوث حرب محتملة هدد بها نتنياهو الجنوب اللبناني.

الحوثيون كان لهم رد فعل أشد حدة: فأسقطوا طائرة درون أمريكية، ثم أعلنوا هجومًا على سفينة بعد عشرات السفن التي سبق لهم مهاجمتها، واختتموا الرد بهجمة صاروخية هي الأخطر على الإطلاق؛ عندما أسقطوا صاروخ فرط صوتي على تل أبيب، فشلت الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية في اعتراضه.

اقرأ أيضا| رفض الوحدة الفلسطينية.. شبهات وطنية

إنها مناوشات مستمرة لأكثر من شهر بين إسرائيل من ناحية، وبين إيران وأذرعها من ناحية أخرى. تزداد وتيرتها بشكل متسارع، وكأنه عد تنازلي لأمر خطير يوشك أن يحدث، لتبدأ إسرائيل حرباً شاملة يدفع إليها نتنياهو المنطقة دفعًا. لاسيما بعد انفجارات أجهزة البيجر الأخيرة.

تهديد وجودي

أوشكت الحرب الإسرائيلية على غزة أن تكمل عامها الأول منذ أحداث السابع من أكتوبر عام 2023 والتي حدث على إثرها الهجوم البري الغاشم لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة.

حرب هي الأطول في تاريخ إسرائيل منذ نشأتها المشؤومة، تم خلالها استنزاف إسرائيل بشكل غير مسبوق: آلاف القتلى والمصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي، مئات النازحين من المستوطنين داخليًا، ومئات آخرين غادروا إسرائيل لعدة دول أوروبية وآسيوية وأمريكية.

والاقتصاد الإسرائيلي ينزف نزيفًا حادًا مستمرًا بمليارات الدولارات كل يوم، ما دفع عشرات الشركات العاملة في إسرائيل إما للإغلاق أو وقف النشاط.

جيش الاحتلال الإسرائيلي يعاني معاناة كبيرة؛ بدءًا من الخسائر المهولة في صفوفه، ومرورًا بامتناع الجنود عن العودة للقتال بعد انقضاء فترات إجازاتهم القصيرة، والاستقالات المتتالية لعدة قادة من قيادات الكتائب والألوية. ثم امتناع الحريديم من رجال الدين الإسرائيلي الذين رفضوا التجنيد رفضاً قاطعاً.

كل هذا يشير للضعف الشديد الذي يتسرب للجيش الإسرائيلي مع استمرار الحرب، ويحدث هذا في الوقت الذي يشهد فيه مجلس الحرب انقساماً في القرار بين رئيس الوزراء وبين وزراء حكومته وعلى رأٍسهم وزير الدفاع، وهو ما يهدد بإقالته إذا لم يمتثل لسياسات اليمين المتطرف في الحكومة.

انقسام أشد يشهده الشارع الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن التظاهر منذ عدة أشهر مضت، دون أن يكون لتلك المظاهرات أي تأثير يُذكر على قرارات حكومة نتنياهو؛ فلا حديث الآن عن عودة الرهائن، ولا وقف للحرب، بل اتساع لنطاقها نحو جبهات عديدة حول إسرائيل وداخلها.

المحللون الأمريكيون والإسرائيليون تحدثوا مؤخراً عن التهديد الوجودي الذي تتعرض له إسرائيل، وبالأمس القريب استغل ترامب هذا المعنى ليحذر إسرائيل أنها ستنتهي في غضون عام أو عامين إذا لم يأتِ هو للسلطة! والآن يجري الحديث عن مصطلح جديد هو “اختفاء الصهيونية” حتى عند البروتستانت من مسيحيي الغرب! وهو حديث يجري الآن على ألسنة مسئولين وسياسيين وصحفيين يهود.

مخاطر محدقة

بعد عدة عمليات طعن ودهس وقتل متبادل حدثت في الضفة الغربية وعلى حدود إسرائيل الشرقية مع الأردن وسوريا، وبعد صاروخ الحوثي الفرط صوتي، وبعد واقعة تفجيرات أجهزة البيجر، تبدو الأوضاع متجهة نحو مزيد من الاحتدام والالتهاب، وأن الحرب في طريقها للاتساع على عدة جبهات.

هذا ما تتوقعه الصحف الأمريكية وعلى رأسها “الفورين أفيرز” التي جاء في صدارتها مقال بعنوان: “الحرب الطويلة التي تتجه إليها إسرائيل”، ويقصد بها حرب ضد حزب الله اللبناني، ومن ورائه إيران مع باقي أذرعها في اليمن وسوريا والعراق!

المنطقة في طريقها لحرب أطول وأشد وطأة، وعلى الجميع أن يستعد لتبعات مثل هذه الحرب وما قد تجره على المنطقة من آثار وتحولات وعواقب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى