أمريكا

مكالمة الرئيس العجوز… فصل جديد من علاقة بايدن ـ نتنياهو

الجالية المسلمة تصبح ذات أهمية كبيرة في انتخابات تقوم على حسابات حساسة مقبلة بعد أشهر للدرجة التي دعت بايدن للجوء إلى قواعده الانتخابية بين الأمريكيين اللاتينيين، الذين تشهد أوساطهم تراجعاً في ولائهم للحزب الديمقراطي.

يمكن للأحوال أن تتغير بمكالمة غاضبة من رجل عجوز، ليس دائما بالطبع، ولكن هذه المرحلة حدث التغيير، لأن الرجل هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتوازي مع ذلك، أخذ وزير خارجيته صاحب المواقف المتحيزة، يتحدث هو الآخر بصيغة (افعلوا كذا وكذا وإلا). المكالمة الغاضبة بلهجتها الجافة دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعودة لمجلس الحرب، ليستصدر قراراً بفتح ميناء أسدود أمام المساعدات الدولية لأهالي قطاع غزة، بما يعني فتح معبر إيرز لإدخالها إلى القطاع، وإلى جانب ذلك، يرفع سقف التفويض الممنوح لوفده المفاوض للوصول إلى صفقة بخصوص الأسرى، يمكن أن تمهد لوقف إطلاق للنار. لا توجد أي مبررات وجيهة لنعتقد أن المكالمة أتت من دوافع ذاتية، وأن يقظة في الضمير ألمت بالرئيس وهو يتأمل ما يحدث، أو أن حلما باغته في قيلولة سريعة، فالرئيس بايدن، على الرغم من ملاحظات خجولة حول السلوك الإسرائيلي لم يتخذ مواقف يمكن وصفها بالحاسمة، وبقي جدارا استناديا موثوقا للسلوك (الإسرائيلي) المفرط في العنف والوحشية.

يوجد شق يتوسع في المجتمع في (إسرائيل) التي شهدت أشهراً ساخنةً قبل السابع من أكتوبر، على خلفية التعديلات الدستورية التي كان يريد نتنياهو فرضها على السلطة القضائية، وتوسع المظاهرات في المدن الإسرائيلية، مع تواصل اختطاف اليمين المتطرف للقرار في (إسرائيل) يدفعان إلى وجود خطر غير مرئي يمكن أن يحدث عطباً لا يمكن التنبؤ به داخل (إسرائيل) التي يعتبرها الرئيس الأمريكي الاستثمار الأفضل في تاريخ بلاده، وحتى لو لم يكن الرئيس معنياً أو مهتماً بذلك، فالكثيرون يمكنهم أن يقدموا النصيحة في واشنطن، خاصة أن الحزب الديمقراطي يفترض أن يكون متصلاً بما يمكن وصفه ببقايا اليسار (الإسرائيلي)، وربما اتضحت هذه النزعة في تصريحات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون التي دعت إلى رحيل حكومة نتنياهو على خلفية إدارته للحرب في قطاع غزة.

هذه من العوامل، ولكنها ليست حاسمة تماماً لتدفع إلى لحظة صعبة كان على الرئيس الأمريكي أن يستجمع حزماً باهتاً في شخصيته ليواجه نتنياهو المتبجح، وما يدفع بالاعتقاد حول وجود نقطة تحول أكثر تحديداً، هو فشل الإفطار التقليدي الذي يقيمه البيت الأبيض للقيادات المسلمة في الولايات المتحدة، نتيجة تلاحق الاعتذارات عن الحضور، والإفصاح عن سبب الاستنكاف عن المشاركة والمرتبط بما يحدث في قطاع غزة. يشكل المسلمون نحو 1.2% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وتذهب التقديرات إلى أنهم سيتجاوزون اليهود عددياً خلال عقد من الزمن، أو عقد ونصف العقد على أبعد تقدير، وبغض النظر عن التوقعات المستقبلية، فإن الجالية المسلمة تصبح ذات أهمية كبيرة في انتخابات تقوم على حسابات حساسة مقبلة بعد أشهر للدرجة التي دعت بايدن للجوء إلى قواعده الانتخابية بين الأمريكيين اللاتينيين، الذين تشهد أوساطهم تراجعاً في ولائهم للحزب الديمقراطي.

لا يمكن أيضاً عزل الجريمة التي أقدم عليها الجيش الإسرائيلي تجاه عمال الإغاثة الدوليين في منظمة المطبخ المركزي العالمي، وهو ما استدعى ردود فعل غاضبة تتساءل عن ماهية الأهداف الإسرائيلية وعن فشل إسرائيل في تحقيق انتصار، يمكن أن يدخلها إلى تهدئة تعمل على تسكين ردود الأفعال العالمية والصدمة المرتبطة بوحشية العدوان الإسرائيلي على غزة. كما أتى استهداف (إسرائيل) لما اتضح أنه أحد مقرات الحرس الثوري الإيراني بجانب القنصلية الإيرانية في دمشق، إلى تصعيد لا تراه الولايات المتحدة ضروريا، ولا يخدم مصالحها على أكثر من محور في المنطقة، وأتى التنصل الأمريكي ونفي أي تنسيق أو حتى مجرد العلم بالنية الإسرائيلية لمهاجمة هدف صريح بهذه الحساسية، ليؤكد ضيق الأمريكيين من دخول الجانب (الإسرائيلي) في مرحلة الارتجال، مع وجود أزمات متلاحقة بين معلنة ومكبوتة بين القيادات العسكرية والسياسية في (إسرائيل).

هذه المواقف والإشارات حاصرت الرئيس بايدن، ودفعته لتغير جوهري في سياسته، وألجمت شهية وزير خارجيته عن ممارسة التحيز المتواصل، ولكن ذلك لا يعني أن الأمريكيين يتخلون عن الورقة الإسرائيلية، وأن جهودهم حالياً تتركز على التخلص من قبضة نتنياهو على المشهد في (إسرائيل) والبحث عن بديل ربما أكثر كلاسيكية من الوجوه المطروحة، وأكثر قدرة على الحديث عن مشروعات تتلاقى مع الطروحات الأمريكية التي تحدثت عن دولة فلسطينية وهو ما التقطه رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ليخرج في وقت متزامن مع تصريحات كلينتون ضد نتنياهو متحدثاً عن إقالة نتنياهو وعن مسار إقامة دولة فلسطينية.

الديمقراطية الإسرائيلية على قدر من الغرائبية، بحيث يمكن أن تدفع لتصور التبادل بين أولمرت ونتنياهو، ليعود الأول إلى رئاسة الحكومة ويذهب الأخير إلى السجن، ونشاهده يتناول وجبة متواضعة منكسرا وراء القضبان، وعمليا ليست ثمة خيارات كثيرة متصورة، لأن النصر المتخيل الذي عمل اليمين الإسرائيلي على تسويقه متعذر موضوعيا من غير ارتكاب مجزرة كبرى في رفح، ربما تضاعف الخسائر البشرية التي وقعت بين الفلسطينيين منذ بداية الحرب، وهذا الأمر لا ينسجم مع المزاج العالمي في هذه المرحلة، ويبدو رهانا مفرطًا في عشوائيته بعد التعقيدات التي وصلها الوضع الراهن والمخاطر التي ينطوي عليها. هل يعني ذلك أن الأمور ستعمل لمصلحة الفلسطينيين؟ وهل يعني ذلك أن خطوة كبيرة ستتحقق؟ أم أن السقف الذي ستجري استعادته مرتبط بصفقة القرن التي حملها دونالد ترامب وحاول فرضها على الطاولة؟ وهل يعني ذلك أن اليمين الإسرائيلي سيقدر حقيقة موقفه وسيتصرف بحساسية تتطلبها الحسابات السياسية؟ أم أنه سيجنح إلى غريزة نهاية العالم التي تجمعه مع أطراف كامنة في اليمين الأمريكي، تمتلك تأثيرها على الرئيس ترامب الذي لا تعد عودته إلى البيت الأبيض أمرا مستبعدا. الوقت، وتحديدا، الأسابيع القليلة المقبلة يمكن أن تفرض على المنطقة واقعا جديدا، وإذا استمرت السلبية تجاه المشاركة في تشكيله قائمةً، فمن المستبعد أن يكون لمصلحتها في المدى البعيد.

سامح المحاريق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى