غزة

مقترح بايدن..فرصة لوقف موتنا المجاني!

مقترح وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، يتضمن مطلب إنهاء الحرب في غزة، الأمر الذي يُرغم المفاوض عن غزة للرد عليه بإيجابية، كونه يلبي موقفها الأخير بأنها لن تستقبل أي مقترح لا يتضمن وقف الحرب

في مبدأ الحسابات كل شيء للربح والخسارة، وفي حسابات المقاومة والدفاع عن الأوطان تخضع التجارب إلى لنفس الشيء، وعند قراءة واقع العدوان الإسرائيلي على غزة بعد مرور ثمانية أشهر وتدمير قطا غزة وارتقاء عشرات الآلاف ما بين شهيد وجريح نجد أن كف الميزان الخسارة أثقلت في حملها على شعبنا الفلسطيني، الأمر الذي يدفع الجميع إلى المطالبة بوقف شلل الدم النازف.

مقترح وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، يتضمن مطلب إنهاء الحرب في غزة، الأمر الذي يُرغم المفاوض عن غزة للرد عليه بإيجابية، كونه يلبي موقفها الأخير بأنها لن تستقبل أي مقترح لا يتضمن وقف الحرب، وهذه نقطة تسجل لصالح المقترح الجديد الذي أعاد الأمل لدى أهالي القطاع، بعد ثمانية أشهر من حرب الإبادة الإسرائيلية.

الغريب أن الوفد المفاوض لم يُبدو أي تواضع أو قراءة الواقع بحكمة حتى اللحظة أو حتى إشعار المواطن الذي يعيش تحت آلة الموت سبب المماطلة في الرد، خاصة بعد إعلانها تلقيها المقترح وأنها سترد عليه بعد دراسته خلال الأيام المقبلة، وكأن شعبنا الذي يذبح في غزة طوال الوقت، في ترف انتظار الرد.

والأدهى من ذلك كله، أن حماس وقادتها الموجود أغلبهم في الخارج، يخرجون بتصريحات تستفز المواطن المغلوب على أمره، ونصبوا أنفسهم الأمراء في تقرير مصير مليوني ونصف الفلسطيني من خلال الموافقة أو الرفض على أي مقترح أو مبادرة قد توقف الحرب.

إن فكرة أن يعلن بايدن عن المقترح شخصيا يعني أنه استثنائي، خاصة أن الطرح يأتي قبل نحو أسبوع من مهلة عضو مجلس الحرب بيني غانتس لحل المجلس، وقبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية أي أن الصيغة راعت سيف الوقت، لكن قادة حماس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على حد سواء لن يستسلموا، وسيعملون على إحداث ثغرات في المقترح الذي فاجأ أوساطا كثيرة في تل أبيب وغزة، وسيختارا استمرار الحرب والصدام.
ومثلما يقول المثل: “ليس رأسك بل كل جسدك في فم النمر”، فإن قادة حماس لا يملكون حتى ترف الاختيار بين البدائل، لإنه ببساطة ليس لديهم أوراق قوة يناورون بها، وأعتقد أن هذه فرصة ملائمة لوقف موت شعبنا المجاني، وحمايته من الانقراض بعد أن تم تدمير 90% من قطاع غزة.

ولعل المنطق والعقل يؤكد على ضرورة موافقة حماس على هذا المقترح الذي يشبه الى حد كبير المقترح المصري القطري الأخير، الذي وافقت عليه الحركة بشكل رسمي، والذهاب إلى هدنة ولو مؤقتة، نظرا لأن هذه الحرب أصبحت عبثية كونها تفتقد للكثير من المطالب التي بدأت من أجلها كاقتحام المسجد الأقصى مثلا، الإضافة إلى أنها أصبحت مكلفة بشكل كبير، ودون وجود أي أمل أو أفق في تغيير موازين القوة لصالح شعبنا، وبالتالي إن استمرار الحرب يعني مزيدا من القتل والهدم والتدمير، والعبث السياسي المبتدئ الذي يدرك الأمور دائما متأخرا.
كما أنه ينبغي على حماس قبول مقترح بايدن، لأن الشعب ملّ كثيرا من استمرار حرب الإبادة في ظل الظروف القاهرة التي يعيشها أكثر من مليون ونصف المليون نازح في الخيام بخانيونس ودير البلح، والظروف المستعصية التي يعيشها باقي شعبنا في مدينة غزة والشمال، حيث أنه بات من المنطق إعطاء أبناء الشعب بعضا من الوقت ليلملم جراحه والبقاء على شهدائه، اتركوا للشعب وقتا للحزن بهدوء، لأن الحرب لم تترك له وقتا لممارسة طقوس الحزن.
نعم، قد نحتاج إلى 10 سنوات لنعيد بناء أنفسنا وبيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وطرقنا ومستشفياتنا ومؤسساتنا وبنيتنا التحتية، لذلك لابد من مناقشة هذه الأمور بصوت عالي وبدون خوف وتردد، نريد قيادة قادرة على ذلك تتحدث بموضوعية وهدوء، بعيدا عن محاولة ضرب أمثلة فيتنام وحركات التحرر وضريبة التحرير، ودون أن نستل سيف التكفير والجوسسة، لأن أهل غزة من كبيرهم لصغيرهم دفعوا من أجسادهم ودمائهم وأموالهم.
لابد من قادة حماس التوقف عن المكابرة، والتواضع قليلا وقراءة الواقع جيدا، والتوقف عن الخطابات والتصريحات “العنترية” التي تثبت أكثر بأنهم في واد والشعب في واد آخر..أوقفوا الحرب فورا.

كلما قرأت التصريحات “العنترية” وغير المسؤولة لبعض القيادة في الخارج الأيام الأخيرة، تعود بي ذاكرتي إلى تصريحات بعضهم قبل شهر تقريبا عندما قالوا بأن إسرائيل ستغرق في غزة مرة ثانية، وبأن لديهم جاهزية عالية لمواجهة الاحتلال ومقاومته إذا قرر دخول رفح.. واليوم نشاهد اجتياح رفح من شرقها إلى غربها في أقل من 20يوما ودون التقليل من المقاومة، ولكن حرب الإبادة غير المتكافأة جعلتهم يسيطروا على رفح كغيرها من باقي المدن، وأثبتت الأيام أنهم لم يغرقوا في رمال غزة .. أوقفوا حرب الإبادة وتنازلوا عن الحكم ودعوا الشعب يعيش أحزانه بسلام..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى