معركة مستمرة بين تقوية اليمين الإسرائيلي وإنهاء اليمين الفلسطيني
سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف قابلها تردد إدارة ديمقراطية أميركية غارقة في حسابات منافسة انتخابية أمام خصم جمهوري لم تقتلعه عواصف فضائحه المتلاحقة من ساحة المعركة العائد إليها مجددا للثأر من جولة هزيمته السابقة
بعد أكثر من ثمانية أشهر على بدء حرب الإبادة في قطاع غزة، وبنظرة بانورامية للمشهد السياسي العام المستمر بتجلياته على صوت أزيز الرصاص وقذائف المدفعية، بَانَ تضاؤل رهانات انهيار حكومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، التي ما زالت تظهر عنادا سياسيا متماسكا ضاربة عرض الحائط بكل الضغوط الدولية التي لم ترتق بعد إلى مبادرات حقيقية، قادرة على إنهاء الحرب وتداعياتها، مُلزمة بضمانات سياسية تجاه القطاع وسكانه.
سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف قابلها تردد إدارة ديمقراطية أميركية غارقة في حسابات منافسة انتخابية أمام خصم جمهوري لم تقتلعه عواصف فضائحه المتلاحقة من ساحة المعركة العائد إليها مجددا للثأر من جولة هزيمته السابقة.
تردد أميركي استغله بنيامين نتنياهو في هروبه الكبير من استحقاقات مُلحة، مسوقا رؤية غير واقعية؛ تضمن بقاء الاحتلال عشر سنوات في القطاع تحت عنوان الازدهار المشروط بنزع سلاح غزة بشراكة عربية وإقليمية تتحمل كلفة الأزمات المركبة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
اللعب على حبال التناقضات الداخلية الأميركية، والتعويل على التشدد الأوروبي خاصة البريطاني والألماني، وعدم وجود معارضة قادرة على تجميع الشارع السياسي الإسرائيلي، عوامل استمرار منظومة نتنياهو اليمينية التي مازالت تناور بين خطوط النار والتفاوض لمد عُمر الحرب لتحقق مكاسب جديدة تبقيها في سدة الحكم.
في المقابل، حماس وما تمثله من يمين فلسطيني تعاني من أزمة رؤية ووجود على أنقاض القطاع المدمر، لا تمتلك أوراق ضغط للخروج من واقع الحرب أو الاتكال على الأوضاع الإنسانية المتفاقمة في إنتاج ضغط دولي أكبر على الاحتلال بشأن وقف الحرب بنهاية درامية تخدم بقاءها في إدارة القطاع بـ“اليوم التالي”.
التخطيط الإسرائيلي المنظم في الحرب يأخذها لفرض واقع هي تريده، ويظهر ذلك على سبيل المثال لا الحصر في جزئية إعلان الاحتلال عن استهداف نصف قيادات حزب الله الميدانيين، وهو ما يضعنا أمام حقيقة أن أكثر من 300 اغتيال ممنهج نفذته قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر في جبهة جنوب لبنان، المحافظة على محدودية ردود حزب الله العسكرية ضمن نطاق ما يسمى قواعد الاشتباك. في المقابل يجري تكتيم متعمد من قبل حماس حول خسائرها لإبقاء قوتها ظاهرة إما برشقات صاروخية أو عمليات عسكرية ميدانية عشوائية لا يُبنى عليها أفق سياسي يغير من واقع غزة اليوم.
حماس مازالت تدير المعركة عبر إعلامها ومنابرها الإخوانية التي هبت بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة لتسويق تصعيد عسكري تقنع به جمهورها أولا وشعوب المنطقة ثانيا، بأن كتائبها العسكرية مازالت نشطة في تنفيذ عمليات في مناطق تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي الذي يتذرع بهذه العلميات ليفتك بكل شيء فوق أرض القطاع وتحتها.
أمام تعقيدات مشهد الحرب، لا تملك الحركة إستراتيجية سياسية وعسكرية قائمة على أوراق ضغط فاعل لإجبار اليمين الإسرائيلي على الرضوخ لمطالبها وشروطها، خاصة في ظل استمرار سير حماس في مجاري الحواضن الإقليمية التي تأخذها في منحنياتها لتصب وفق ما يخدم مصالح هذه الحواضن، التي باتت تدرك أن مستقبل القطاع لن يتحمل حقيقة وجود وحشين بأنياب يمينية بداخله.
بعد زيف ما سمي وحدة ساحات المحور الإيراني بل وانهياره.. تبقى ورقة الأسرى الإسرائيليين لتمنح حماس هامش مناورة ضئيلا في مفاوضات الهدنة. وبين بث مقاطع فيديو تدغدغ به مشاعر جماهيرها تارة، وتارة أخرى مشاعر أهالي الأسرى الإسرائيليين لزيادة الضغط على حكومة الاحتلال، تقف حماس عاجزة أمام ازدياد فرص استمرار الحرب لسنوات كما تخطط منظومة نتنياهو اليمينية.