في خضم الأزمة المناخية المتفاقمة، حيث تُهدد درجات الحرارة المرتفعة والظواهر الجوية المتطرفة استقرار كوكب الأرض، يبرز الأمل في الأفق من خلال اكتشاف علمي قد يُحدث ثورة في تقنيات التبريد.
أفادت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) بأن فريقًا من الباحثين الصينيين قد نجح في تطوير مادة تبريد مبتكرة مشتقة من الكتلة الحيوية باستخدام الحمض النووي، المخطط الجيني للحياة.
هذه المادة، التي تُدعى الهلام الهوائي، تُظهر قدرة استثنائية على تقليل درجات الحرارة المحيطة بمقدار 16 درجة مئوية في الأيام المشمسة، حتى تحت الإشعاع الشمسي الشديد.
الهلام الهوائي، الذي يجمع بين الحمض النووي والجيلاتين في هيكل مرتب الطبقات، يخلق توازنًا بين التكنولوجيا والطبيعة، حيث يحول الضوء فوق البنفسجي الممتص إلى ضوء مرئي، ما يزيد من نسبة انعكاس الطاقة الشمسية إلى أكثر من 100%. هذا الابتكار لا يُعد فقط خطوة متقدمة في مجال التبريد، بل يُمثل أيضًا ركيزة أساسية في مكافحة التغيرات المناخية.
إذ تُظهر البيانات أن الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ قد زادت بنسبة 50% خلال العقود الخمسة الماضية، ما يكلف الاقتصاد العالمي نحو 500 مليار دولار سنويًا.
في عالم تتصاعد فيه درجات الحرارة بمعدلات تنذر بالخطر، يُمكن لهذا الهلام الهوائي أن يُقدم حلاً فعالاً.
فارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي قد يُؤدي إلى عواقب وخيمة، منها ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 20 سم مع توقعات باستمرار الارتفاع بمعدلات أسرع، ما يهدد بنزوح ملايين الأشخاص من المناطق الساحلية.
في مواجهة هذه التحديات، يأتي الهلام الهوائي كوسيلة فعالة لتقليل الاعتماد على مكيفات الهواء التقليدية، التي تُساهم في انبعاث ما يقارب 10% من غازات الاحتباس الحراري عالميًا.
إحدى أبرز مزايا هذا الهلام الهوائي هو إمكانية تصنيعه بكفاءة على نطاق واسع باستخدام تقنية اللحام المائي، ما يجعله قابلاً للإصلاح وإعادة التدوير والتحلل البيولوجي، هذا يعني أن المادة ليست فقط فعالة في تقليل درجات الحرارة، بل إنها أيضًا مستدامة بيئيًا.
ووفقًا للدراسة المنشورة في مجلة «ساينس»، فإن اعتماد مادة التبريد الإشعاعي القائمة على البوليمر الحيوي يمكن أن يُسهم بشكل كبير في التخفيف من التلوث البيئي، مما يعزز جهود مكافحة التغيرات المناخية.
وتشير نتائج المحاكاة للدراسة إلى أن استخدام الهلام الهوائي يمكن أن يُقلل بشكل كبير من الإنفاق السنوي على الطاقة لتبريد المباني في المدن النموذجية، ما يعني تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون بشكل كبير.
هذا الابتكار قد يمهد الطريق لمواد تبريد إشعاعية مبتكرة ومستدامة في المستقبل، ما يعزز من قدرة البشرية على مواجهة تحديات المناخ.
التزام الصين بتحقيق أهدافها المتعلقة بالكربون، المتمثلة في بلوغ ذروة انبعاثات الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060، يجعل من هذا الابتكار خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
ويرى محللون أن الهلام الهوائي الجديد يبشر بإمكانية الحد بشكل كبير من انبعاثات الكربون واستهلاك الطاقة، ما يضع البشرية على مسار أكثر استدامة في مواجهة التغيرات المناخية.
تهديدات خطيرة
تهديدات التغيرات المناخية تتزايد بشكل مقلق، حيث تُقدّر التكاليف الاقتصادية الناجمة عنها بما يصل إلى 12 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2050، ما يُعادل حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
كذلك فإن الخسائر البشرية مدمرة، إذ يُسجل وفاة ما يقارب 2.9 مليون شخص سنويًا بسبب تلوث الهواء، والأمراض المُعدية، والكوارث الطبيعية المتعلقة بالمناخ، على الصعيد الاقتصادي، تسبب الكوارث الطبيعية ذات الصلة بالمناخ خسائر تصل إلى 500 مليار دولار سنويًا.
وتؤدي موجات الحر والجفاف إلى تقليل الإنتاجية الزراعية، ما يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن الغذائي لملايين الأشخاص حول العالم، الارتفاع المستمر في مستوى سطح البحر يشكل تهديدًا متزايد الخطورة، حيث ارتفع بمقدار 20 سم خلال القرن الماضي، ومن المتوقع أن يستمر هذا الارتفاع بوتيرة أسرع في السنوات القادمة.
يعزى هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى ذوبان الجليد في القطبين وتوسع المياه بفعل ارتفاع درجات الحرارة، ما يهدد بنزوح ملايين الأشخاص من المناطق الساحلية ويتسبب في خسائر كبيرة في البنية التحتية والأصول العقارية.
ويمثل تفاقم انعدام الأمن الغذائي تحديًا إضافيًا، حيث يؤدي التغير المناخي إلى تراجع الإنتاجية الزراعية وارتفاع أسعار الغذاء، ما يزيد من الضغط على السياسات العالمية لمكافحة هذا التدهور المتسارع.
كما يتسبب التغير المناخي في فقدان التنوع البيولوجي، مع تهديد انقراض الكثير من الأنواع بفعل تغيرات المواطن الطبيعية والظروف البيئية، ما يؤثر بشكل كبير على الخدمات الحيوية للنظام البيئي التي يعتمد عليها البشر.
هذه الأرقام والبيانات تلقي الضوء على حجم التحديات الكبرى التي تواجهنا، وتبرز الحاجة الماسة لتبني إجراءات فعالة ومستدامة على مستوى العالم لمكافحة التغيرات المناخية والحفاظ على كوكبنا للأجيال القادمة.
قفزة تقنية مهمة.. ولكن
وعلق الأكاديمي ورئيس وحدة التغيرات المناخية بوزارة الزراعة المصرية محمد فهيم بقوله، إن الفكرة هنا تمثل قفزة تقنية مهمة في مجال مكافحة تغير المناخ، حيث تتحدث النتائج عن تقنية قد تكون ذات تأثير كبير في تقليل الحرارة الزائدة في البيئات الحضرية والصناعية، ومع ذلك، هناك عدة جوانب تحتاج إلى تقييم دقيق قبل التأكيد على قابلية هذه الفكرة للتنفيذ وفعاليتها الفعلية في المجتمعات العربية وأيضًا على مستوى الأزمة العالمية للمناخ.
وتابع فهيم، في تصريحاته لـ”جسور بوست”، أنه يتعين دراسة الجوانب التقنية لهذه المادة الجديدة بعناية، فعلى الرغم من النتائج الواعدة المذكورة، يجب التأكد من استدامة وفعالية الهلام الهوائي على المدى الطويل، وخاصة في ظل ظروف المناخ المتغيرة، هذا يشمل دراسة كيفية تأثير الظروف البيئية المختلفة على أداء هذه المادة وإمكانية تكيفها مع التغيرات المناخية المتوقعة.
وأضاف فهيم، تحتاج الفكرة إلى تقييم شامل لجوانب الاقتصاد والاستدامة، ومن المهم فهم تكلفة إنتاج وتوزيع هذه المادة، وما إذا كانت مناسبة اقتصاديًا للاستخدام الواسع في المجتمعات العربية وغيرها، أيضًا يجب أن يتم تقييم الآثار البيئية لاستخدام هذه التقنية الجديدة، مثل انبعاثات الكربون أو الآثار الجانبية على البيئة المحلية.
وشدد على احتياج الفكرة إلى دراسة عن كثب لمدى تأثيرها المحتمل في حل أزمة المناخ على مستوى العالم، وهل يمكن أن يساهم استخدام الهلام الهوائي في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كافٍ لتحقيق أهداف اتفاقية باريس؟ وهل يمكن أن يكون لها دور ملحوظ في تحقيق التكيف مع تغيرات المناخ؟ هذه الأسئلة تتطلب بحثًا عميقًا ونقاشًا واسعًا قبل اعتماد هذه التقنية على نطاق واسع.
واسترسل فهيم، بشكل عام، الهلام الهوائي يمثل ابتكارًا مثيرًا يستحق الاهتمام، ولكنه يتطلب دراسة وتقييما شاملا لجميع الجوانب الفنية والاقتصادية والبيئية قبل أن يُعتبر حلاً مستدامًا وفعالًا لأزمة التغيرات المناخية على مستوى العالم وخاصة في مجتمعاتنا العربية، وما يميز هذا الابتكار هو الاستفادة من التكنولوجيا الحيوية لتطوير مواد تكنولوجية متطورة، ما يفتح أفاقًا جديدة في مجال حلول التكنولوجيا البيئية والمستدامة، ومع ذلك، لا يزال الهلام الهوائي في مرحلة البحث والتطوير، ويحتاج إلى مزيد من الدراسات والاختبارات لتحديد فعاليته واستدامته على المدى الطويل. واستكمل، من المهم أن نفهم تكلفة إنتاج هذه المادة ومدى توافر المواد الخام المستدامة لها، بالإضافة إلى تحديد الأسواق المستهدفة والتأثير المحتمل على الاقتصادات المحلية والعالمية.
وأتم، يمثل الهلام الهوائي فكرة مبتكرة ومثيرة تحتاج إلى مزيد من الدراسات والتقييمات لتحديد إمكانية تطبيقها واستدامتها على نطاق واسع، إذا ثبتت فعاليتها وكانت اقتصادياً وبيئياً مستدامة، فقد تكون إضافة قيمة كبيرة في مجال مكافحة تغير المناخ وتحسين جودة الحياة في مجتمعاتنا.
لوازم التشغيل
وعن إمكانية تنفيذ الفكرة عملياً والتحديات المحتملة التي يمكن أن تواجهها في السياق الحالي، تحدث الأكاديمي وخبير الاقتصاد الدولي رشاد عبده، بقوله، إنها تثير اهتماماً كبيراً كحل مبتكر لخفض درجات الحرارة وتحسين البيئة الحضرية في ظل تزايد التحديات المناخية العالمية، وتعد تكاليف الإنتاج والتشغيل للهلام الهوائي نقطة رئيسية للنظر فيها، ويتطلب تصنيع هذا الهلام تقنيات متقدمة وموارد كبيرة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف إذا لم تكن العمليات فعالة، فيجب على الشركات المصنعة تحسين عملياتها للحد من التكاليف وجعل الهلام الهوائي متاحاً بأسعار مناسبة.
وتابع عبده، في تصريحات لـ”جسور بوست”، ينبغي أن يتمتع الهلام الهوائي بفعالية عالية وقابلية تكيف مع مختلف الظروف المناخية والبيئية، ولتحقيق ذلك يتطلب دراسات واختبارات دقيقة لأدائه على المدى الطويل، والتأكد من عدم تأثره بتغيرات البيئة والاستخدام اليومي، ومن الضروري أن يتم تثبيت الهلام الهوائي في أماكن استراتيجية في البنية التحتية الحضرية، مع مراعاة الاحتياجات البيئية والاقتصادية المحلية، كذلك يجب دراسة التأثيرات المحتملة على البنية التحتية الحالية وكيفية استفادة المجتمعات المحلية من هذه التقنية الجديدة.
وعن التحديات القانونية والتنظيمية، أضاف رشاد، يجب أن تلتزم عمليات تطبيق الهلام الهوائي بالتشريعات البيئية والصحية المحلية والدولية، ومن المهم الحصول على الموافقات اللازمة من السلطات المعنية، وضمان الامتثال الكامل للمعايير القانونية لضمان سلامة البيئة والسكان، كذلك فإن نجاح الهلام الهوائي يعتمد أيضًا على قبوله وتبنيه من قبل المجتمعات المحلية والقطاعات الحكومية.
واسترسل، يجب على الشركات المطورة تعزيز التوعية حول فوائد هذه التقنية والعمل على بناء دعم قوي لها من خلال التواصل المستمر والشراكة مع المجتمعات المحلية، ويظهر الهلام الهوائي كخطوة مبتكرة واعدة في مواجهة تحديات التغير المناخي، ولكنه يتطلب استراتيجية متكاملة تضمن نجاحه واستدامته على المدى الطويل.
وأتم، تحقيق ذلك يتطلب التعاون الفعال بين القطاعين العام والخاص، والاستثمار في البحث والتطوير لدعم الابتكارات التكنولوجية التي تساهم في بناء مجتمعات أكثر استدامة وصحة.