معاناة مزارعي الضفة بين منع الأسمدة ومصادرة الأراضي
يحتاج مزارعو فلسطين إلى مناطق رعي بديلة لمواشيهم في ظل غياب الأعلاف التي لم تعد تدخل بعد حرب غزة، كما يحتاجون أيضًا إلى بيئة مناسبة خالية من الحرب أو المتفجرات التي تبيد المحاصيل والمواشي ومعها الثروات الزراعية والحيوانية.
يعيش المزارعون الفلسطينيون في الضفة الغربية معاناة حقيقية بسبب نقص الأسمدة اللازمة للزراعة، خاصة بعد أن قامت سلطات الاحتلال بمداهمة العديد من المشاتل ومصادرة الأسمدة الزراعية، وسلب أراضيهم وحرمانهم من مساحات شاسعة من المراعي وتقييد حركتهم. أصبحوا ومواشيهم محاصرين داخل تجمعاتهم السكنية، كما لو كانوا داخل قارورة بمدخل ومخرج واحد، بعد أن كانوا يسيحون في الأراضي طولًا وعرضًا، سواء بزراعتها أو برعي أغنامهم.
بات مزارعو الضفة الغربية مهددين من جميع الجهات في ظل وقوع كارثة مجاعة موازية في غزة. فهم يعانون من عدم توفر الأسمدة الكافية لحقولهم، مما سيؤدي إلى تدمير كل إنتاجهم، وبالتالي زيادة معاناتهم يومًا بعد يوم في ظل الظروف المأساوية التي يعيشونها على يد إسرائيل بعد أحداث “طوفان الأقصى” وتدمير غزة. تأثرت الضفة الغربية هي الأخرى، وغابت وسائل كثيرة تعينهم على الحياة أو البقاء، من قلة الطعام والمياه النظيفة، وكذلك ضعف الرعاية الصحية. أخيرًا، استولت إسرائيل على أسمدة زراعية في بلدات عتيل وعلار وباقة الشرقية في طولكرم، إضافة إلى اقتحام محلات تجارية لبيع المواد الزراعية والأسمدة، والاستيلاء على كميات كبيرة منها، واعتقال مالكيها. كما وضع الاحتلال منشورات تحذر المزارعين من استخدام الأسمدة “غير القانونية”، مشيرًا إلى أن “أي مزارع أو تاجر يتم العثور بحوزته على أسمدة غير قانونية سيعتقل ويعاقب”.
يأتي استهداف الأسمدة الزراعية عقب مزاعم إسرائيلية باستخدامها في تصنيع عبوات ناسفة ومتفجرات بالضفة، بالتزامن مع التطور الكبير في صناعة العبوات المتفجرة، التي باتت تلحق خسائر بشرية في صفوف جنود الاحتلال وتدمر آلياته المصفحة. يدعي الاحتلال أن عناصر المقاومة الفلسطينية يستخرجون مواد الفوسفور والكبريت والنيتروجين من هذه الأسمدة لصنع متفجرات تُستخدم لإعطاب آليات الاحتلال حين يقتحمون المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية.
كل هذا التضييق الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى طرد أكثر من 30 ألف مزارع كانوا يعملون داخل إسرائيل، ساهم في تفاقم الأوضاع الاجتماعية وارتفاع نسب البطالة. ما يعني أن سياسة العقاب الجماعي قد باتت أمرًا واقعًا في الضفة الغربية أسوة بما يجري في قطاع غزة.
وسيكون للدور المتقلص للقطاع الزراعي تأثيره السلبي على المؤشرات الصحية والغذائية الأساسية، مع تزايد عدد الأشخاص الذين يحصلون على طعام قليل بسبب تناقص مخزون الغذاء. إن عدم توافر الغذاء، وظروف العيش غير الصحية والاكتظاظ، والخدمات الصحية غير المتاحة أو المحدودة، وتراجع تحصين الأطفال دون سن الخامسة، كلها عوامل تؤدي أيضًا إلى زيادة خطر الأمراض المعدية، وتترتب عليها تداعيات خطيرة على الوضع الغذائي لهؤلاء الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
واقعيًا، يحتاج مزارعو فلسطين إلى مناطق رعي بديلة لمواشيهم في ظل غياب الأعلاف التي لم تعد تدخل بعد حرب غزة. كما يحتاجون أيضًا إلى بيئة مناسبة خالية من الحرب أو المتفجرات التي تبيد المحاصيل والمواشي ومعها الثروات الزراعية والحيوانية.
تُقدّر قيمة خسائر فلسطين خلال العدوان الإسرائيلي المستمر (تشرين الأول أكتوبر وكانون الأول – ديسمبر 2023) بنحو مليارين و300 مليون دولار، نتيجة توقف شبه تام في عجلة الإنتاج لقطاع غزة وتداعياتها على الضفة الغربية، بما يعادل حوالى 25 مليون دولار يوميًا، باستثناء الخسائر المباشرة في الممتلكات والأصول.
إقرأ أيضا:مخاطر التصعيد الإسرائيلي بالضفة الغربية ومخيماتها
هذا التصعيد الإسرائيلي تجاه المزارعين في الضفة الغربية ينذر باحتمالات اندلاع انتفاضة جديدة، وهو ما قد يجلب مخاطر جديدة تزيد من مستويات العنف الموجه نحو الفلسطينيين، وقد تتسبب في إرهاق منظومة الدفاع الإسرائيلية.
كل ذلك يأتي بجانب اقتحام المستوطنين الإسرائيليين الأراضي الفلسطينية ومصادرتها، ومن ثم بناء مستوطنات عليها. فإلى أين ستأخذنا تطورات الحرب في فلسطين؟ وإلى أي مدى يمكن للأهالي والمزارعين تحمل هذا التهديد اليومي المميت؟