تقارير

معاناة مرضى الأورام في ليبيا بين الصعوبات الطبية والمالية والنفسية

تعاني ليبيا سلسلة من التحديات الصحية التي تؤثر بشدة على حياة مواطنيها، ولعل أبرزها مرض السرطان الذي يؤرق سكانها، حيث يجد مرضى الأورام أنفسهم في مواجهة معاناة مضاعفة تتجاوز الألم الجسدي، لتشمل صعوبات الحصول على العلاج والرعاية الصحية اللازمة، في بلد يعاني عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، والنقص الحاد في البنية التحتية الصحية، الذي تفاقم بشكل كبير منذ أحداث 2011م.

ومنذ ذلك الوقت تضررت المستشفيات والمرافق الطبية جراء النزاعات المستمرة، وأثرت سلبا على قدرتها في تقديم الرعاية الصحية اللازمة لمرضى الأورام، بالإضافة للنقص في الأدوية والتجهيزات الطبية؛ ما يجعل تقديم الخدمات الطبية والعلاج لهؤلاء المرضى أمراً بالغ الصعوبة.

التشخيص المتأخر

يمثل الوصول إلى خدمات التشخيص في ليبيا تحديا كبيرا، بسبب نقص الأجهزة المتقدمة مثل أجهزة (التصوير بالرنين المغناطيسي، والأشعة المقطعية)، حتى يضطر بعض المرضى إلى الانتظار لفترات طويلة قبل الحصول على تشخيص دقيق، وبالتالي هذا التأخير يمكن أن يؤدي إلى مراحل متقدمة يصعب معها العلاج.

نقص العلاج والرعاية

يواجه المرضى تحديات كبيرة في الحصول على العلاج المناسب بعد أن يتم تشخيص حالتهم، منها نقص الأطباء المتخصصين في علاج الأورام، ما يجبر العديد من المرضى على البحث عن الرعاية خارج البلاد، وهو خيار ليس متاحا للجميع، نظرا لتكلفته الباهظة والإجراءات البيروقراطية المعقدة للحصول على تأشيرات السفر للذين لا يستطيعون السفر، وتبقى خيارات العلاج محدودة للغاية، بالإضافة لصعوبة الحصول على الأدوية اللازمة للعلاج، وتعد مشكلة رئيسية أخرى، منها أدوية العلاج الكيميائي والمضادات الحيوية، التي لا تتوفر بشكل منتظم في الصيدليات والمستشفيات.

ويعاني المرضى من الضغوط المالية في تكاليف العلاج، حتى في الحالات التي يكون فيها متاحا لكن أسعاره مرتفعة جدا بالنسبة لمعظم الأسر الليبية التي تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية؛ ما يؤدي إلى تزايد عدد المرضى الذين يضطرون للتخلي عن العلاج بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكاليف.

جهود المجتمع المدني

ومن بين التحديات التي يواجهها مرضى السرطان، النقص الحاد في الدعم النفسي والاجتماعي، فالحالة النفسية للمريض تشكل جزءا مهماً من عملية العلاج، إلا أن هذا الجانب غالبا ما يتم إهماله، بسبب تركيز الموارد المحدودة على الجوانب الطبية فقط.

وتقول رئيس منظمة الاتحاد الليبي لمكافحة السرطان، أسماء جمعة جويلي: تأسس الاتحاد سنة 2011م بمدينة صبراته من قبل مجموعة طلبة كلية الطب البشري وبدأ مشواره على الأرض في 2012م، وهو مؤسسة غير ربحية تعمل في مجال التوعية الصحية، حيث باشرنا أول عمل بحملة التوعية الوطنية بسرطان الثدي التي استهدفت مدينة صبراته وبعض المدن القريبة منها، وكان عندي دافع قوي وهو إصابة عدد من أفراد أسرتي بسرطان الثدي، وكنت أرى هذا الموضوع رسالة أكثر من كونه عملا إنسانيا، لأنه في حال امتلاك أمي وأخواتي التوعية بضرورة الكشف المبكر الذاتي والدوري وضرورة إجراء صورة (الماموجرام) لكنا استطعنا تلافي تطور هذا المرض وعلاجه في مراحله الأولى.

وتؤكد جويلي في تصريحاتها لـ”جسور بوست”، أنه على كل امرأة اتباع خطوات الكشف المبكر على الثدي مرة كل شهر، للتأكد من صحتها وعدم وجود أي نوع من الأمراض، وفي حالة اكتشافها لأي شيء غير طبيعي عليها التوجه للطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة، مضيفة أن هذه الحملات لقيت تجاوبا كبيرا من وزارتي الصحة والثقافة في ذلك الوقت، والداعمين بتوفير كل النشرات الدورية وطباعة المطويات التوعوية وغيرها.

وتتابع: كما طرقنا أبواب ناشطات ومنظمات المجتمع المدني بمختلف المدن الليبية، وقمنا بإعطائهم الفكرة وعرضنا عليهم الانضمام إلينا كاتحاد، وعملنا على الشهر الوردي في أكتوبر الذي يتم إحياؤه عالميا، أيضا أقمنا ورش عمل لتأهيل الفرق على كيفية إعطاء المحاضرات والكشف الطبي والعديد من المواضيع الأخرى التي تسهم في نجاح هدفنا، وهذا كله يتم عن طريق لجنة علمية متخصصة مسؤولة على وضع المادة العلمية التي يعمل على أساسها أطباء متخصصون، ونحن كناشطات في هذا الاتحاد ينحصر عملنا في الجوانب الإدارية والتنسيقية والتنظيمية، منوهة بأن المتطوعين العاملين بهذا الاتحاد حتى سنة 2024 والبالغ عددهم (1050) متطوعاً ومتطوعة، من ضمنهم (600) طبيب وطبيبة، على مستوى (62) مدينة ليبية، بقوة (68) فريقاً، المدن الكبرى يوجد بها فريقان لكل مدينة، والعاصمة طرابلس بها (7) فرق، لكل بلدية فريق.

وتقول إن الإحصائيات أكدت أنه في بداية انطلاق الحملات سنة 2012 كان الإقبال بسيطاً جدا على الحملة من السيدات مع اكتشاف عدد كبير من الحالات في مراحل متأخرة، مقارنة بحملة 2022 الإقبال كان كبيرا جدا منهن مع اكتشاف جل الحالات في مراحلها الأولى، وهذا يدل على أهمية حملات التوعية ووعي المرأة الليبية بسرطان الثدي وكيفية الوقاية منه.

وتشير إلى أن أبواب الكشف مفتوحة طوال السنة ولا تقتصر على الشهر الوردي، مع إمكانية توفير الكشف المجاني وصورة الماموجرام التي كانت غير متوفرة إلا بالقطاع الخاص، موضحة أن الاتحاد لا يعمل على مرضى سرطان الثدي فقط وإنما أيضا حملة سرطان عنق الرحم التي تنطلق في شهر يناير من كل عام، بالإضافة إلى حملة (سليم) لمكافحة تدخين الأطفال التي تم استهداف المدارس بها، كذلك تنظيم ورش العمل والملتقيات والمؤتمرات الطبية التي تحتوي على آخر التطورات وما توصل إليه العلم في هذا المجال.

وأردفت: بعد الاستبيان الذي تم توزيعه حول وعي المرأة الليبية بسرطان الثدي، وجدنا نسبة كبيرة من النساء وصلت إلى 95% في السنوات الأخيرة لديهن فكرة كافية عن الكشف المبكر وكيفية الوقاية من سرطان الثدي من خلال الأكل الصحي وممارسة الرياضة وعمل الصور الخاصة بذلك، كذلك نحاول تصحيح بعض المعتقدات المنتشرة بأن السرطان يمكن أن ينتقل عن طريق العدوى، أيضا أهمية السير على سلوك ونمط حياة صحية سليمة، لتقوي نفسها مع الابتعاد عن كل ما يؤدي إلى السمنة المفرطة والأكل غير الصحي.

وتضيف: من أبرز الأعمال التي نقوم بها في جانب الدعم النفسي تنظيم ملتقى خاص بالمكافحات والمحاربات والمنتصرات على سرطان الثدي، يقام سنويا ونقوم بتجميع عدد (60) مريضة سرطان بين مريضة ومحاربة ومنتصرة على هذا المرض، ويتم فيه منح قوة ودعم للمريضات، ويتم التعريف بتجاربهن لبث روح الأمل بأنها مرحلة وسوف تنتهي بقوة إيراداتهن.

وأشارت إلى أنه من خلال العمل المتواصل والتواصل للاتحاد مع الأطباء والمسؤولين مع المهتمين بملف السرطان سواء رجال أعمال أو أصحاب القرار أو عموم الناس، حاولنا تقديم المساعدة لعدد من مرضى السرطان الذين لجؤوا لنا بعد أن تقطعت بهم السبل للحصول على العلاج، في ظل الغلاء الفاحش لأسعار الأدوية، وعملنا على توصيل المريض للمكان المناسب له وتوضيح الخطوات الواجب اتباعها وإلى أين يتوجهون والجهة التي يجب أن يتلقوا العلاج بها، ثم نطرق أبواب فاعلي الخير أو الجهات التي بإمكانها توفير الأدوية مثل وزارة الصحة أو المستشفى الطبي أو الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان.

وتقول: ورغم هذه الجهود ما زالت هناك صعوبة لتلقي العلاج لغلاء أثمانه، فالمواطن الليبي الذي يعتمد في حياته على راتبه الشهري لا يمكن أن يوفر ثمن العلاج إلا إذا تلقى مساعدات من أصحاب الخير أو طرق أبواب جهات حكومية، فقليلا ما يتحصل على إجابة وكثيرا لا يتحصل عليها، مؤكدة على التوصيات التي تخرج في نهاية كل حملة ويتم رفعها إلى الجهات ذات الاختصاص مثل الإمداد الطبي وللجنة الصحة بمجلس النواب، التي من المفترض عليها حلحلة هذه الصعوبات والمشكلات وتحاول ربط المواطن البسيط المحتاج للدواء بمن يوفر له دواءه.

وتشير إلى مبادرة (شفاء) التي تم إطلاقها سنة 2022م، عن طريق رئيس حكومة الوحدة الوطنية وبقيت حبرا على ورق ولم ترَ النور، هذه المبادرة جاءت في ختام الحملة الحادية عشرة، وكان هدفها تنظيم ملف السرطان في ليبيا، حتى فوجئنا بتأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان والتي كان من المفترض ضمن اختصاصات فريق المبادرة الذي تم استبعاده ولم تُعطَ لنا فرصة حتى نقدم برنامجنا والحلول التي من الممكن أن تعود بالفائدة على المواطن الليبي بحكم قربنا من المرضى، مع أننا لسنا ضد الإجراء الذي اتخذته الحكومة، ونتمنى رؤية جهود فعلية تظهر على مرضى السرطان للتخفيف من معاناتهم.

خطوات تنظيم ملف مرضى الأورام

وفي السياق، تحدث مدير مكتب النظم والمعلومات بالهيئة الوطنية لمكافحة السرطان، علي بن حسين، قائلا إنه تم تأسيس الهيئة في سنة 2022م، وجاءت لتنظيم ملف السرطان الذي كان يدار بطريقة سيئة وغير منظمة وترتب عنه سوء تقديم الخدمات لمرضى الأورام، والخدمات كانت تقدم عن طريق مراكز ومعاهد وأقسام علاجية بالمستشفيات خاصة بالأورام، وبموجب قرار الحكومة بإنشاء الهيئة أصبحت المراكز والمعاهد ضمن تبعيتها، وتم استثناء أقسام المستشفيات من ذلك، وهذا أول تحدٍ يواجهنا، لأن المستشفيات تقدم في الخدمة لنصف شريحة المرضى تقريبا، بحسب التعداد الموجود لدينا، ونتيجة لازدياد سوء ملف الأورام والتأخر بتقديم الخدمات والتوريد واللجان الخاصة بالمشتريات بوزارة الصحة والميزانيات التي تمنح وكأنها غير محسوبة والتي تسلط الضوء على جانب، وجوانب أخرى وكأنها غير موجودة، وهذا سبب سوء الخدمات المقدمة للمرضى حتى وصلت بهم الحال إلى أن المريض يقوم بجلب الدواء من جيبه الخاص، هذا بالنسبة للمراكز، أما المعاهد فيوجد بها تقصير كبير وفوضى إدارية وعدم توفر الدعم بالكامل.

وذكر “بن حسين” في تصريحات لـ”جسور بوست”، تم العمل على ترتيب هذا الملف الشائك، من بداية أكتوبر 2023م ومن ضمن المشاريع التي تم تنفيذه هو استحداث منظومة رقمية يستطيع عن طريقها المرضى التسجيل بها ومنحهم بطاقة (محارب) تمكنهم من الحصول على الخدمات العلاجية، أيضا المعرفة الحقيقية لملف المريض وعدم التكرار، بالإضافة لمعرفة أماكن تكتلات المرضى بالمراكز.

وأشار إلى أن المنظومة ساعدت على تأكيد ومعرفة عدد مرضى الأورام الحقيقي الذي يتجاوز (20) ألف مريض في ليبيا، وهذا نتاج ما قامت به الهيئة من بحث وتدقيق ولفترة بما هو موجود من بيانات بالمراكز والمعاهد والأقسام، حيث تصنف المنظومة الحالات المرضية، ومعلومات المريض بالكامل، من ضمنها الرقم الوطني الذي عن طريقه يعتمد التسجيل، ومن هو تحت العلاج مقيد بحسب سنة تسجيله وتاريخ إصابته بالمرض، ونوع ودرجة خطورة السرطان، وكل صنف ما يحتاج إليه من علاج سواء كان دوائيا أم جراحيا أم إشعاعيا، وبهذه الخطوات نستطيع تحديد احتياجات المريض التي يجب توفيرها، كما تتضمن المنظومة واجهة خاصة بالطبيب المعالج، كذلك يتم تنزيل الوصفة الخاصة بالمريض، كذلك يوجد بها قائمة الأدوية الخاصة بالسرطان جميعها البالغ عددها (612) نوعاً من الدواء.

ولفت إلى أن كل المراكز مربوطة بالمنظومة وهذه إحدى الإيجابيات لها التي تسهل على المرضى ممن يسكنون في مناطق بعيدة التسجيل رقميا، وعند توجههم لأي فرع يجدون معلوماتهم وملفهم المرضي به، ومن ضمن مزايا بطاقة المحارب أنه تم احتساب سعر العملة لمرضى الأورام بموجب قرار من البرلمان خاص مع استثنائهم من الضريبة، واستنادا على ما تم ذكره فإن الهيئة لها عدة إنجازات تحسب لها، من ضمنها أنها عملت بإستراتيجية وأعدت خطة مبنية على بيانات أولها أخذنا الأرقام القديمة والتصنيفات وأخرجنا أنواع الأورام الموجودة في ليبيا وتم تصنيفها بالأرقام، والأربعة أورام الأولى هي (سرطان الثدي، القولون، الرئة، البروستات)، ومن ضمن خطتنا الإستراتيجية القادمة تفعيل أقسام وحدات الكشف المبكر والوقاية في كل مركز وتكون مجهزة بالكامل الاحتياجات، وتعمل طوال السنة حتى حالات غير الأورام، وهذا هو الشق الأول، أما الشق الثاني فيكمن في الرعاية الصحية الأولية التابعة لوزارة الصحة وهي المراكز العلاجية بتوفير الأجهزة بها منها (المناظير، الماموجرام، الاكسري) وغيرها من الأجهزة المهمة، وهذه هي الأماكن التي سنطلق بها الحملات المؤقتة وعلى المدى الطويل، ويكون بها الكشف المبكر على مدار 24 ساعة، وبهذه الطريقة نستطيع اكتشاف الحالات مبكرا في مراحلها الأولى، ونستطيع تقديم العلاج لها بأسرع وقت، أفضل من أن يتم اكتشافها في المرحلة الثالثة والتي تحتاج لعلاج يصل حتى 150 ألف دينار.

الجهود الدولية

تلعب المنظمات الدولية دوراً مهماً في دعم النظام الصحي الليبي، فتقدم منظمة الصحة العالمية ومنظمات الإغاثة الأخرى المساعدات الطبية والتقنية، بالإضافة إلى برامج تدريبية للأطباء والممرضين، ومع ذلك تبقى هذه الجهود غير كافية لتلبية الاحتياجات الكبيرة والمتزايدة لمرضى الأورام في ليبيا.

وأوضح مسؤول الإعلام بمنظمة الصحة العالمية، يحيى بوظو، أن مكافحة السرطان من المواضيع المهمة لدى المنظمة، حيث أطلقت في عام 2018م المبادرة العالمية بشأن سرطان الأطفال من أجل الاضطلاع بدور قيادي وتقديم المساعدة التقنية دعما للحكومات في وضع برامج عالية الجودة لمكافحة السرطان وصونها، بهدف بلوغ نسبة لا تقل عن 60% في معدل إبقاء جميع الأطفال المصابين بالسرطان على قيد الحياة في جميع أرجاء العالم بحلول عام 2030م.

وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، في البلدان المرتفعة الدخل التي تتاح فيها عموما خدمات شاملة، يشفى أكثر من 80% من الأطفال المصابين بالسرطان، وفي البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة يشفى أقل من 30% من هؤلاء الأطفال، وتُعزى الوفيات الناجمة عن أنواع سرطان الأطفال التي يمكن تجنبها في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى ضعف التشخيص أو الخاطئ أو التأخير في التشخيص، وإلى عقبات تحول دون إتاحة الرعاية والتخلي عن العلاج والوفاة بسبب سمية المرض والانتكاس.

في يناير من عام 2022م تم توقيع اتفاقية بين المؤسسة الوطنية للنفط ومنظمة الصحة العالمية لتعزيز ودعم الخدمات العلاجية للأطفال المصابين بمرض السرطان في ليبيا، بتمويل من شركائها الدوليين؛ شركات (إيني) الإيطالية و(ربسون) الإسبانية و(توتال إنيرجيز) الفرنسية.

ناقوس الخطر

أعلن أخصائي التخدير والعناية الفائقة بمستشفى ابن النفيس بمدينة سرت شرقي العاصمة طرابلس، “علي أبو بكر المسماري” عن إحصائية مرضى الأورام التي تم استقبالها وإيواؤها بوحدة العناية الفائقة في النصف الأول من عام 2024م والبالغ عددهم (481) حالة، وشكلت حالات الأورام (81) حالة أي ما يعادل (18%) من إجمالي الحالات، وتعد هذه النسبة مرتفعة وتدق ناقوس الخطر.

وأوضح أن النسبة المتعارف عليها العالمية في وحدات العناية الفائقة ما بين (8% إلى 13%)، مناشدا المسؤولين ووزير الصحة والحكومة مد يد العون للمستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة والفحص المبكر للأورام وتذليل الصعوبات لهذه الفئة من المرضى والتي لوحظ مؤخرا ازديادها بعدد كبير جداً.

قصص لمحاربي السرطان

تعد القصص الشخصية للمرضى وأسرهم خير دليل على حجم المعاناة التي يواجهونها، وفي هذا السياق تقول المحاربة “ابتسام الجدي” وهي امرأة في الخمسين من عمرها متزوجة وأم لثلاثة أبناء: اكتشفت إصابتي بسرطان الثدي سنة 2019 حينها كان عمري 45 سنة، ونوعه هرموني وكان في بداية المرحلة الثانية، واعتبر نفسي أنني اكتشفته مبكراً، منوهة إلى أن والدها ووالدتها كانا مصابين أيضا بالسرطان وكانت إصابتهما في الرئتين وفي العظم، ما يرجح أنه يندرج تحت مفهوم الأمراض الوراثية.

تضيف “ابتسام”: كنت في السابق أشكو من ظهور أكياس وعندما أذهب للكشف والعلاج يقولون إنه كيس مائي، ولكن بعدها أصبحت أشعر بآلام وعندما ذهبت للكشف أخذوا مني عينة وخضعت لجهاز الماموجرام وبعد استيفاء كل الكشوفات وظهور النتائج اكتشفت أنني مريضة سرطان في بداية مرحلته الثانية، وبعدها بدأت في رحلة العلاج بعملية جراحية ثم جلسات الكيماوي والإشعاع، معربة عن امتنانها لزوجها وأخواتها الذين كانوا الداعمين الأوائل لها، موضحة أن علاجها في البداية كان على حسابها، ولكن بعد عدم المقدرة المادية للاستمرار حولت العلاج في الفترة الأخيرة على مستشفى شارع الزاوية الحكومي.

وتضيف: من أبرز التحديات والعراقيل التي واجهتني ارتفاع قيمة العلاج بشكل كبير، ولم أتحصل من الدولة إلا على علاج الإشعاع بالخارج بدولة الأردن والباقي كان على حسابي الخاص، منوهة إلى أن هناك شحاً في الأدوية في المستشفيات الحكومية “ولا أعلم ما هي الأسباب هل هو تقصير من المسؤولين أم هناك عدم تنظيم صحيح لهذا الملف الشائك، فعلى الرغم من تحصلي على بطاقة (محارب) بعد التسجيل بالمنظومة الخاصة بمرضى الأورام ولكن حتى الآن لم أستفد منها بشيء سوى الحصول على الدواء في بعض الأحيان، ولكنْ أمور أخرى لم أتحصل عليها مثل إجراء التحاليل أو الإشاعات أو الأجهزة مثل الرنين السيتي سكان التي يطلبها الطبيب في فترات معينة، وهذه كلها أسعارها باهظة الثمن وغير موجودة بالمستشفيات العامة”.

ونوهت في حديثها إلى ما حدث لها من آثار جانبية نتيجة تلقيها كل هذه العلاجات إذ حدث لها تضخم في الرحم واضطرت لإجراء عملية جراحية واستئصاله، أيضا ظهور كيس في الرأس وأُجريت له عملية وتم استئصاله وما زالت تحت العلاج حتى الآن.

أما المحاربة “صليحة” وهي فتاة في العقد الرابع من عمرها، فقالت: لقد أصبت بسرطان الثدي بعد أن اكتشفت كيسا مائيا صغيرا في الصدر، فتوجهت إلى إحدى المصحات ودخلت إلى الطبيب فطلب مني على الفور فتح الكيس وأخذ عينة، فصدمت من كلام الطبيب وخاصة أنني ليست لدي أي معلومات على هذا المرض فشعرت بالخوف وعدم الاطمئنان وكانت ردت فعلي بيني وبين نفسي كيف يتعامل معي بهذه الطريقة وأنا في هذا الوضع ونفسياً استأت من تصرفه، تكمل المحاربة قصتها قائلة: اقترحت عائلتي العلاج في الخارج وذهبنا إلى دولة تونس نظراً لقربها من ليبيا.

وتابعت: توجهت إلى إحدى المصحات بمدينة صفاقس، وأجريت الكشوفات اللازمة، وبعد المعاينة اتضح أنه كيس مائي تم سحبه وانتهى الموضوع، ولكن كنت ملزمة أن أعود للمراجعة بعد ثلاثة أشهر، وعندما رجعت في الموعد المحدد تم اكتشاف الورم خلف الكيس المائي الذي أزيل، وكان في بداية مراحله الأولى، وهكذا كانت بداية رحلتي مع العلاج، وكله كان على حسابي الخاص لأني بذلت وعائلتي الجهود ليكون علاجي عن طريق الدولة وللأسف باءت كل المحاولات بالفشل، وبعد ظهور نتيجة تحليل العينة اتضح أنه سرطان ومن النوع الخبيث وفي المرحلة الثانية، وتقرر لي عملية استئصال للورم والغدة اللمفاوية بجميع ملحقاتها، وعقب إجراء العملية أعطيت لي عدد (33) جرعة إشعاع خلال أربعة أشهر وأنا مقيمة بمدينة صفاقس وكلها على تكلفتي الخاصة، فقد كان سعر الجرعة الواحدة 700 دينار تونسي، وبعد كل خمسة جلسات يتم عرضي على الطبيب المختص لمعرفة مدى تأثير الإشعاع على ارتفاع المناعة.

وأضافت المحاربة: بعد استيفائي الجلسات المقررة رجعت إلى ليبيا ولكن كنت ملزمة بالمراجعة والذهاب إلى تونس كل ثلاثة أشهر، وكانت الظروف أن ذاك فيها صعوبة بالتنقل نتيجة الحرب القائمة في ذلك الوقت، فكنت أذهب من طرابلس إلى مطار مصراته قرابة 250 كيلومترا حتى أستطيع الخروج من هناك لصعوبة تنقلي بالبر، واستمررت على هذه الحال لمدة سنتين، أذهب للمراجعة كل ثلاثة أشهر لأن الطبيب أخبرني بضرورة ذلك، فالسرطان الذي أصبت به من النوع الشرس، ومع تحسن الصحة تصبح المراجعة بعد ستة أشهر، وكل تكلفة ومصاريف هذه المراجعات على حسابي الخاص، رغم ظروف المعيشة وارتفاع الأسعار ونقص السيولة والوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، إضافة إلى سكني بالإيجار وعدم وجود وظيفة أو دخل ثابت لي، كما لم أتحصل على أي مساعدة من أي جهة فكل الأدوية أشتريها من حر مالي، إضافة للأكل الخاص، فهناك أنواع ممنوع علي تناولها، نظرا لنقص المناعة، كما حرمت حتى من الزيارات العائلية وأن أكون موجودة بأماكن بها ازدحام، وهذا كله تفاديا لأي عدوى نظرا لنقص مناعتي، حتى العلاج الذي أتناوله كانت له أعراض جانبية، فقد سبب لي تخثرا في الدم وأصبت بجلطة في رجلي اليمنى وتآكلاً في ثلاثة فقرات، أيضا إصابة أربعة أوتار في اليد اليسرى من الكتف حتى المرفق، وهذا يترتب عليه أخذ أدوية علاجية، وبالتالي ستكون هي أيضا مكلفة، وما زلت أسير في هذه الرحلة.

الحلول الممكنة

للتخفيف من معاناة مرضى الأورام في ليبيا، وفق المتخصصين والمرضى، يجب اتخاذ خطوات جادة على مستوى الحكومة والمجتمع الدولي، كما يتطلب الأمر تعزيز البنية التحتية الصحية وتوفير الأجهزة الطبية المتقدمة وتدريب الكوادر الطبية على أحدث التقنيات العلاجية، بالإضافة إلى ضرورة تحسين نظام توزيع الأدوية وضمان توفرها بشكل مستمر، كما أن تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى وأسرهم يمثل أيضا جانبا حيويا يجب عدم إهماله.

وتظل معاناة مرضى الأورام في ليبيا قضية إنسانية ملحة تتطلب اهتماماً عاجلاً من الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى