من الواضح أن وقائع حرب إبادة شعب والمذابح الوحشية التي يبتكرها الكيان الإسرائيلي تدل على تواطؤ أميركي ممعن ومستمر في معظم تفاصيله ولعل آخر هذه التفاصيل ما كشفت عنه صحيفة «هآريتس» يوم الثلاثاء الأول من نيسان الجاري تحت عنوان: «إسرائيل قصفت العاملين في المنظمة الدولية لتقديم المساعدات الغذائية الإنسانية (المطبخ المركزي العالمي) ثلاث مرات لقتل جميع أفرادها»، وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن الجيش قام بثلاث غارات قصف مباشر، كل غارة تلو الأخرى على سيارات ثلاث كانت تقل عاملي المساعدات وقتلت السبعة كلهم رغم أن السيارات الثلاث كانت تحمل على سطحها وجوانبها شعار منظمة «المطبخ المركزي العالمي»، وأضافت الصحيفة إن «أول سيارة لموظفي المنظمة جرى قصفها انتقل الأحياء منها إلى سيارة ثانية فجرى قصفها فانتقل الذين نجوا من داخلها إلى سيارة ثالثة فقصفتها الصواريخ وهكذا قتل الجميع وأنجزت المهمة».
وبهذا الشكل قتل جيش الاحتلال ثلاثة بريطانيين وأسترالياً واثنين يحملان الجنسيتين الأميركية والكندية وفلسطينياً، وفي النهاية أعلنت إسرائيل رسمياً أن مقتل هؤلاء السبعة «كان نتيجة خطأ وبشكل غير مقصود»، رغم أن تفاصيل العملية الوحشية تثبت العكس تماماً، وزعمت إسرائيل لوسائل الإعلام بأنها كانت من الجو تلاحق مسلحاً كان يرافق شاحنة من عربات المساعدة معتقدة أنه من حماس. واستشهدت الصحيفة الإسرائيلية بأن «أحد المسؤولين الإسرائيليين قال: إن هذه العملية وقعت ليس بسبب عدم وجود تنسيق بين مجموعات العاملين بالإغاثة وقيادة الجيش في القطاع، فقد حصل التنسيق، بل لأن الضباط على الأرض يتصرفون كما يريدون واعتادوا استهداف رجال شرطة حماس حين يرونهم وسط غزة».
في المجلة الإلكترونية الأميركية المعارضة للحروب الأميركية «أنتي وور» كشف محرر المجلة ديف ديكامب في الثاني من نيسان الجاري أن ما كشفته «هآريتس» يدل عملياً على إصرار إسرائيل على منع الغذاء عن الفلسطينيين وأن هذه الحقيقة تعرفها الولايات المتحدة ولكنها تتجنب إدانة إسرائيل، بل هي لم تعلن إدانتها لقتل الموظفين السبعة من منظمة «المطبخ المركزي العالمي»
ويضيف ديكامب: «في الثلاثاء الماضي الثاني من نيسان الجاري دافع البيت الأبيض عن العملية الإسرائيلية على لسان الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي حين نفى في مؤتمر صحفي وجود أي دليل على نية إسرائيل قتل الموظفين السبعة، وعندما سئل عما إذا كان قتل هؤلاء الموظفين يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني أجاب قائلاً: إن هذا السؤال يفترض في هذا الوقت بأن مقتلهم كان متعمداً وأن إسرائيل كانت تعرف الهدف الذي قصفته وهو قتل الموظفين وقامت به عن سبق إصرار وتعمد»، وبهذه الإجابة كان كيربي يبرئ إسرائيل من جريمة موصوفة لا تحتاج لتحليل أو تحقيق، بل أضاف أمام الصحفيين قائلاً: إن وزارة الخارجية على اطلاع بما يجري في هذه المواضيع وهي حتى الآن لم تعثر على أي حوادث خرق فيها الإسرائيليون القانون الإنساني الدولي»، وهذا يعني أن كل ما قام به جيش الاحتلال لا يوجد فيه عمل واحد خرق فيه هذا القانون!
منذ السابع من تشرين الأول الماضي رغم تقديم الأمم المتحدة للوقائع التي تثبت ذلك ومن بينها مقتل المئات من موظفي الأمم المتحدة ووكالة «أونروا»، وكانت مجلة «بوليتيكو» الأميركية قد كشفت في تشرين الثاني الماضي أن الولايات المتحدة وإسرائيل كان يجري إبلاغهما بأسماء الأماكن التي ستتحرك بها مجموعات الإغاثة الدولية لكي يتجنب الجيش الإسرائيلي قصف تلك الأمكنة ومناطقها لكن إسرائيل رغم هذه المعلومات المشتركة مع واشنطن كانت تقصف وتقتل أفراد هذه المجموعات مع المدنيين الفلسطينيين في تلك الأمكنة».
إن الدور الأميركي المتواطئ مع كل سياسات وأفعال الكيان الإسرائيلي التي ينتهك فيها كل القوانين في العالم وليس في منطقتنا فحسب، واضح وتثبته الوقائع، وكأن واشنطن تعد هزيمة هذا الكيان من أكبر هزائمها، وهذه النتيجة لن تكون مستحيلة بعد أن عجزت واشنطن عن حماية وجود نظامها العنصري الاستعماري الاستيطاني في جنوب إفريقيا وبعد أن هزمت في حربها في فيتنام وفي أفغانستان وفي العراق وكل نظام احتلال استيطاني عنصري على غرار الكيان الإسرائيلي قابل للهزيمة ولن يكون بمقدور واشنطن حمايته أو تبرير مذابحه وهذا ما يثبته تاريخ الشعوب ونضالها.