مطلوب مبادرة لإنهاء الانقسام ومجابهة الانسداد السياسي
لقد استقبل الرأي العام الفلسطيني بإيجابية وتفهم إعلان حركة «حماس»، على لسان خليل الحيّة نائب رئيس الحركة في قطاع غزة، استعداد الحركة للانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، والقبول بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة على حدود ما قبل العام 1967 وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرارات الدولية
ما زالت إسرائيل تصر على رفض وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وعودة النازحين والانسحاب إلى خارج قطاع غزة، ولذلك تتعذر عملية التبادل وتتعثر المفاوضات وتتجه نحو استعصاء عميق.
وفي ذات الوقت الذي تتواصل فيه حرب الإبادة الإجرامية في قطاع غزة، وتتزايد جرائم القتل والتدمير الوحشي في عموم المناطق المحتلة على مرأى ومسمع من العالم، يطفو إلى السطح العديد من السيناريوهات والمقترحات المريبة التي تستهدف الالتفاف على المشروع الوطني الفلسطيني الذي جوهره التحرر من الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967. ومن ضمن تلك السيناريوهات إنشاء إدارة مدنية تابعة للاحتلال لإدارة قطاع غزة، وسيناريو نشر قوات عربية أو دولية، ووضع القطاع تحت سيطرة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بحيث يشرف الحلف على إعادة إعمار القطاع وإدارة شؤون حياة الغزيين، إضافة إلى تلك المحاولة البائسة والفاشلة لفرض قيادة بديلة تحت ستار إنشاء «سلطة متجددة» تكون مؤهلة ومستعدة للقبول بدولة صورية مقطّعة الأوصال بالمقاس الإسرائيلي، دون سيادة ودون القدس الشرقية. وفي مواجهة العدوّان الإسرائيلي الغاشم ومخططاته للتهجير والهيمنة تواصل المقاومة الفلسطينية الباسلة صمودها البطولي، وتتصدى بكل شجاعة واقتدار للقوات الإسرائيلية وتوقع بها أفدح الخسائر.
لقد استقبل الرأي العام الفلسطيني بإيجابية وتفهم إعلان حركة «حماس»، على لسان خليل الحيّة نائب رئيس الحركة في قطاع غزة، استعداد الحركة للانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، والقبول بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة على حدود ما قبل العام 1967 وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرارات الدولية، واستعدادها مقابل ذلك «لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي».
ولا شك أن هذا الموقف المعلن لحركة «حماس» يعكس تطوراً سياسياً مهماً يُؤمل أن تكون له تأثيرات مباشرة ليس فقط على المفاوضات الجارية بخصوص التبادل وما يرتبط بها من قضايا، ولكن أيضاً على الوضع الداخلي الفلسطيني وعلى مساعي إنهاء الانقسام وتوحيد القوى والفصائل الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. ذلك أن استمرار حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي تترك مع الأسف تأثيراتها السلبية على مجمل النضال الوطني، وعلى مختلف جوانب الحياة للمجتمع الفلسطيني، وعلى المواطنين الذين يرزحون تحت مختلف ألوان العذاب، ما يشيع أجواء قاتمة من الإحباط والتشتت والغموض بكل ما ينجم عن ذلك من مخاطر تمس حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية.
على ضوء هذا التطور المهم، وفي ضوء التعثر الذي تشهده مفاوضات التبادل، واستمرار المعاناة والمحنة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة وكل المناطق المحتلة، يتوجب على القيادة الفلسطينية الآن، وقبل الغد، التقدم بمبادرة سياسية وطنية شاملة تستهدف مجابهة التحديات الكبرى التي يواجهها الشعب الفلسطيني على كل المستويات، وفي مقدمتها استمرار حرب الإبادة الدموية وحالة الانقسام المدمرة التي يعاني منها. المطلوب المسارعة، ودون أدنى تلكؤ، لإطلاق مبادرة وطنية تحظى بقبول الجمهور الفلسطيني، وتلقى احترام وتأييد الشعوب العربية والدعم والإسناد الإقليمي والدولي.
آن الأوان للقيادة الفلسطينية لمغادرة سياسة الانتظار والصمت إزاء الأحداث والمستجدات، والإقلاع عن نهج إصدار المواقف والبيانات النمطية التي لا تأثير حقيقياً لها.
فلا يكفي على سبيل المثال أن يقتصر الرد على الفيتو الأميركي الأخير على مجرد إعلان صادر عن الرئيس أبو مازن يقول فيه: «إننا على أبواب مرحلة جديدة وصعبة، وأمامنا خيارات متعددة للحفاظ على حقوقنا ولصيانة هويتنا»، وإننا بصدد «وضع إستراتيجية جديدة لحماية القرار الوطني الفلسطيني المستقل والسير وفق أجندة فلسطينية وليس وفق رؤية أميركية أو أجندات إقليمية». هل نحن حقاً أمام نقلة من هذا النوع تمكننا من اتخاذ خيارات جديدة وبناء إستراتيجية جديدة، أم أن الأمر مجرد إعلانات سياسية لا مضمون فعلياً لها؟
في خضم الصراع المحتدم في المنطقة، فإن مبادرة سياسية واقعية تطرح موقفاً سياسياً على نحو واضح ومحدد، وتكون مفهومة للرأي العام الفلسطيني، من شأنها تعبئة الجمهور الفلسطيني وتسليحه برؤية واضحة، وتحدد له الأولويات والأهداف الوطنية المباشرة كي يواصل مسيرته النضالية من أجل تحقيقها، ومن شأنها تكريس الحضور والفعالية الوطنية لمنظمة التحرير الفلسطينية في مركز الصراع الجاري. وكذلك تزويد الحراك الشعبي العالمي والحركة الطلابية العالمية المتصاعدة المساندة للحقوق الفلسطينية برؤية واضحة للموقف الفلسطيني، وأيضاً تمليك الأطراف العربية والدولية موقفاً فلسطينياً متماسكاً يمكّنها من الاستناد عليه والدفاع عنه والمساهمة في تفنيد ودحض الادعاءات الصهيونية المضللة. كما من شأنها الإسهام في التأثير الإيجابي على مواقف المعارضة داخل إسرائيل وتشديد مطالبتها بوقف الحرب.
إن المبادرة الوطنية المنشودة المستندة لقرارات المجلس الوطني الفلسطيني والبرنامج الوطني لمنظمة التحرير، والتي تأخذ بالاعتبار حصيلة الحوارات الوطنية السابقة ومواقف مختلف الأطراف الفلسطينية، ليس من المفترض أن يرتهن إطلاقها بإنجاز حوارات ماراثونية مغلقة تتم في عواصم العالم كما في السابق، وهذا يوجب على القيادة الفلسطينية طرح مبادرتها في العلن وعلى رؤوس الأشهاد، وإشراك الرأي العام الفلسطيني وكافة الفعاليات الوطنية في استعادة الوحدة الوطنية، ما يرتب على مختلف الأطراف الفلسطينية المعنية إعلان مواقفها من تلك المبادرة وتحمُّل مسؤولية تلك المواقف أمام الرأي العام الفلسطيني.
ويمكن أن تتضمن المبادرة المنشودة العناصر التالية:
• الإعلان بلغة واضحة عن استعداد القيادة الفلسطينية للشروع الفوري في تحمُّل مسؤولية إدارة قطاع غزة، وضمان الأمن والسلام بعد خروج قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في إطار اتفاق دولي وإقليمي تشارك في بلورته القيادة الفلسطينية، ويستهدف حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، واعتبار الأرض الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وحدة جغرافية وطنية واحدة.
• تبدأ المفاوضات لتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في إطار مؤتمر دولي تشارك فيه كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، بغية التوصل إلى خارطة طريق بضمانات دولية تؤدي خلال مدة محددة (ثلاث سنوات مثلاً) إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضايا الصراع الرئيسة.
• على قاعدة ما سبق، تدعو منظمة التحرير الفلسطينية بشكل معلن حركة «حماس» وكافة الفصائل الفلسطينية للاندماج في إطار المنظمة، والالتزام ببرنامجها الوطني وبكافة الاتفاقيات التي عقدتها. وذلك على قاعدة الالتزام بالأسس وتقاليد العمل الوطني الديمقراطي والشراكة، وصياغة قوانين جديد تكفل تطوير آلية العمل القيادي الفلسطيني، والالتزام بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في الظروف المناسبة المتفق عليها.
• دمج وتوحيد كافة الأطر والتشكيلات الفلسطينية المسلحة في إطار مؤسسة قوات الأمن الوطني الفلسطينية، التي ستكون مسؤولة عن تنفيذ القانون والنظام وحماية مصالح المجتمع الفلسطيني على قاعدة القانون الواحد والنظام الواحد والسلاح الواحد. وحلّ كافة التشكيلات العسكرية الفصائلية ودمج كوادرها في الأطر الوطنية المناسبة.
• استعداد كافة الفصائل والقوى المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية للتحول إلى أحزاب سياسية حال إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة.
• وفيما يخص المرحلة المباشرة، يتم الاتفاق على خطة لتأمين المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة بإشراف الأطراف والمؤسسات الدولية المعنية، والاتفاق على وقف إطلاق النار وعودة النازحين، وخروج القوات الإسرائيلية من المدن والتجمعات السكانية والانسحاب إلى خارج قطاع غزة.