مصر

مصر وقطر.. وأكاذيب إسرائيل

الاتهامات التي تعرضت لها الدوحة من جانب مسؤولين في إسرائيل وأعضاء في الكونغرس الأميركي مؤخرا، اضطرتها إلى الحديث مباشرة عن طبيعة علاقتها بحماس، والتي نشأت بالتنسيق مع واشنطن، كحلقة اتصال بين إسرائيل والحركة.

واصلت إسرائيل اتهامها لمصر وقطر بأنهما ساعدتا حركة حماس في الفترة السابقة للحرب على قطاع غزة، وتمنعتا عن ممارسة ضغوط كبيرة على قياداتها لتقديم تنازلات في المفاوضات الجارية والموافقة على صفقة تعيد الأسرى الإسرائيليين إلى ذويهم، وحوت بعض التقارير تصريحات لمسؤولين في الحكومة بغرض تحميل الإخفاق الذي حدث في السابع من أكتوبر الماضي لجهة خارجية، والإيحاء بأن قوة حماس مستمدة من المساعدات التي تلقتها من جهات إقليمية.

وبدت الاتهامات الموجهة إلى البلدين متناقضة في أحيان كثيرة، ما يؤكد أن الخطاب الإسرائيلي الذي تأثر بمفاجأة السابع من أكتوبر لم يفق من صدمته، فمصر التي ذكرت بعض التقارير أنها كانت على علم مسبق بعملية طوفان الأقصى هي نفسها التي قيل إنها حذرت إسرائيل من عملية كبيرة، والقاهرة التي قيل إنها تتعاون أمنيا مع تل أبيب هي أيضا نفسها التي أشير إلى أنها قامت بتهريب أسلحة إلى حماس عبر الأنفاق، فأيّ مصر تريد أن تتعامل معها إسرائيل؟

تبدو السرديات الموجهة إلى مصر واحدة من المكونات التي تعزز وجود خلل في تصريحات بعض المسؤولين في إسرائيل، ويعبّر الارتباك الظاهر في الخطاب الرسمي عن عمق الصدمة التي أصابت المسؤولين وجعلت عملية التعامل مع الحرب وتداعياتها أزمة كبيرة لدى الحكومة، فأصبح الهروب إلى مصر واحدة من الأدوات التي يمكن أن تخفف الضغط عنهم، وبافتراض أن الاتهامات الموجهة إلى القاهرة صحيحة فهي لن تعفي المستويين الأمني والسياسي من الإخفاق في التعامل مع عملية طوفان الأقصى، أو تبرر عدم القدرة على تحقيق أهداف الحرب على غزة حتى الآن.

قد يكون الوضع بالنسبة إلى قطر مختلفا عن مصر، فالثانية بحكم الجغرافيا السياسية لا بد أن تنخرط في الأزمة، بل هي منخرطة في القضية الفلسطينية برمّتها منذ عشرات السنين، بينما الأولى دخلت على خطوط الأزمات التي اندلعت في غزة تحديدا بإرادة إسرائيلية، وموافقة ليست خافية على تقديم مساعدات اقتصادية مباشرة لحماس بعلم الحكومات المتعاقبة، والتي اعتقد قادتها أنهم يكرسون بذلك الانقسام في صفوف الفلسطينيين، ويمكنهم احتواء حركة ذات توجهات إسلامية معروفة.

جاءت كل المقاربات التي تقدمت بها الدوحة بموافقة إسرائيلية غير خافية على الكثيرين، وجاء القبول بدخولها على خط الوساطة اقتناعا بأنها قادرة على ممارسة ضغوط على حماس ستصب في صالح إسرائيل حتما، وعندما لم تقم بما أرادته تل أبيب كاملا بدأت الانتقادات تتوالى عليها، ويبدو تعظيم دور قطر في قطاع غزة ليس في صالح إسرائيل، ودارت حوله أيضا شكوك من جهات فلسطينية.

لكن الاتهامات التي تعرضت لها الدوحة من جانب مسؤولين في إسرائيل وأعضاء في الكونغرس الأميركي مؤخرا، اضطرتها إلى الحديث مباشرة عن طبيعة علاقتها بحماس، والتي نشأت بالتنسيق مع واشنطن، كحلقة اتصال بين إسرائيل والحركة، ما يعني أن كل شيء تم ولا يزال متفقا عليه سلفا، وكان الغضب القطري مبررا، إذ كيف تتعرض الدوحة إلى لوم سياسي على شيء حصلت على موافقة سابقة عليه.

ولم تهدأ العاصفة التي تعرضت لها مصر وقطر، وسيظل البلدان شماعة لبعض المسؤولين في إسرائيل لتبرير إخفاقهم في التعامل مع حماس الفترة الماضية، ووسيلة لتحميل كليهما أيّ فشل يمكن أن يلحق بصفقة الأسرى، وربما يكون موقف القاهرة أقل حدة ويمكن أن يبرد في المستقبل، لأن المحدد الحاكم في عدم القدرة على ممارسة ضغط على حماس هو الانتماء الأيديولوجي، فموقف مصر معلن ومعروف وصارم من جماعة الإخوان التي تنتمي إليها عقائديا حركة حماس.

بينما تظهر قطر مرونة مع الإخوان ومن ينتمون إليها، بدليل أن الانتكاسات التي تعرضت لها الجماعة في دول عدة لم تفتّ في عضد الدوحة، حيث لا تزال تقدم دعمها لهم وتستضيف قناة الجزيرة رموزا فيها ومحسوبين عليها، ما يؤكد القناعات بأن العلاقة مع التيار الإسلامي جزء من السياسة الخارجية القطرية ويصعب التخلي عنها، في ظل عدم وجود ركيزة أو رافعة أخرى تمكن الدوحة من المشاركة بفاعلية في قضايا المنطقة، وإذا فقدت هذه الورقة لن تتمكن من الحصول على ورقة بديلة بسهولة، ما يشير إلى أن جماعة الإخوان لم تفقد بريقها عند الدوحة وقوى حصلت على دعم منها.

وأفضت هذه العلاقة العضوية إلى تصاعد حدة اللوم الذي وجه إلى قطر في غمرة شواغل الحرب على غزة، وانصب جزء كبير من الاتهامات عليها لهذا السبب، في حين أن ما يربط مصر بحماس هو محددات الأمن القومي القوية، والتي دفعتها للتعاطي مع حماس، طوعا أو كرها، وغض الطرف عن تجاوزات قامت بها الحركة في سيناء قبل سنوات، فالعلاقة فرضتها دواعي الجغرافيا السياسية وطقوسها القاسية، حيث تحكمت حماس في مصير القطاع في السنوات التي أعقبت سيطرتها عليه.

ولا أحد يستطيع لوم القاهرة على علاقتها الجيدة بحماس أو أيّ من الفصائل الفلسطينية لهذه الاعتبارات، بينما الشكوك تتزايد عندما ترى إسرائيل أن دولة مثل قطر لها علاقة قوية مع حركة تحكمت لفترة في مصير منطقة جغرافية بعيدة عن الخليج العربي، الأمر الذي جعل الانتقادات الموجهة إلى الدوحة أكثر حدة.

ومهما كان صواب الاتهامات الموجهة إلى مصر فإنّ له تفسيرات أمنية، مع ذلك لم تعترف القاهرة بأيّ من الشواهد التي ترددت في إسرائيل حول قيامها بدعم حماس عسكريا في فترة سابقة، حيث أثبتت معلومات متعددة أن جزءا من الأسلحة التي قاتلت بها الحركة إسرائيل حصلت عليها من الأراضي المحتلة.

وإذا كانت حماس حصلت على أسلحة عبر الأنفاق من مصر في وقت سابق، بعلم الأخيرة أو دون علمها، فمن أين حصل مقاومو الضفة الغربية على أسلحتهم، وهي المنطقة الملغمة بمستوطنات وتفرض القوات الإسرائيلية عليها سيطرة شبه كاملة؟

ومع أن قطر انحنت لعاصفة الاتهامات الإسرائيلية بحديثها عن إعادة تقييم موقفها من الوساطة، وإرسال إشارات إلى إمكانية عدم استضافة (طرد) قيادات حماس في أراضيها، إلا أنها مستمرة في ممارسة دورها حتى الآن، والذي لن تستطيع الولايات المتحدة التفريط فيه بسهولة، لمنع احتكار مصر وحدها ملف الوساطة.

كما أن إسرائيل تجد في الدوحة صديقا في عملية توظيف حماس، ويمكن الوثوق به أكثر من القاهرة، فأقصى طموح الأولى أن تكون لاعبا في المنطقة بهذه الورقة، بينما الثانية بحكم مركزها وقوتها وجغرافيتها فسقف طموحاتها يبدو مرتفعا، بما يزعج إسرائيل ويفرض عليها اظهار ليونة مع قطر، وعدم التفريط فيها لسبب يمكن تفهّم دواعيه واحتواء روافده سريعا، خاصة عندما يحلّ أوان التطبيع المنتظر مع السعودية التي لن تكون لقمة سياسية سائغة في علاقتها بإسرائيل.

محمد أبو الفضل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى