مصر

مصر والصومال رهن المد والجزر مع إثيوبيا

يتزامن تقارب مصر مع الصومال مع تحركات تقوم بها الأولى لتصحيح المسارات الخاطئة في علاقاتها مع الكثير من دول القارة الأفريقية، حيث شعرت بنتائجها السلبية في أزمة سد النهضة مع إثيوبيا

المراقب لتطورات العلاقة بين مصر والصومال يشعر أنها مرهونة بمدى الشد والجذب بين كل منهما وإثيوبيا، فتتقارب أكثر في الحالة الأولى، وتتراجع في الثانية، ويلعب هذا المحدد دورا مهما في قياس العلاقة بين البلدين منذ قيام أديس أبابا بتوقيع اتفاقية متعددة الأغراض مع أرض الصومال، غير المعترف بها دوليا، من أهم بنودها تخويل إثيوبيا الحصول على ميناء بحري وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

الصومال أعلن رفضه والتشكيك في القانونية التي تعتمد عليها الاتفاقية أو البروتوكول، وأكدت مصر دعم مقديشو في موقفها، وتطورت العلاقة بعد قيام رئيس الصومال حسن شيخ محمود بزيارتين إلى القاهرة الفترة الماضية، وزيارات لمسؤولين كبار في البلدين، ارتبط مضمونها بالمقاربة الإثيوبية نحو أرض الصومال، وزاد التقارب مع الإعلان عن توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو أخيرا، وعزم مصر المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي بالصومال.

أسهم التوتر الحاصل بين مصر وإثيوبيا بسبب مشروع سد النهضة في انحياز الأولى نحو موقف الصومال، وحمل توقيع الاتفاقية مع أرض الصومال على رغبة لدى أديس أبابا لدعم فكرة أنها قوة إقليمية محورية يجب أن يكون لها أسطول بحري، وأن تحوّلها إلى دولة حبيسة عقب انفصال إريتريا لن يمكنها من تحقيق طموحاتها، وجرى تصوير عملية الحصول على نافذة عسكرية ولوجستية في البحر الأحمر عن طريق أرض الصومال له علاقة بنفوذ إقليمي تريد أديس أبابا استكمال ملامحه.

تتعامل مصر مع هذا الاتجاه على أنه يضر بمصالحها على المدى البعيد، حيث تصبح إثيوبيا واحدة من الدول التي لها تأثير على التطورات في جنوب البحر الأحمر، والذي تمر منه وإليه سفن دولية تتخذ من قناة السويس المصرية وسيلة للعبور، والتي تأثرت مؤخرا بالتوترات التي تسببت فيها عمليات جماعة الحوثي في اليمن ومجابهتها من جانب قوات تابعة للولايات المتحدة وبريطانيا، وبالتالي سوف تملك أديس أبابا ورقة يمكن أن تزعج بها مصر إذا أرادت مضايقتها في أزمة سد النهضة.

إقرأ أيضا : القضاء على العملاء: مفتاح تحرير القدس والعالم الاسلامي

امتلاك قاعدة عسكرية إثيوبية على البحر الأحمر في المستقبل يُفهم على أنه رد على قاعدة بحرية متطورة تملكها مصر في منطقة برنيس في جنوبها، لصد المخاطر القادمة من أفريقيا، وتوظيفها في ردع التهديدات المتوقعة من أيّ جهة أخرى، ما يوجد نوعا كبيرا من السباق في تشييد القواعد العسكرية في منطقة مليئة بالتوترات والقواعد العسكرية التابعة لقوى إقليمية ودولية في جيبوتي وإريتريا، وقد تتحول أقاليم الصومال إلى بؤرة واسعة للقواعد مع تصاعد الصراعات في المنطقة.

ولم يُظهر الصومال انزعاجا لافتا من إثيوبيا عندما كانت الدولة مليئة بالاقتتال الأهلي، وبدأ هذا القلق يتواتر مع تقدم نسبي في مستوى تماسك مؤسسات الصومال الأمنية والعسكرية، لكن لا يزال هناك شوط طويل ينتظر هذا البلد لتحقيق قدر كاف من الهدوء والاستقرار في ربوعه، حيث تقاتل الحكومة المركزية في مقديشو حركة الشباب المتشددة، ووأد حركات انفصالية في بعض الأقاليم، ما يشير إلى أن الدخول في مواجهة مفتوحة مع إثيوبيا من القرارات غير الحكيمة في الوقت الراهن لمقديشو.

كما أنه من القرارات غير الرشيدة بالنسبة إلى إثيوبيا التي تواجه تحديات داخلية صعبة، في إقليم تيغراي الذي خاضت الحكومة المركزية في أديس أبابا حربا ضارية معه منذ حوالي عامين وهدأت بصعوبة، ولا يريد رئيس الحكومة آبي أحمد أن يظهر في ثوب شرطي المنطقة أو من يريد تحقيق طموحاته على حساب أمنها واستقرارها، وتفجير نزاعات كامنة، فهناك ميراث طويل من الحروب بين الصومال وإثيوبيا قد يثير تجددها كلاميا نعرات قبلية لن تستطيع الحكومة في مقديشو وأديس أبابا تحمل نتائجها، وما يمكن أن تفضي إليه في خضم توظيفها سياسيا.

لجأ البلدان إلى الحوار عن طريق وساطة تركية لتسوية الأزمة، وهي إشارة على عدم الاستعداد للدخول في مناوشات تضر بمصالحهما معا، وإن لم تحقق محادثات أنقرة تقدما ملموسا، غير أن الشروع فيها يؤكد الميل نحو الحل التفاوضي الذي يتسق مع المنهج المصري في إدارة الأزمات الإقليمية، لكن في حالة الصومال وإثيوبيا سوف تكون المسألة وعرة لما تحظى به أرض الصومال من خصوصية.

هناك فجوة سياسية واقتصادية وأمنية شاسعة بين أرض الصومال وبين الحكومة المركزية في مقديشو، علاوة على أن ما يختمر في ذهن أديس أبابا من طموحات حول الحصول على قاعدة على البحر الأحمر لا يساعد على التفاهم مع الصومال الذي يتمسك بإلغاء اتفاقية التعاون بين إثيوبيا وأرض الصومال أولا.

يتزامن تقارب مصر مع الصومال مع تحركات تقوم بها الأولى لتصحيح المسارات الخاطئة في علاقاتها مع الكثير من دول القارة الأفريقية، حيث شعرت بنتائجها السلبية في أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، فلم تجد دعما قويا لموقفها داخل الاتحاد الأفريقي، ونجحت أديس أبابا في عرض رؤيتها بطريقة مكّنتها من الحصول على تعاطف دول عدة، واقتربت من إنهاء عمليات بناء السد وتشغيله.

تريد القاهرة عدم تكرار هذا الأمر، فتجد نفسها أمام واقع آخر تفرضه أديس أبابا عليها، فالقاعدة التي ترمي إليها في البحر الأحمر مرهونة بتقديم اعتراف رسمي من قبلها بدولة أرض الصومال، ما يفتح المجال الإقليمي والدولي لاعترافات أخرى، لكن الحقيقة أن اعتراف إثيوبيا يمكن أن يجرّ عليها أزمات داخلية لاحقا، فهناك أقاليم تتمتع بحكم ذاتي وتلوّح بالانفصال في إثيوبيا، وقد تنتقل العدوى إلى دول أخرى في المنطقة، تعاني من مشكلات هيكلية مع حكوماتها المركزية.

ولا يزال دعم مصر للصومال يقف عند الحدود المعنوية والسياسية والاقتصادية والأمنية ممثلة في التدريبات ومكافحة الإرهاب، ومن الصعوبة تجاوز ذلك، لأن القاهرة عزمت على عدم إرسال قوات عسكرية خارج البلاد، إلا في حدود حفظ السلام وتحت مظلة الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة، بما يشير إلى ضرورة عدم حرف الاستنتاجات التي خلفتها زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى القاهرة وحديث الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن دعم مقديشو، عن السياقين التقني والرمزي.

لكن إذا أرادت مصر دعم الصومال بطرق مادية عليها أن تقوم بوضع مقاربة واضحة ومحددة في أهدافها، تؤكد من خلالها تبني سياسة جديدة في المنطقة، لأن التهديدات القادمة من القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر يمكن أن تتزايد في الفترة المقبلة، وعليها الاستعداد لذلك بتصورات عملية للحد من مخاطرها، فدعم الصومال في مواجهة إثيوبيا هناك أسانيد عديدة للأمن القومي تعززه، غير أن المشكلة تكمن في أن مقديشو غير مستعدة للصمود طويلا أمام تحركات أديس أبابا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى