مصر

مصر: قرارات صعبة تجاه إسرائيل؟

قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كانت العلاقات بين الطرفين تلتهب ليس لأسباب تتعلق بتصرفات أحد الطرفين أو كلاهما، وإنما دائماً بسبب السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين أيضاً، ولم تصل أبداً حد التلويح بالحرب أو حتى عمل عسكري محدود.

منذ توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل ظلت العلاقات الشعبية، أو ما يعرف بالتطبيع، محل شكاوى من الجانب الإسرائيلي نتيجة عزوف المصريين عن القبول بالتطبيع إلا في أضيق الحدود، بينما ظلت العلاقات الرسمية خجولة باهتة وباردة. والمؤكد أن كل السياسات والتصرفات والجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين على مدى الشهور السبعة الماضية أغضبت القاهرة، ويزيد الغضب كلما اقتربت السخونة من الحدود المصرية وخصوصاً عند محور فيلاديلفيا وباقي أحياء رفح الفلسطينية القريبة من الحدود، وكذلك سيطرة إسرائيل على معبر رفح، كما أن مجزرة الأحد ربما أكدت لمصر أن الجموح الإسرائيلي لن يتوقف، وربما في المرحلة المقبلة سيتعين على القاهرة أن تتخذ قرارات صعبة.

لدى المصريين حساسية بالغة تجاه جيشهم وهم لا يقبلون إيحاءات أو تلميحات قد تفسر على أنها إساءة الى القوات المسلحة التي يعتبرونها العمود الذي تستند إليه الدولة، أو سياسات ومواقف من دولة أو دول أخرى قد تعكس استهانة برد فعل الجيش تجاه أي تهديد للأمن القومي لمصر، وهذا يبرر ردود فعلهم العنيفة تجاه الحملات التي ظل تنظيم “الإخوان” الإرهابي يشنها ضد الجيش ورجاله، كما يوضح أسباب فخرهم بالجيش وتلويحهم بقوته ومركزه المتقدم ضمن أفضل جيوش العالم كلما صدر عن مسؤولين إسرائيليين تلميحات أو تصريحات لا تحمل تقديراً لقوة مصر وقدرتها على التعاطي مع التطورات الجيوسياسية على الأرض عند الحدود الشرقية لمصر.

زاد ذلك من تأثير سلسلة الرسائل التي حرصت القاهرة على توصيلها للإسرائيليين رداً على تصريحات صدرت عن وزراء في حكومة نتنياهو حمّلت القاهرة المسؤولية عن تفاقم الأوضاع في قطاع غزة “لأنها رفضت فتح معبر رفح والسماح بنزوح الفلسطينيين منه إلى شبه جزيرة سيناء” (!) تزامنت مع تقرير صحافي أميركي تضمن مزاعم عن تسبب الوسيط المصري في إفشال المفاوضات بين إسرائيل وحركة “حماس”.
ردود الفعل المصرية الغاضبة كانت سريعة ومن زوايا واتجاهات مختلفة لكنها عكست مواقف بالغة الوضوح والصرامة، خصوصاً عندما تحدى بيان لمصدر مصري مسؤول “ذكر أسماء لأشخاص كانوا مطلعين على مسار المفاوضات لتنسب لهم الادعاءات بتسبب مصر في تعطيل أو إفشال المفاوضات”، وكذلك التأكيد على “أن مصر تحرص على سرعة إيجاد حلول مؤقتة لإدخال الوقود إلى قطاع غزة لتشغيل المستشفيات المتوقفة عن العمل”، لافتاً إلى أن القاهرة “تحرص على التخفيف من وطأة نقص المساعدات من خلال إدخالها عبر معبر كرم أبو سالم ولحين عودة معبر رفح للعمل بشكل طبيعي”، في إشارة إلى القرار المصري برفض التعامل مع أي جهة إسرائيلية تسيطر على معبر رفح “حرصاً على ثوابت القضية الفلسطينية” و”الإصرار على عدم القبول بسياسة الأمر الواقع التي يحاول الجانب الآخر فرضها على الأرض”، باعتبار “أن معبر رفح هو معبر مصري فلسطيني ومصر ستعيد إدخال المساعدات من خلال آلية يتم الاتفاق عليها بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية”، والتشديد على أن مصر “ستظل تتصدى لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو لعزل قطاع غزة عن العالم”، و”العمل على إيجاد حلول مؤقتة لإدخال الوقود إلى قطاع غزة لتشغيل المستشفيات المتوقفة عن العمل”.
وتوهج الموقف المصري بتأكيد وزير الدفاع والقائد العام للجيش الفريق أول محمد زكي، الخميس، على أن القوات المسلحة “قادرة على مجابهة أي تحديات تفرض عليها”، إذ نقل بيان للمتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية عن زكي قوله، خلال تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع تكتيكي بالذخيرة الحية لإحدى وحدات الجيش الثاني الميداني “أن الدولة المصرية لها ثوابت لا تحيد عنها، ولا تنحاز إلا لمصلحة الأمن القومي المصري”. كما أكد زكي على الدور الهام والفعال الذي تقوم به الدولة المصرية لمساندة القضية الفلسطينية على مدار التاريخ، وأن الموقف الحالي “يتم التعامل معه بأقصى درجات الحكمة لدعم القضية والحفاظ عليها، ومساندة الفلسطينيين، على أساس حل الدولتين”.

المؤكد أن الغضب المصري أزعج الأميركيين الذين قد لا يستطيعون الضغط على نتنياهو لكن في إمكانهم استرضاء المصريين وطمأنتهم وتبديد مخاوفهم، لذلك كان الاتصال الهاتفي الذي تلقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي من نظيره الأميركي جو بايدن سريعاً وقبل أن يزداد حجم كرة الثلج. واللافت أن البيان المصري بعد المكالمة تضمن ردوداً أو توضيحات لكافة الأمور التي أغضبت القاهرة، إذ أعلن أن الرئيسين اتفقا على “أن العلاقات المصرية – الأميركية استراتيجية على كافة المستويات”، وأن إدارة الرئيس بايدن تؤمن “أن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لن يتم دون مصر”، وأن الإدارة الأميركية “تقدر الجهود المصرية في الوساطة للتوصل إلى وقف إطلاق للنار واتفاق للهدنة وصفقة لتبادل الأسرى”، ما يعني أن دور مصر في الوساطة لا غنى عنه نظراً للخبرات الكبيرة التي يتمتع بها فريق التفاوض المصري الذي جعله يحظى بتقدير وثقة كل الأطرف، وأن الوساطة المصرية لا تعني مهادنة الإسرائيليين أو التحرج من إدانة جرائمهم أو الموافقة على تصرفاتها التي تخالف القوانين الدولية أو اتفاق السلام.

قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كانت العلاقات بين الطرفين تلتهب ليس لأسباب تتعلق بتصرفات أحد الطرفين أو كلاهما، وإنما دائماً بسبب السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين أيضاً، ولم تصل أبداً حد التلويح بالحرب أو حتى عمل عسكري محدود. وحتى عندما وقعت حوادث أمنية على الحدود أو داخل مصر تكفلت اللجنة العسكرية المشكلة وفقاً للملحق الأمني الخاص باتفاق السلام بعلاج التداعيات ووقف التصعيد وتفادي ردود فعل تهدد الاتفاق، وركز الجيش في بداية معركته ضد الإرهاب في سيناء على هدم تلك الأنفاق بين مدينتي رفح المصرية والفلسطينية، واستخدم في سبيل ذلك مياه البحر، اذ أغرق منطقة الحدود بالمياه لردم الأنفاق غير المجهزة بدعامات خرسانية، التي تكفل سلاح المهندسين العسكريين بتفخيخها، واستمرت الحملة سنوات، علماً بأن النفق الواحد في غزة كان له عدة فتحات دخول إلى الأراضي المصرية، بما سمح بإعادة استخدامه في حالة كشف الجيش المصري أي من تلك الفتحات.

نعم هناك استفزازات إسرائيلية لمصر، ومع كل سلوك إسرائيلي إجرامي تجاه الفلسطينيين لم يصدر عن القاهرة تهديدات وإنما دائماً تأكيدات على الجاهزية وعدم السماح بتهديد المصريين أو أمن الوطن، وتتوافق رغبات المصريين مع خطط ورؤى قادتهم. لا أحد يريد حرباً، لكن لدى المصريين قناعات بأن الحرب إذا فرضت على مصر فلا أحد سيتقاعس عن خوضها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى