مصر: قرارات صعبة تجاه إسرائيل؟
قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كانت العلاقات بين الطرفين تلتهب ليس لأسباب تتعلق بتصرفات أحد الطرفين أو كلاهما، وإنما دائماً بسبب السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين أيضاً، ولم تصل أبداً حد التلويح بالحرب أو حتى عمل عسكري محدود.
لدى المصريين حساسية بالغة تجاه جيشهم وهم لا يقبلون إيحاءات أو تلميحات قد تفسر على أنها إساءة الى القوات المسلحة التي يعتبرونها العمود الذي تستند إليه الدولة، أو سياسات ومواقف من دولة أو دول أخرى قد تعكس استهانة برد فعل الجيش تجاه أي تهديد للأمن القومي لمصر، وهذا يبرر ردود فعلهم العنيفة تجاه الحملات التي ظل تنظيم “الإخوان” الإرهابي يشنها ضد الجيش ورجاله، كما يوضح أسباب فخرهم بالجيش وتلويحهم بقوته ومركزه المتقدم ضمن أفضل جيوش العالم كلما صدر عن مسؤولين إسرائيليين تلميحات أو تصريحات لا تحمل تقديراً لقوة مصر وقدرتها على التعاطي مع التطورات الجيوسياسية على الأرض عند الحدود الشرقية لمصر.
المؤكد أن الغضب المصري أزعج الأميركيين الذين قد لا يستطيعون الضغط على نتنياهو لكن في إمكانهم استرضاء المصريين وطمأنتهم وتبديد مخاوفهم، لذلك كان الاتصال الهاتفي الذي تلقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي من نظيره الأميركي جو بايدن سريعاً وقبل أن يزداد حجم كرة الثلج. واللافت أن البيان المصري بعد المكالمة تضمن ردوداً أو توضيحات لكافة الأمور التي أغضبت القاهرة، إذ أعلن أن الرئيسين اتفقا على “أن العلاقات المصرية – الأميركية استراتيجية على كافة المستويات”، وأن إدارة الرئيس بايدن تؤمن “أن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط لن يتم دون مصر”، وأن الإدارة الأميركية “تقدر الجهود المصرية في الوساطة للتوصل إلى وقف إطلاق للنار واتفاق للهدنة وصفقة لتبادل الأسرى”، ما يعني أن دور مصر في الوساطة لا غنى عنه نظراً للخبرات الكبيرة التي يتمتع بها فريق التفاوض المصري الذي جعله يحظى بتقدير وثقة كل الأطرف، وأن الوساطة المصرية لا تعني مهادنة الإسرائيليين أو التحرج من إدانة جرائمهم أو الموافقة على تصرفاتها التي تخالف القوانين الدولية أو اتفاق السلام.
قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كانت العلاقات بين الطرفين تلتهب ليس لأسباب تتعلق بتصرفات أحد الطرفين أو كلاهما، وإنما دائماً بسبب السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين أيضاً، ولم تصل أبداً حد التلويح بالحرب أو حتى عمل عسكري محدود. وحتى عندما وقعت حوادث أمنية على الحدود أو داخل مصر تكفلت اللجنة العسكرية المشكلة وفقاً للملحق الأمني الخاص باتفاق السلام بعلاج التداعيات ووقف التصعيد وتفادي ردود فعل تهدد الاتفاق، وركز الجيش في بداية معركته ضد الإرهاب في سيناء على هدم تلك الأنفاق بين مدينتي رفح المصرية والفلسطينية، واستخدم في سبيل ذلك مياه البحر، اذ أغرق منطقة الحدود بالمياه لردم الأنفاق غير المجهزة بدعامات خرسانية، التي تكفل سلاح المهندسين العسكريين بتفخيخها، واستمرت الحملة سنوات، علماً بأن النفق الواحد في غزة كان له عدة فتحات دخول إلى الأراضي المصرية، بما سمح بإعادة استخدامه في حالة كشف الجيش المصري أي من تلك الفتحات.
نعم هناك استفزازات إسرائيلية لمصر، ومع كل سلوك إسرائيلي إجرامي تجاه الفلسطينيين لم يصدر عن القاهرة تهديدات وإنما دائماً تأكيدات على الجاهزية وعدم السماح بتهديد المصريين أو أمن الوطن، وتتوافق رغبات المصريين مع خطط ورؤى قادتهم. لا أحد يريد حرباً، لكن لدى المصريين قناعات بأن الحرب إذا فرضت على مصر فلا أحد سيتقاعس عن خوضها.