العراق

مشكلة العراق مع الإعلام الجديد

الإعلام الجديد واقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله، حيث فرض نفسه حتى على أدق تفاصيل الحياة اليومية للإنسان المعاصر وليس في العراق فقط، وبالتالي، لا مفر من التعامل معه واستخدامه ككثير من المحدثات التكنولوجية الأخرى

مشكلة العراق مع الإعلام الجديد ليست مع أسماء أو شخصيات تبرز فجأة على منصات ومواقع التواصل التي تشكل الجزء الأكبر من هذا الإعلام، إنما الخلل يكمن في ضعف أساس وضوابط هذا الإعلام على أرض الواقع من حيث قانون ينظمه ومبادئ صحفية تؤطره، فالمجال خصب لظهور أي شخص مهما كانت خلفيته ومستواه الثقافي ومكانته ونوع تأثيره السلبي أو الإيجابي – وهو قليل – والذي ستقع تبعاته لا محال على المجتمع، وما نشاهده من تصفيات جسدية أيضاً لا يخرج عن هذه المعادلة، بل هو نتيجة منطقية لذلك الأساس الهش.

لقد قيل الكثير عن بروز شخصيات وأسماء في السوشيال ميديا ليست جديرة بالاهتمام ولا تستحقه، ووصل الأمر إلى نعتها بصفات مشينة، إذ لم تسهم بشيء يذكر في خدمة المجتمع والبلاد، بل أصبحت عبئاً ثقيلاً ولا فائدة مرجوة منها، ولكن التساؤل الأهم هو من صنع هؤلاء؟ وكيف صعدوا إلى أعلى المراتب إن كانوا عديمي الفائدة إلى هذا الحد؟

الجواب عن ذلك بسيط ولا يحتاج إلى عناء، فالإعلام الجديد واقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله، حيث فرض نفسه حتى على أدق تفاصيل الحياة اليومية للإنسان المعاصر وليس في العراق فقط، وبالتالي، لا مفر من التعامل معه واستخدامه ككثير من المحدثات التكنولوجية الأخرى، ولكن الاختلاف الكبير الذي يميز هذا الإعلام الجديد عن التقليدي يجب ألا يكون مبرراً ليضرب به المفاهيم والمبادئ الصحفية السامية عرض الحائط، فضرورة لجم هذا الإعلام غير الملتزم تحتم وضع أسس وضوابط لتقليل آثاره السلبية وإجبار من يتداولونه ويعملون فيه على الالتزام والتوجس من تخطي الحدود. فالرقابة الذاتية تكاد تكون منعدمة تماماً، لأنَّ الجهل الإعلامي وتدني الوعي الصحفي له اليد الطولى في دعم صعود تلك الشخصيات واعتلائها المقدمة، مسنودة بكثرة المشاهدات والمتابعات والتفاعل، بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمونه، ما جعلهم في كل واد يهيمون دون إدراك لما يمكن أن يخلفوه من آثار هائلة على التربية والمجتمع وشتى نواحي الحياة.

الحالة نفسها موجودة في كثير من البلدان، ولكن مع اختلاف جوهري وهو نفاذ قوانين رادعة وصارمة تطبق على الجميع بحذافيرها، ما غرس الرهبة من تجاوز الخطوط المسموحة لدى مستخدمي هذا الإعلام الذي لا حدود له ولا خطوط. أما في الحالة العراقية، فالوضع مختلف كلياً، لا قانون وضوابط واضحة تكبح جماح الغارقين في نشوة الشهرة وحلم “التريندية”، والإجراءات القانونية المتخذة بحق أصحاب المحتوى الهابط مع مطاطيتها واكتنافها الغموض ليست إلا حلولاً آنية ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع، وتزداد يوماً بعد يوم الحاجة إلى قانون واضح وصريح يدخل حيز التنفيذ لا يفرق بين هذا أو ذاك، ولا مجال لاستغلاله أو تحوير مسار تطبيقه وأهدافه من قبل أحد، عندها تنتفي الحاجة إلى اللجوء إلى تلفيق التهم أو التصفيات أو إجراءات تعسفية، بل سيكون مجرد تنفيذ القانون كأيّ قانون آخر نافذ كفيلاً بتقليل التجاوزات والآثار السلبية للإعلام الجديد وشخصياتها البارزة على المجتمع ومستقبل البلاد.

هذه هي مشكلة العراق العويصة مع هذا الإعلام الذي ما زال في طور التكوين وبروز الملامح، وستبقى قائمة إلى وقت تشريع قوانين ملزمة تشمل تفاصيله وتضبطه بدقة وشمولية ولا تبقي فراغاً للتصيد في الماء العكر، وإلى حين نشر ثقافة إعلامية واسعة لدى أفراد المجتمع وفئاتها المختلفة تمكِّنها من التمييز بين ما يعد إعلاماً أو صحافة، وغير ذلك من مهاترات ولعب بالعقول.

سوران علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى