انخفضت أسعار المستهلك في الصين إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عام، مما يسلط الضوء على الضغوط الانكماشية المستمرة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
قالت هيئة الإحصاء الوطنية الصينية يوم الأحد إن مؤشر أسعار المستهلك، وهو معيار لقياس التضخم، انخفض بنسبة 0.7% في فبراير مقارنة بالعام السابق . وكان الانخفاض أكثر حدة مما توقعه استطلاع أجرته رويترز لآراء المحللين، ليعكس الزيادة المتواضعة البالغة 0.5% في يناير ويمثل أول انكماش منذ يناير 2024 .
إن الانكماش يشكل مشكلة لأنه لا يمنح الناس الحافز الكافي للإنفاق في الوقت الحالي، على أمل انخفاض الأسعار. وهذا يميل إلى تقليص الاستهلاك، وهو عنصر مهم من عناصر النمو الاقتصادي.
وقد تأثر الانخفاض في فبراير جزئيًا بعطلة رأس السنة القمرية الجديدة التي جاءت قبل الموعد المعتاد – حيث تم إجراء مئات الملايين من الرحلات ، مما عزز السياحة والإنفاق. وقد جاءت العطلة بالكامل في يناير من هذا العام، مقارنة بالعطلة السابقة التي امتدت إلى فبراير. وهذا يعني أن هناك قاعدة مقارنة أعلى بكثير في عام 2024.
وقال المكتب الوطني للإحصاء إن أسعار المستهلك سترتفع بنسبة 0.1%، باستثناء تأثير مهرجان الربيع السابق. كما انخفض مؤشر أسعار المستهلك الأساسي في البلاد، الذي يستبعد العناصر ذات الأسعار المتقلبة مثل الغذاء والوقود، بنسبة 0.1%، وهو أول انخفاض منذ يناير 2021.
وفي الوقت نفسه، شهد مؤشر أسعار المنتجين ، الذي يتتبع أسعار الجملة، انخفاضًا بنسبة 2.2% في فبراير/شباط مقارنة بالعام السابق. وانكمش سعر البيع عند بوابة المصنع لمدة 29 شهرًا متتاليًا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وفي مذكرة بحثية صدرت يوم الأحد، كتب خبراء الاقتصاد في جولدمان ساكس: “بصرف النظر عن التشوهات الموسمية المؤقتة، كان التضخم في مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتجين منخفضا للغاية على مدى العامين الماضيين، مما يسلط الضوء على اختلال التوازن بين العرض والطلب في الاقتصاد الصيني”.
لا يزال الاقتصاد الصيني يعاني من ضعف الإنفاق الاستهلاكي، وتوقعات التوظيف غير المؤكدة، وتباطؤ قطاع العقارات لفترة طويلة. وعلى الصعيد الدولي، يواجه الاقتصاد الصيني أيضًا ضغوطًا مع تصعيد الولايات المتحدة لحربها التجارية ضد الصين، التي اعتمدت لفترة طويلة على الصادرات لدفع النمو.
وقال تشنغ شانجي، رئيس لجنة التنمية الوطنية والإصلاح، وهي هيئة تخطيط الدولة في الصين، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي: “إن حالة عدم اليقين في البيئة الخارجية تتزايد، في حين نواجه أيضا قضايا مثل الطلب المحلي غير الكافي والصعوبات التشغيلية لبعض الصناعات” .
حددت بكين هدفا طموحا للنمو الاقتصادي بنسبة 5% بحلول عام 2025، وهو نفس هدف العام الماضي. كما خفضت هدفها لزيادة أسعار المستهلك هذا العام إلى 2% من 3% العام الماضي، وهو ما يشير إلى اعتراف بكين بالضغوط الانكماشية المستمرة.
ولكن خلال الافتتاح الرسمي للبرلمان في الأسبوع الماضي، والذي كان متوقعا للغاية، فشلت الحكومة في الإعلان عن تحفيز واسع النطاق لدعم النمو على الرغم من التأكيد على الحاجة إلى تعزيز الاستهلاك.
وفي مؤتمر صحفي عقد على هامش المؤتمر الشعبي الوطني يوم الأحد، قال وانغ شياو بينج، وزير الموارد البشرية والضمان الاجتماعي، إن مهمة استقرار وتوسيع التوظيف هذا العام ستكون “شاقة” و”تحت الضغط”.
وأكد ني هونغ وزير الإسكان والتنمية الحضرية والريفية أن الحكومة “تبذل كل جهد ممكن لتحقيق الاستقرار واستعادة الثقة في سوق العقارات”.
وسلط الضوء على حصة 4.4 تريليون يوان (608 مليار دولار) من السندات الخاصة للحكومات المحلية هذا العام، والتي سيتم تخصيصها جزئيًا لشراء المساكن التجارية المكتملة. وسيتم تحويل مشاريع الإسكان المشتراة إلى مساكن بأسعار معقولة ومساكن للعمال.
تأثير الانكماش على السياسة الداخلية
يُعتبر الانكماش الاقتصادي تحديًا كبيرًا بالنسبة للحكومة الصينية، حيث يشكل الاقتصاد محركًا رئيسيًا للاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد. يمكن أن يؤدي الانكماش إلى التأثيرات التالية:
تزايد الضغوط الاجتماعية: إذا استمر الانكماش الاقتصادي، فإن هناك احتمالًا لزيادة معدلات البطالة والتفاوت الاجتماعي، ما يمكن أن يؤدي إلى احتجاجات أو تململ شعبي ضد الحكومة. الصين، التي تتمتع بنظام سياسي مركزي وقوي، قد تشعر بالحاجة إلى اتخاذ تدابير لحفظ الاستقرار الداخلي.
تعديل السياسات الاقتصادية: الحكومة الصينية قد تضطر إلى تعديل سياساتها الاقتصادية لتشجيع النمو، مثل تقديم حوافز أكبر للقطاع الخاص، دعم الصناعات الاستراتيجية، وتحفيز الاستهلاك المحلي. على الأرجح، ستكثف الحكومة من إجراءات الإنفاق العام في مشاريع البنية التحتية.
ضغوط على القيادة السياسية: الحكومة تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ ستكون في موقف حساس. إذا استمر الانكماش في التأثير على حياة المواطنين بشكل مباشر، فقد تتعرض الحكومة لانتقادات من مختلف الجهات في الحزب ومن الشعب.
تأثير الانكماش على السياسة الخارجية
على الصعيد الخارجي، قد يترتب على الانكماش الاقتصادي في الصين عدة تداعيات:
التقليص من الاستثمارات الخارجية: مع تراجع النمو الاقتصادي، قد تقلل الصين من استثماراتها الخارجية في مشاريع ضخمة مثل “مبادرة الحزام والطريق”، التي كانت تهدف إلى تعزيز نفوذ الصين في آسيا وأفريقيا. هذا التراجع قد يؤثر على علاقات الصين مع العديد من الدول في العالم.
التوترات التجارية: في حال استمر الانكماش الاقتصادي، فإن الصين قد تسعى إلى تعزيز صادراتها عبر زيادة الحوافز التجارية، مما قد يثير توترات مع شركائها التجاريين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. هذا قد يؤدي إلى زيادة في التوترات الاقتصادية أو حتى تصاعد في النزاعات التجارية.
التركيز على السيادة الداخلية: في ظل التحديات الاقتصادية، قد تقوم الصين بتقليص دورها في الساحة الدولية في بعض المجالات والتركيز على قضاياها الداخلية، مثل تعزيز الأمن الداخلي والاقتصاد المحلي، بدلاً من التوسع في نفوذها الدولي.