استطاعت السلطة الفلسطينية بكيانيتها القائمة على توازن قواعدها؛ الأمن والاقتصاد والسياسة، الحد من ارتدادات السابع من أكتوبر، وعدم اتساع رقعتها بانعكاسها كموجات عنف تطال مدن الضفة الغربية.
السلطة ومؤسساتها لم تقعا فريسة بين أنياب اليمينين الإسرائيلي والفلسطيني الساعيين منذ انقلاب حركة حماس في القطاع عام 2007، لخلق دوائر فوضى وعنف يبسطان من خلالها نفوذهما وسيطرتهما الأمنية أو التنظيمية على شكل وصايا سياسية على شرائح المجتمع الفلسطيني وتقسيماته، وهو الهدف الذي دعمه مرارا بنيامين نتنياهو كمخطط إسرائيلي لإدامة الانقسام الفلسطيني عبر إمداد حماس بمفاتيح إبقاء سيطرة سلطتها لإضعاف السلطة ككيانية سياسية للشعب الفلسطيني. لينهار مشروعه بعد أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب شعواء، هذا الانهيار الذي جاء نتيجة عوامل دولية ضاغطة تدفع للحفاظ على مشروعها السياسي المجمع عليه والمتمثل بحل الدولتين، والذي يجري الآن نقاش في عدة عواصم عربية ودولية حول طرق تنفيذه والوصول إليه.
في المقابل سعت السلطة لحماية هذا المشروع بعدم الانجرار إلى مربعات العنف والفوضى في مدن الضفة الغربية، والتماهي مع المتطلبات الدولية التي ترى بإعادة تجديد هياكل مؤسسات السلطة خطوة ضرورية لقطع الطريق على ما يذهب إليه نتنياهو ومنظومته اليمينية المتطرفة، فتم إعلان تشكيل حكومة تكنوقراط تتحمل مسؤوليات القطاع وملفاته كوحدة جغرافية للدولة الفلسطينية المنشودة.
براغماتية السلطة الفلسطينية وخطابها المعتدل سمحا لها بالرقص على حبال الواقعية الدبلوماسية المقبولة من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمدعومة عربيا، كمنطلق إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بعد حرب أمعنت تدميرا وإبادة في القطاع وسكانه، من خلال مشاريع سياسية ضمن السقف السياسي والأمني للسلطة الفلسطينية، تحت شعار نظام سياسي واحد وسلاح أمني ذي مرجعية واحدة.
إسرائيل لن تقف موقف المتفرج أمام ما تسعى إليه السلطة الفلسطينية، بل ستلجأ إلى ممارسة ألاعيبها المعتادة بالعزف على أوتار استهداف السلطة دعائيا بترويج تهم الفساد ونسج قصص الخلافات والصراعات بداخلها، وستعمل أيضا على حرق واغتيال بعض الشخصيات سياسيا في الشارع الفلسطيني لإثبات عجز الفلسطيني عن حكم نفسه وتقرير مصيره أمام المجتمع الدولي. ولن تقف إسرائيل عند هذه الحد، فقد تذهب مجددا لإعادة سيناريو دعم حماس في مناطق ومدن الضفة لتصعيد موجات العنف بهدف ضرب الكيانية السياسية الفلسطينية، وهي فرصة تراهن عليها حماس بعد خسائرها في القطاع لإعادة تأكيد وجودها ضمن الخارطتين السياسية الإقليمية والفصائلية الفلسطينية.
تبعا لما سبق، على السلطة الفلسطينية المناورة على هامش الفعل؛ باللعب على تناقضات داخل إسرائيل بفتح قنوات اتصال مع خصوم بنيامين نتنياهو ومنافسيه، مع استثمار الخلافات بينه وبين إدارة جو بايدن بتصعيد وتيرة الخطاب السياسي والإنساني للمجتمع الدولي الضاغط نحو حل سياسي شامل، والاستفادة ممّا يطرح من مشاريع تصب في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في القطاع مع استمرار سياسة إغلاق الآذان أمام الخطاب الشعبوي الغوغائي العربي لتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني ضمن سقفها السياسي وصولا إلى دولة فلسطينية.