كل المعلومات والمؤشرات والأدلة والقرائن تؤكد بعد 14 شهراً على الحرب الإسرائيلية، أن ثمة مخططا إسرائيليا يتم تنفيذه بعناية فائقة، يستهدف تغيير الواقع بشكل جذري ونهائي في الأراضي الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة، وربما يمتد المشروع الإسرائيلي إلى الدول العربية المحيطة، خاصة بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض مع بداية العام الجديد.
قبل أيام اعترف وزير الحرب الإسرائيلي السابق موشيه يعلون، الذي كان أيضاً قائد أركان الجيش الإسرائيلي، اعترف بأنَّ إسرائيل تنفذ «تطهيراً عرقياً في قطاع غزة»، وقال في مقابلة تلفزيونية إن «الطريق الذي يجروننا إليها في هذه اللحظة هي: الاحتلال، الضم، التطهير العرقي»، في إشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تريد إعادة احتلال القطاع، وبناء بلدة إسرائيلية على أنقاضه.
هذه التصريحات جاءت بالتزامن مع تحقيق مهم أجرته شبكة «بي بي سي» البريطانية، واعتمدت فيه على صور من الأقمار الصناعية، ويتبين من هذه الصور ومن خلاصة هذا التحقيق، أن إسرائيل تقوم بتقسيم قطاع غزة وليس فقط احتلاله، وأن ثمة خطا فاصلا دائما يعزل الشمال عن باقي مناطق القطاع، وهو ما يؤكد الفكرة التي يتحدث عنها يعلون، والتي تقول إن إسرائيل تقوم بتطهير عرقي في غزة من أجل تغيير شكله بصورة جذرية ودائمة، ومن أجل بناء بلدة إسرائيلية على أنقاض شمال القطاع الذي سيتم ضمه بالكامل لإسرائيل. تحقيق الـ«بي بي سي».
اقرأ أيضا| الحديث عن صفقة في غزة: بين ضجة فعلية وضجة مفتعلة
يشير أيضاً إلى أن صور الأقمار الصناعية تؤكد أن إسرائيل عازمة على منع المدنيين الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم في محافظة شمال غزة وبشكل دائم، حيث تم تهجير أكثر من 100 ألف شخص من أقصى شمال غزة، وفقاً للأمم المتحدة، وما تقوم به إسرائيل حالياً يؤكد أنها عازمة على منعهم من العودة إلى الأبد.
ما يحدث في غزة الآن من تقسيم وتطهير عرقي يعترف به الإسرائيليون أنفسهم، ويأتي أيضاً بعد سنواتٍ قليلة على قرار ضم الضفة الغربية واعتبارها جزءاً من الأراضي الإسرائيلية، وقبل الضفة تم ضم القدس المحتلة والجولان السوري، وهذا يعني أن إسرائيل تقوم بالتهام الأرض العربية قطعة قطعة، وتريد تغيير الواقع أكثر فأكثر، بما يخدم مصالحها وطموحاتها التوسعية، ومن دون النظر إلى مخاوف وقلق دول المنطقة بما في ذلك الدول الصديقة لها.
أصبح واضحاً الآن أن لدى الإسرائيليين مشروعا بالغ البؤس والخطورة، والظاهر حتى الآن من هذا المشروع، هو أن تل أبيب تريد تغيير شكل قطاع غزة بالكامل، وتريد التهامه وضم أجزاء منه، بعد تقسيمه بشكل كامل، وربما العودة لاحتلاله وإلغاء قرار الانسحاب، الذي اتخذه رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون في عام 2005، وهذا أصبح واضحاً ومؤكداً سواء عبر اعترافات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، أو من خلال بعض التحقيقات والتقارير الصحافية، مثل ذلك الذي أوردته شبكة «بي بي سي».
ما تقوم به إسرائيل هو تنفيذ لمشروع اليمين الصهيوني المتطرف الذي لا يعترف بالفلسطينيين ولا يقبل بوجودهم، وهو اليمين الذي يعتبر أن الضفة الغربية هي «يهودا والسامرة»، التي لا يُمكن تركها ولا التنازل عنها، وهو ذاته يعتبر أن القدس هي «أورشليم» التي لا حق للعرب بها.. وهذا اليمين الصهيوني هو ذاته الذي يعتبر أن الأردن هي الدولة الفلسطينية المقبلة، ويريد تهجير السكان في الضفة الغربية إليها، وهو ما يُشكل تهديداً مباشراً واستراتيجياً لدول الجوار.
أما ما يتعلق بقطاع غزة فقد أصبح واضحاً أن إسرائيل تقوم بتقسيمه حالياً، وتقوم أيضاً بتصفية الوجود الفلسطيني فيه عبر القتل والترحيل والتجويع، بما سيؤدي إلى خفض عدد السكان فيه، ومن ثم تريد التهام شماله وضمه إلى إسرائيل، أما ما يتبقى من القطاع بعد إلغاء الشمال منه فلا يزال من غير الواضح كيف شكله ولا مستقبله، والمرعب في الأمر هو أن إسرائيل بقيادتها الحالية لا تقبل حتى بالسلطة الفلسطينية، التي يرأسها محمود عباس، فلا تريد التعاون مع السلطة، ولا تريد ترك القطاع لحركة حماس، ولا هي نجحت في إقناع الدول العربية بقوات متعددة الجنسيات حتى الآن، ولا يبدو أن لدى نتنياهو أي سيناريو لليوم التالي بعد الحرب.