غزة

مرارة الحرب تقسو على نساء غزة

ومع كل هذه التحديات وصعوبات الحياة تظل نساء غزة وسط ظروف قاسية ومريرة، لكنهن مازلن يتشبثن بأمل وقف الحرب وحلول السلام!

أكثر من عشرة أشهر من المعاناة يعيشها أهالي قطاع غزة ما بين ويلات الحرب ومرارة فقدان الأهل وتوحش الجوع والمرض، فتلك الظروف تعصف بهم كل يوم وتحصد أرواحهم واحدًا تلو الآخر.

ولعل النساء أكثر معاناةً من ويلات تلك الحرب الإسرائيلية الشرسة؛ فبعد أن نزحن عن بيوتهن التي دمرها الاحتلال، أصبح حالهن شبيهًا بالمأساة التي تتكرر كل يوم. فما بين الفقر والجوع وفقدان الأبناء والآباء والأزواج وغياب الرعاية الصحية والموت المنتشر في كل مكان، تعاني نساء غزة من آثار نفسية وجسدية ومادية مدمّرة. وتحولت أحلامهن البسيطة، المتمثلة في الحصول على الكهرباء والغاز وعمل لإعالة الأسرة، إلى مجرد البحث عن خيمة آمنة تؤويهن وتحميهن من الحر والقصف العشوائي، أو كيس دقيق يسد رمق أطفالهن الصغار الذين عاشوا طفولة سيئة للغاية بسبب الحرب.

فاتورة الحرب عمقت معاناة النساء الفلسطينيات؛ فليس هناك امرأة في غزة لم تفقد فردًا أو أكثر من أفراد عائلتها، بمن فيهم أطفالها. ورغم ذلك لا يملكن رفاهية الحداد على أحبائهن أو حتى دفنهم.

وفي خضم الحرب قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بأسر عدد من النساء، وقد اختفى عدد آخر منهن في مناطق شمال غزة، لم يُعرف عنهن شيء حتى الآن، كما لم يُعثر على جثثهن بعد. وأيضًا يقوم جنود الاحتلال بسلوكيات مهينة للنساء وقد يصل الأمر إلى الضرب والسب والتحرش وهتك العرض.

فالمرأة الفلسطينية تُعتقل، تُضرب، تُجوّع، تُرمّل وتُيتّم…، والأصعب من هذا كله أنها تدفن أطفالها بيديها. وهناك أمهات قضين سنوات طويلة في انتظار طفلٍ، وحين تحقق المُراد قُتل الطفل وقُتل الحلم وقُتل الأمل. فأيّ ألم أكبر من هذا؟

نعم، العدوان الإسرائيلي دمّر كل شرائح المجتمع الغزاوي، لكنّ معاناة النساء هي الأكبر. فالمرأة تدفع الثمن الأبهظ، زوجة وابنة وأمًّا وجدّةً.

ومن بين هذه المأساة تروي امرأة قصتها بعد أن انقلبت حياتها رأسًا على عقب بسبب الحرب. وهي أم لطفلين صغيرين، كانت تعيش في غزة قبل أن تجبرها الحرب على العيش في خيمة مشتركة مع 13 فردًا من الأسرة. حيث قالت “لم أشعر طيلة حياتي بأنني أصبحت عجوزًا إلى هذا الحد. كنت أعيش حياة مترفة، ولكن الآن تغير كل شيء في طرفة عين”.

وتروي “أستيقظ كل صباح لإعداد الخبز وإرسال أطفالي للبحث عن الحطب. كما أنتظر في طوابير حاملة العديد من الزجاجات للحصول على الماء، بعد أن فقد زوجي مصدر دخله حيث كان طبيب أسنان، لكنه الآن عاطل عن العمل”.

وتواصل “أغسل الملابس يدويًا، وتؤلمني يداي كثيرًا، خاصة في الشتاء عندما يكون البرد قارسًا، وأبكي كل ليلة متمنية أن ينتهي هذا الكابوس. فنحن نفتقر إلى منتجات النظافة، وأحيانًا أضطر إلى الذهاب إلى مستشفى قريب أو البحث عن منزل أحد الأصدقاء للاستحمام وتحميم أطفالي”.

وعلى الرغم من هذه التحديات الهائلة، تظل قوية وتستمر في الوفاء بمسؤولياتها. وتختتم حديثها قائلة “لن يفهم أحد أبدًا ما يعنيه أن تعيش امرأة في الحرب سوانا. إنها تجربة مؤلمة للغاية. أفتقد حقًا الشعور بأنني امرأة كما كنت من قبل”.

إقرأ أيضا :قناة السويس.. والاستثمار الاستراتيجي

أما عن الحوامل ففي الأشهر الأولى للحرب واجهت 50 ألف امرأة حامل مشاكل مادية وصحية ونفسية قاسية ومؤلمة بسبب الحرب. وتمت 183 ولادة يوميّا دون تخدير ومسكنات بسبب نقص الخدمات الطبية والصحية وغياب الأطباء، وكذلك انعدام الرعاية أثناء الولادة وبعدها لصعوبة الوصول إلى المساعدة. إضافة إلى ذلك حُرمت 45 ألف امرأة من الحصول على الخدمات الإنجابية الأساسية، وولد نحو 5000 طفل في ظروف سيئة للغاية.

كما تم تسجيل حالات إجهاض خطرة على الحياة نتيجة إصابة الأم أو خوفها، وكذلك حالات ولادة مبكرة ومقتل عدد من الأمهات. ووضع عدد كبير من الحوامل أطفالهن في المخيمات وفي أماكن غير مناسبة للولادة، حتى سجلت الشهور الأخيرة تعرض حوالي 40 في المئة من الحوامل للتسمم.

وبحسب إحصاءات رسمية لوزارة الصحة في غزة، ارتفعت معدلات الإجهاض والولادة المبكرة إلى 20 في المئة منذ بداية الحرب. ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن “هناك 840 امرأة في غزة يتعرضن لمضاعفات تتعلق بالحمل أو الولادة”. هذا بجانب القيود المفروضة من الاحتلال على إرسال المساعدات الإنسانية إلى السكان سواء كانت غذائية أو طبية، وهو ما أضر بالنساء وأطفالهن بالدرجة الأولى. ولذلك تواجه الحوامل والمرضعات مخاطر صحية وغذائية عاصفة وسط بكاء الأطفال من الجوع لعدم وجود حليب صناعي يعوضهم عن نقص ألبان الأمهات الجائعات والمريضات، فضلًا عن عدم توافر أماكن الاستحمام والمراحيض ومياه الغسْل والضروريات الأساسية لهذه الحالات الخاصة.

ومع كل هذه التحديات وصعوبات الحياة تظل نساء غزة وسط ظروف قاسية ومريرة، لكنهن مازلن يتشبثن بأمل وقف الحرب وحلول السلام!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى