مخيم طولكرم بين مطرقة الاحتلال وسندان الأوضاع السيئة
في ظل استمرار سياسة الاحتلال ضد أهالي المخيم، إلا أنهم يؤكدون أن كل ما تقوم به قوات الاحتلال لن يؤثر عليهم، فالمهم بالنسبة لأهل المخيم هو حياتهم وأراضيهم
عاش أهالي مخيم طولكرم واقعيا مريرا، فعلى وقع الحرب على غزة، تراجعت الأوضاع الاقتصادية وساهم هذا في أن يعيش مئات الآلاف من الفلسطينين من أهالي المخيم ظروفًا صعبة جدا، باعتباره ثاني أكبر مخيم للاجئين في الضفة الغربية.
ولجأ أهالي طولكرم إلى التعبير عن حاجتهم إلى تحسين أوضاعهم، في وقفة أمام مقر المحافظة، في انتظار تحرك السلطة الفلسطينية لإصلاح البنية التحتية، وحل مشكلة انقطاع المياه والكهرباء داخل المخيم، فهذا المخيم الذي تأسس عام 1950 ضمن حدود بلدية طولكرم على الحافة الغربية للضفة الغربية، احتضن لاجئين ينحدرون من قرى ومدن مثل حيفا ويافا وقيسارية، ووصل عدد الأسر المقيمة فيه إلى ما يزيد عن 100 أسرة وعائلة، إلى أن صار تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية في نوفمبر/تشرين الثاني 1998، واحتضن منذ تأسيسه المناضلين والمقاومين الفلسطينيين كغيره من المخيمات في أنحاء فلسطين التي تختزن إرثا نضاليا طويلا، وقدم مئات الشهداء والأسرى والجرحى، وبدأت شرارة المقاومة تشتعل في طولكرم عقب استشهاد حمزة خريوش وسامر الشافعي في مايو/أيار 2023، إثر هجوم شنّه الاحتلال على مخيمات المدينة، ومنع الاحتلال حينها طواقم الإسعاف من نقل المصابين الذين نزفوا حتى الموت، فخاض مقاومو كتيبة طولكرم اشتباكات عنيفة مع الجيش الإسرائيلي وسببوا له خسائر كبيرة، ومنذ ذلك الوقت صار المخيم إحدى بؤر المقاومة.
واقتحم الاحتلال المخيم أكثر من مرة، حولت فيها القوات المخيم إلى “كومة دمار ومكان للتنكيل بالجثامين”، وشهد كثيرا من القصف والتدمير المتعمد، وتدمير البنى التحتية، ودخل في اشتباكات عنيفة مع عناصر للمقاومة الإسلامية، وقتل عددا من الفلسطينيين، وجرف كثيرا من المنازل وهدمها كليا أو جزئيا.
وقديما، كان لطولكرم أهمية تجارية وعسكرية وأثر كبير في نمو المدينة، فقد كانت ملتقى للطرق والقوافل التجارية وممرا للغزوات الحربية بين مصر والشام، لكن أصر الاحتلال على تدمير ذلك بسياساته التضييقية التي مازالت مستمرة حتى الآن، كما كان سكان المخيم يقومون بعدد من الأنشطة الاقتصادية، فاشتغل نحو 36.8% منهم بالزراعة، وخاصة زراعة الأشجار المثمرة ومحاصيل الحقول، كما زرعوا الحبوب والزيتون التي تتركز شمال المدينة وكذلك البطيخ، هذا بخلاف مصانع إنتاج الأقمشة، والصناعات الحرفية والغذائية، إلا أن كل هذا ذهب مع رياح التضييق الإسرائيلي.
وعلى الرغم من تقديم المخيم، مئات الشهداء والأسرى والجرحى، إلا أنه مازال ينزف اقتصاديا، في ظل استمرار سياسة الاحتلال لإفراغ المخيم من الفلسطينين، واعتقال الشباب وإزالة الحواجز والمتاريس التي وضعها المقاومون عند مداخل المخيمات، والدخول في اشتباكات على حدود المخيم بشكل شبه يومي، وما زاد الطين بلة هو قيام الاحتلال بتدمير البنية التحتية لطولكرم وتجريف الحارات والشوارع، هذا إضافة إلى ممارسة سياسية التعطيش، والتسبب في ضرر واضح ومتعمد لأهل المخيم، فالجيش الإسرائيلي في كل مرة يدمر خطوط المياه الرئيسية والفرعية، التي تغذي منازل المواطنين، ويدمرون الشبكات الكبيرة التي تنقل الماء من الآبار الكبيرة إلى حارات المخيم، وأيضا منع دخول البضائع إلى داخل المخيم ما تسبب في تخريب الاقتصاد، بعد أن تراجعت حركة البيع والشراء وتعطلت حركة التجارة، ومعه زادت معاناة الأهالي من الوصول إلى السلع الأساسية التي تعينهم على البقاء على قيد الحياة، وإحداث كارثة إنسانية تتوسع كل يوم، بهدف الضغط عليهم وإجبارهم على ترك المخيم.
وفي ظل استمرار سياسة الاحتلال ضد أهالي المخيم، إلا أنهم يؤكدون أن كل ما تقوم به قوات الاحتلال لن يؤثر عليهم، فالمهم بالنسبة لأهل المخيم هو حياتهم وأراضيهم، وأن كل هذا الخراب يمكن تعويضه، وهدفه ترحيلهم من أراضيهم، لكنهم سيصمدون.
إقرأ أيضا:نزيف الاقتصاد الفلسطيني يستمر.. تراجع في إيرادات التجارة والأسواق تتهاوى
وكانت قوات الاحتلال قد دمرت عددًا من منازل الفلسطينيين، وتسببت في احتراقها بالكامل وتدمير بعضها، وتشريد سكانها، وحاصرت المستشفيات ومراكز الأسعاف، كما أغلقت الطرق المؤدية للمخيم في المدينة، بالسواتر الترابية، كما تقطع عنه الكهرباء وتضرب المحولات المغذية له، وسط سماع أصوات انفجارات داخل المخيم، هذا غير اقتحام عدد كبير من آليات الاحتلال وجرافاته الثقيلة المدينة وقطع المياه وتدمير شبكات الصرف الصحي، وسط تحليق مكثف لطيران الاستطلاع على ارتفاع منخفض، ودمرت البنية التحتية تماما، وشوشت على شبكات الإنترنت لتواصل تطبيق مسلسل التضييق بحذافيره، فكل يوم تعيش أسر مخيم طولكرم واقعًا مريرًا، ولكنهم صامدون، وكل مطالبهم هي حياة كريمة لهم ولأولادهم.. فمن ينقذ أهالي طولكرم؟