انتهت سنة 2024 بسقوط نظام الأسد و معه حاجز فرع فلسطين الذي رسم صورة الرعب على مشارف مدخل مخيم اليرموك لسنوات، ودشن الفلسطينيون في سوريا سنة 2025 بعودتهم الى منازلهم التي تركوها مجبرين لكن فرحتهم إمتزجت بمشاعر الحزن لما تعنيه مشاهد الدمار التي تملأ شوارع المخيم من تحديات لإعادة نبض الحياة فيه وما تستدعيه من تمويل يتجاوز إمكانياتهم الفردية بأضعاف، ويتخطى أولويات الدولة السورية الجديدة خاصة في ظل سوء الأوضاع الإقتصادية لبلد عانى ويلات الحرب وتبعاتها الإقتصادية لأزيد من عقد.
فرض انتقال الثورة السورية ضد نظام الأسد من المظاهرات السلمية الى الصراع المسلح واقعا صعبا على مئات الآلاف من سكان المخيم بعد أن وجدو انفسهم وسط معارك عنيفة يتداول أقطابها الثلاثة من قوات نظامية وفصائل معارضة وتنظيم الدولة الاسلامية ” داعش ” على تدمير مقومات الحياة فيه وإجبار الفلسطييين أسوة بالسوريين من قاطنيه على إخلاءه، وبالفعل أدى القتال المتواصل والحصار المطول الى نزوح مئات الآلاف من سكان المخيم الى ترك منازلهم منتقلين الى مخيمات لجوء أخرى داخل وخارج سوريا.
الى جانب النزوح القسري تعرض فلسطينيون كثر للاعتقال التعسفي والتعذيب الوحشي والتصفية داخل سجون النظام، ولا تزال مجزرة شارع علي الوحش في الخامس من يناير/كانون الثاني 2014 شاهدة على أفضع الجرائم التي إرتكبتها كتائب “أبو الفضل العباس” الموالية لنظام الأسد عندما تم تصفية 1500 شخص ممن عبرو الممر الذي كان يفترض به أن يكون آمنا لخروج المدنيين المحاصرين في المخيم.
إقرأ أيضا : إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع
سقوط نظام الأسد يشكل علامة فارقة بالنسبة لمستقبل السوريين خاصة مع وجود مؤشرات إيجابية أبرزها الإنفتاح الغربي والعربي على وجه السلطة الانتقالية الجديدة وهو ما من شانه أن يحسن آداء الإقتصاد الأمر الذي يعود بالنفع على الناس لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن يتم إسقاط هذا الأمر على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إذ تقع تقليديًا ضمن مسؤولية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) المسؤولة عن توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الإنسانية وفي الوقت الذي تواجه فيه الوكالة تحديات وجودية مع تضائل إمكانياتها فإنها هذا الوضع الفلسطينيين ينعكس بالتأكيد على واقع الفلسطينيين في مخيمات اللجوء.
بين الإثني عشر مخيما للاجئين الفلسطينيين في سوريا وقع الضرر الأكبر على مخيم اليرموك، باعتبار أنه كان مسرحا لأحداث عنف مسلح وقصف مدفعي من قبل قوات النظام، وبحسب التقديرات الغير رسمية قد يصل مبلغ إعادة إعمار المخيم تكلفة 250 مليون دولار، بما يضمن ترميم المنازل المدمرة والبنية الأساسية للمخيم من شبكة الطرق والكهرباء وقنوات الصرف الصحي والسؤال هنا : اذا كانت المدارس والمستشفيات المتبقية التي تقع على عاتق وكالة أونروا بالكاد تعمل على تقديم خدماتها جراء نقص التمويل الذي تعاني منه ميزانية الوكالة، فكيف لنا أن نتوقع منها دورا أوسع في عملية إعادة الإعمار ؟ وإذا كانت الوفود الغربية والعربية التي توافدت على دمشق لمقابلة قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع قد إكتفت بمناقشة الملف السوري ومستقبل العملية السياسية بعد سقوط الأسد متجاهلة الحديث في معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء السورية و الوقوف على حقيقة الأوضاع في تلك المخيمات، فكيف يمكننا الوثوق في مصداقية خطاباتهم عن دعم الفلسطينيين بعيدا عن قضية حرب غزة ؟
مع تصاعد الجهود الدولية والمحلية لإعادة إعمار سوريا بعد سنوات من الحرب المدمرة، لا بد أن تكون قضية إعمار مخيم اليرموك على رأس أولويات الحكومة الجديدة في سوريا، ليس فقط باعتباره رمزًا للوجود الفلسطيني في الشتات، بل لأنه ساهم أيضا في كتابة فصل من الفصول الأليمة لتاريخ الثورة السورية، عندما إمتزجت فيه الدماء الفلسطينية بالدماء السورية وتقاسمت العائلات معاناة النزوح والدمار والحصار والتجويع، لدى فإن إهمال وضع المخيم ضمن مخطط إعمار سوريا قد يعد مظلمة في حق الفلسطينيين..
بالنسبة للعديد من سكان اليرموك، فإن هويتهم الفلسطينية هي مصدر فخر واتصال بوطن مبعدين عنه قسرا لكنه يعيش في ذاكرتهم الجماعية على أمل العودة، ومع ذلك فإن عقودًا من الحياة في سوريا قد صنعت رابطًا قويًا مع بلد ساهموا في نسيجه الثقافي والاقتصادي وشاركو في كتابة أسطر من تاريخه لتروي جزءا من معاناتهم ما بين الإنفصال عن الوطن الأم والعيش في وطن فرو لاجئين له فسقطو في فخ بطش الطغات .