تُعيد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول غزة طرح العديد من الأسئلة حول مستقبل القطاع والقضية الفلسطينية برمتها، خاصة عقب حديثه عن “السلطة الأميركية” للسيطرة على غزة، إلى جانب طرحه فكرة تخصيص أراضٍ للفلسطينيين في الأردن ومصر، ليس سوى إعادة إنتاج لنهج استعماري قديم، يقوم على فرض الهيمنة بالقوة، متجاهلًا بشكل مطلق الحقوق الفلسطينية المشروعة.
ما يطرحه ترامب ليس مجرد رأي سياسي، بل هو جزء من رؤية أوسع تتبناها القوى الكبرى، تقوم على التعامل مع الفلسطينيين كملف أمني، وليس كشعب له حق تقرير المصير، وهذه الطروحات تعكس بوضوح العقلية التي لطالما حكمت السياسات الغربية تجاه القضية الفلسطينية حيث لا حديث عن الحقوق، ولا اعتراف بالوجود الفلسطيني إلا من زاوية أمنية ومصلحية بحتة.
في المقابل، وعلى الرغم من خطورة هذه الطروحات، فإن المشهد الفلسطيني لا يبدو على مستوى التحديات، الفصائل الفلسطينية بدورها بدلًا من تقديم استراتيجية وطنية موحدة لمواجهة هذه المخاطر، لا تزال غارقة في خلافاتها الداخلية، وعاجزة عن صياغة موقف موحد قادر على فرض نفسه على الساحة السياسية.
ولقد أظهرت الحرب على غزة حجم الكارثة التي تواجه الفلسطينيين، ولكن رد الفصائل لا يزال بعيدًا عن مستوى التحدي، حيث حالة الانقسام وانعدام الرؤية الاستراتيجية والرهانات الخاطئة جعلت الفلسطينيين أكثر عرضة لمثل هذه المشاريع التي تهدف إلى تصفية قضيتهم، فلا السلطة الفلسطينية تملك رؤية سياسية أو قدرة على التحرك، ولا الفصائل الأخرى استطاعت تقديم بديل حقيقي يخرج غزة من هذا المأزق.
اقرأ أيضا.. غزة لن تكون صفقة عقارية ولا «ريفييرا» أميركية
على الأرض، تواصل غزة دفع الثمن الأكبر، حركة حmا//س التي تحملت مسؤولية إدارة القطاع، تواجه أزمة غير مسبوقة بعد رفضها تسليم الأسرى في ظل تعثر المفاوضات مع إسرائيل، قد يبدو هذا الموقف مبررًا في سياق الصراع، لكنه في ظل المعادلة الحالية، يُحمل غزة وحدها التبعات الكارثية، ويجعل المدنيين في مواجهة مباشرة مع آلة الحرب الإسرائيلية دون أي أفق للحل.
أما السلطة الفلسطينية، فقد اختارت مسار الشجب والاستنكار وإصدار البيانات التي لا تقدم ولا تؤخر، هذا الجمود السياسي يترك فراغًا تستغله القوى الكبرى وإسرائيل لفرض مشاريعها على الأرض، وسط غياب أي مبادرة فلسطينية حقيقية لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية.
ففي ظل هذا المشهد، تبدو الفرصة سانحة أمام الاحتلال والقوى الكبرى لفرض رؤيتها، مستغلين العجز الفلسطيني، لكن الرهان على الزمن أو على متغيرات خارجية دون وجود تحرك فلسطيني حقيقي هو رهان خاسر، فالرد على تصريحات ترامب وأي مشاريع مشابهة لا يكون فقط عبر بيانات الرفض والاستنكار، بل من خلال بناء موقف وطني موحد يعيد رسم المعادلة السياسية.
ولا يمكن مواجهة هذه التحديات إلا عبر إنهاء الانقسام، وصياغة استراتيجية فلسطينية تضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الحزبية، فغزة اليوم ليست مجرد ساحة معركة، بل هي اختبار لقدرة الفلسطينيين على الصمود والمقاومة السياسية، قبل أن تصبح ضحية أخرى لمشاريع التصفية والتهجير القسري.