لم يتوقف الغرب عن مواجهة روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي بعدما كان يسيطر الاتحاد السوفيتي على بحر البلطيق بجانب فلندا والسويد المحايدتين، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبح بحر البلطيق بحيرة الناتو بعدما كانت بحيرة للاتحاد السوفيتي، إذ لم تعد سوى نقطتان لروسيا هما سانت بطرسبرغ وكالينغراد، بينما يهيمن الناتو على بحيرة البلطيق الذي تحول إلى نزاع ساخن في أعالي المياه الباردة، خصوصا بعدما انضمت فلندا والسويد إلى الناتو وأصبح عدد دول الناتو 32 دولة.
وأصبحت كل الدول الواقعة على بحر البلطيق عدا روسيا أعضاء في الناتو، حتى أصبح الأسطول الروسي قد يعجز في الوصول إلى بحر البلطيق في حالة الحرب، خصوصا وأن الناتو يهيمن على جزيرة بورتلاند التي تعتبر كحاملة طائرات غير قابلة للغرق.
فهل يستطيع بوتين العودة إلى استحضار الماضي في ظل استعراضنا لميزان القوى بين الجانبين: فهناك 13 حاملة مروحيات، فيما روسيا لا تملك أي حاملة، هناك لدى الناتو 135 فرقاطة فيما روسيا لا تملك سوى 11، ولدى الناتو ألفين سفينة عسكرية فيما لدى روسيا 600 سفينة، ورقة روسيا هي فقط انها تمتلك 40 غواصة نووية مسلحة ترسانتها النووية تفوق الجميع ما عدا الولايات المتحدة، وتهدد روسيا أوروبا بضربها بالأسلحة النووية في غضون دقائق لو أرسل الناتو قوات إلى أوكرانيا عندها لا يوجد أحد منتصر في مثل هذه الحرب، ويجب عدم مقارنة روسيا باليابان في الحرب العالمية الثانية باعتبارها جزيرة وكانت لا تملك سلاحا نوويا في ذلك الوقت ترد على الضربة النووية.
حرب روسيا في أوكرانيا في 24/2/2022 كان أكبر غزو عسكري في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سماها بوتين عملية عسكرية خاصة وليست حرب شاملة بهدف نزع السلاح واجتثاث النازية من أوكرانيا، وتحدث عن منع الناتو من الحصول على موطئ قدم في أوكرانيا باعتبار أنه بمثابة تهديد لمستقبل روسيا التاريخي كأمة، ويريد ان تبقى أوكرانيا محايدة، وحقق بوتين إنشاء جسر بين شبه جزيرة القرم وروسيا، ولم يعد يعتمد على جسر مضيق كيرتش، واعتبر بحر أزوف بحرا روسيا داخليا اعتبر بوتين حتى القيصر الروسي بطرس الأكبر لم ينجح في تحقيق ذلك، كل ذلك تعويضا عما خسرته روسيا جيوستراتيجيا في بحر البلطيق.
البعض يشبه بوتين بهتلر الذي تسبب في حرب عالمية ثانية عندما احتل 11 دولة ما بين احتلال جزئي واحتلال كامل، بدأ بغزو بولندا في 1 سبتمبر 1939 غير من خريطة القوى العالمية، طبعا راهن هتلر على دول أوروبا الغير قادرة على مواجهته، لكنه لم يحسب حساب روسيا الضخمة والكبيرة والقادرة على استدراجه في أراضيها الواسعة والباردة، وبالفعل استدرجت روسيا الجيش الألماني في فصل الشتاء كان أحد أهم أسباب هزيمة هتلر، ولم يهتم كثيرا ببريطانيا الجزيرة المنعزلة عن أوروبا، لكنه لم يحسب حساب الولايات المتحدة القوة الضخمة القادمة، كما أنه لم يدرك أن الافراط في القوة قد تكون ضعف.
كانت تلك أكثر الأخطاء القاتلة للزعيم النازي وهذا الذي وقعت فيه إيران، وكثر أعداؤها ما جعل السعودية تلعب على هذا الجانب بعدما تبجحت إيران في أنها سيطرت على أربعة عواصم، والآن تبنت قرار حرب طوفان الأقصى، ودعم الحوثي، جعل إيران تدخل في مواجهة مع العالم جعلها تواجه قوى لا قوة لها بمواجهتها، لكن عندما وجدت نفسها مسجونة إثر العقوبات المتشددة المفروضة عليها استخدمت المظلومية للخروج من هذا السجن الذي فرضته على نفسها نتيجة استخدام القوة المفرطة وهي ليست قوتها الذاتية بل قوة طفيلية بعدما قدمت خدماتها لأمريكا في حربها في أفغانستان والعراق فغضت أمريكا الطرف عن تمددها في المنطقة ولن يكون هذا التمدد فقط يهدد الأمن العربي بل أيضا الإسرائيلي، فستخدم المظلومية للخروج من هذا المأزق على غرار ضرب إسرائيل سفارة طهران في دمشق.
لكن إسرائيل قتلت من خطط لطوفان الأقصى في هذه الغارة فهي تعتبر مظلومية قاصرة لأن العالم يعتبر ما قمت به إسرائيل دفاعا عن نفسها رغم ذلك نددت السعودية باستهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، رغم أن التمدد الإيراني يهدد الأمن العربي لكن دخولها في مواجهة مع العالم يخدم السعودية دون أي مواجهة، لكن تشبيه بوتين بهتلر مجافي للحقيقة لأنه يدرك أن أوروبا غير قادرة على مواجهته فقط الولايات المتحدة القادرة على مواجهته لأن قوته لا تضاهي قوة الولايات المتحدة، يجعله يلجأ نحو التهديد بالردع النووي إذا قدم الدعم النوعي الأوروبي الأمريكي لأوكرانيا.
هناك مؤتمر سلام بين روسيا وأوكرانيا يعقد في سويسرا يومي 15 و 16 يونيو 2024 يستهدف توفير منصة للحوار حول سبل تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا وستقوم المباحثات على أساس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ستدعى إليه أكثر من مائة دولة، وتسعى إلى جذب الصين، في المقابل أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا منفتحة على المفاوضات بشأن أوكرانيا.
يأتي هذا المؤتمر بعد تزايد مخاوف أوروبية بأنهم لا يرون أي أمل في نهاية سريعة وسلمية للحرب الروسية ضد أوكرانيا وعلى رأس هذه الدول ألمانيا وبولندا خصوصا وأنهم يرون أن الاقتصاد الروسي يتجه نحو اقتصاد الحرب وتزيد إنتاج الأسلحة بشكل كبير، ويرفض البعض تجميد الحرب، وأنه مقترح لا يلقى قبولا في الدول المهددة من قبل بوتين مثل دول البلطيق.
وحذر الرئيس الألماني السابق يواخي مغوك من الإفراط من الخوف عند التعامل مع روسيا حتى لا يستغل بوتين هذا الخوف، وقال لا يمكن رؤية أي حلول ممكنة في حال التقيد بسبب الخوف وطالب المستشار الألماني شولتس النظر في رفضه تسليم صواريخ تاوروس الجوالة إلى أوكرانيا، وإذا خسرت أوكرانيا لن يشعر أحد في أوروبا بالأمان، فهل شعر الأوربيون بما تقوم به إسرائيل بإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وان قضيتهم أيضا قضية عادلة، فكما هم يبحثون عن حلول سلمية في أوكرانيا فكذلك لابد أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم في دولة فلسطينية برعاية سعودية أمريكية وبدعم دولي وبشكل خاص أوروبي.