لطالما ربطنا بين الكالسيوم والعظام، فيتامين “C” ونضارة البشرة، أوميغا 3 والدماغ، والكثير من الفيتامينات التي نربطها -بديهيا- بأهمية ما، الأمر أشبه بمخطط شفاف في ذهن كل منا. يعي الغالبية أن النظام الغذائي الروتيني ينقصه الكثير من العناصر المفيدة، والتي بالتالي ستنقص في الجسم مما يُعرقل بعض الوظائف الحيوية. لهذا يظن البعض أنه من الضروري اللجوء إلى المكملات الغذائية. ولكن لكل منتج صناعي إيجابياته وسلبياته، فمتى تكون هذه المُكملات قيمة مُفيدة مُضافة للجسم ومتى تكون مُنتجا سلبيا ضارا يجب الاستغناء عنه؟
في عام 2011 قام الباحثون بدراسة كان مفادها أن النساء اللواتي أخذن الفيتامينات المُكملة (المكملات الغذائية) يتوفون بنسبة أعلى من أولئك اللواتي لم يستخدمنها، كما وجد الباحثون من كليفلاند كلينيك (Cleveland Clinic) أن الرجال الذين اعتمدوا أخذ فيتامين “E” كانوا أكثر عرضة للإصابة بسرطان البروستاتا.
الكثير من الدراسات أُجريت على مر السنوات للكشف عن الجوانب السلبية والإيجابية للمكملات الغذائية، وكانت هذه القضية تشغل حيزا من جهد العُلماء الذين تخصص البعض منهم في دراسة فيتامين “C” مثل لينوس باولينغ الذي حاز على عدة جوائز في عام 1931 بعد ورقة بحث قدمها تدعم ما كان يُروج له من فوائد عظيمة وشفاء لعدة أمراض بالاعتماد على فيتامين “C” والذي أثبت العلماء من بعده أن كل ما كان يُروج له كان خاطئا.
قام المعهد الوطني الأميركي بالتعاون مع المعهد الوطني الفنلندي للصحة العامة بدراسة في عام 1994 أُجريت على 29 ألف شخص مُدخن، جميعهم تجاوزوا الخمسين من العمر. اختيرت هذه الفئة لأنها كانت الأكثر عرضة للإصابة بالسرطانات، وقُسموا إلى مجموعات أعطيت كل مجموعة فيتامينات تختلف عن الأخرى، بالإضافة إلى مجموعة لم تُعطَ أي شيء. كانت النتيجة واضحة كالتالي: جميع الذين أعطوا الفيتامينات والمكملات الغذائية كانوا أكثر عرضة للموت بسرطان الرئة على عكس أولئك الذين لم يُعطَ لهم أي مكمل إضافي. كانت هذه النتيجة -بالطبع- عكس توقعات العلماء. [1]
وفي عام 2004 قام فريق من جامعة كوبنهاجن بمراجعة أربع عشرة تجربة شملت أكثر من 170 ألف شخص أخذوا فيتامينات مختلفة بين “A, C, E” وبيتا كاروتين لملاحظة الفروق التي قد تسببها مضادات الأكسدة في الوقاية من سرطانات الأمعاء. إلا أن النتائج كانت واضحة مرة أخرى: إجمالي الوفيات أعلى بنسبة 6% للذين أخذوا المكملات الغذائية وكانوا أكثر عرضة للإصابة بسرطانات الأمعاء وأمراض القلب من أولئك الذين لم يأخذوا المكملات.
تستمر رحلة الأبحاث والدراسات التي تُحاول أن تُمسك الخيوط العريضة التي ترسم الدواعي وتجعل من أخذ المكملات ضرورة للتعافي أو الوقاية، لتأتي دراسة في عام 2011 أُجريت على عدد من النساء اللواتي أخذن الزنك، الحديد، والمغنيسيوم، وكانت النتيجة أنهم توفوا بمعدلات أعلى من غيرهم من النساء اللواتي لم يعتمدن على المكملات الغذائية في نظامهن. وجاء تعليق الباحثين القائمين على هذه الدراسة: “استنادا إلى كل الأدلة الموجودة فنحن لا نرى أي مبرر يدفع الأشخاص للاستخدام العام للمكملات الغذائية”. [2]
كما نشرت المحطة الإخبارية الأميركية “سي بي إس نيوز” (CBS News) قصة شاب يبلغ من العمر 18 عاما كان ضحية جرعة زائدة من بودرة الكافيين التي قام بشرائها من موقع إلكتروني والتي يزعم مروجوها أنها عامل سريع لإنقاص الوزن. طرحت المذيعة سؤالا على ضيفتها: ما أكثر معلومة خاطئة نعرفها عن المكملات الغذائية؟ فأجابتها: “أنها آمنة! لأنها ليست كذلك، فالعقاقير والأدوية الطبية تخضع لاختبار المعايير والمقاييس الصحية بعكس المكملات الغذائية التي لا تخضع لهذا الاختبار”. [3]
وعلّق الدكتور ريتشارد بينسر في البرنامج الإخباري على قناة “أيه بي سي” (abc)، الذي عرض حالة امرأة أخذت الكالسيوم كمُكمل ومُقوٍّ للعظام إلا أن ذلك أدى إلى إصابتها بأمراض القلب وحصوات الكلى، فقال: “لا ضرورة لاستخدامك المُكملات الغذائية إذا لم يُخبرك طبيبك بحاجتك إلى استخدامها، فالأعراض الجانبية للمُكملات الغذائية حقيقية وصعبة، ولا يجب الاستهانة بها”.
الفيتامين أساسا هو جزيء من أجسامنا ويحتاج -على الدوام- إلى مُساعدتنا لإتمام وظيفته. فيتامين “C” مثلا، فعّال جدا باتخاذه من مصادره الطبيعية بعكس جودة أدائه كأقراص، بل يرى بعض العلماء أن بعض الفيتامينات لا تعمل بالكفاءة المرجوة إلا لو صاحبت مصدرها الرئيسي، كأن تعتمد جرعة معينة من فيتامين “C” بينما تأكل حصة من البرتقال!
بالنسبة للبروتين وبعض المكملات الأخرى التي يعتمدها الرياضيون، فإن قطاع البروتين يُقدر بالمليارات. هناك فكرة سائدة تقول بأن البروتين يبني ويُرمم العضل، فهل هذا ما يراه الباحثون؟ في وثائقي نشرته قناة “بي بي سي” (BBC) البريطانية طُرحت هذه القضية للبحث والتقصي. قام الفريق بعدة مقابلات مع مرتادي النوادي الرياضية الذين يعتمدون في روتين يومهم على أخذ حصة لا تقل عن 100 جرام من البروتين، ولم يعرف أحدهم لِمَ يأخذ هذه الحصة تحديدا، بل وأجاب: “هذه الحصة التي يأخذها أصدقائي”. أو رُبما السبب الذي يدفع البعض لأخذ البروتين هذا دون غيره من البروتينات هو أن أحد المشاهير روّج له بطريقة ما. يُعلق البروفيسور غرايام كلوز على هذه الجزئية بأن اتباع تمارين معينة والتي تصاحب نظاما غذائيا معينا مفيدة أكثر من أن تعتمد على حصتين من البروتين يوميا بجدول تمارين ضعيف أو نظام غذائي غير صحي، ويقول: “إن تصديق هذه الكذبة أمر سيقتلك”.
تقول إحداهن إن ترويج بعض المشاهير لأنواع من البروتينات أو المكملات الغذائية عبر صفحاتهم الشخصية على إنستغرام أو فيسبوك والتي تكون منتهية برابط لشراء هذا المكملات مع خصم، هو أمر يُغري الكثير ويدفعهم لشرائه أو على الأقل تجربته!
جميع المنتجات التي تندرج تحت قائمة المُكملات الغذائية تحتوي على وصفة أو إرشادات تُلصق على العلبة، تحتوي هذه الملصقات على محتويات المُكمل نفسه، وعلى نِسَب كل العناصر في كل كبسولة. من الآمن ملاحظة هذه الإرشادات وقياسها مع احتياجات جسمك، ولا شك أنه من الضروري استشارة طبيبك أو المُشرف على حالتك المرضية -إن كُنت تعاني مرضا ما- لأخذ الحيطة أكثر، بعض المنتجات تنصحك بأخذها مرتين في اليوم وبعضها ثلاث مرات وبعضها أكثر، فمن الضروري مناقشة هذا الأمر مع مختص ينصحك بعدد المرات الذي لن يؤذيك لو اعتمدته في روتينك اليومي. [5]
كما أنه من الضروري عدم تشخيص نفسك بنفسك واللجوء إلى المُكملات كعلاج مرض شخّصته بنفسك، فنرى هذه الحالة لدى السيدات اللواتي يعانين من تساقط الشعر أو ضعف بنيته، فيلجأن إلى المكملات التي تحتوي على نسبة من البيوتين الضروري للشعر، ولكن تحتوي المكملات أيضا على نسب أخرى من المعادن التي قد تؤدي زيادتها إلى الإصابة بالأمراض المختلفة. وامتدادا من هذه النقطة؛ فمن الضروري أيضا عدم إشراك المكمل مع دواء رئيسي تأخذه دون استشارة طبيبك. [6]
يُقدم الأطباء والفيزيائيون نصيحة عامة وبسيطة، إن هذه المُكملات ليست بديلا عن نظام غذائي مُتكامل يحتوي على كافة العناصر التي يحتاج إليها الجسم من مصدر طبيعي. على الجانب الآخر، إن كُنت تعاني من مشكلة غذائية أو وراثية أو مرض مُعين فإن هذه المكملات قد تكون حلا مثاليا لمثل هذه الحالات بإشراف طبيب يُحدد جرعتك من العناصر التي لن تكون حملا زائدا على جسمك! ولا يجب اتخاذ هذه المكملات الصناعية على أساس أنها علاجية قد تعالج أمراضا مُزمنة أو حتى بسيطة -بناء على تشخيصك لنفسك-. فكل ما يدخل الجسم يجب التأكد من أنه نافع بنسبة أكبر من أن يكون ضارا! فلا يجب المغامرة والمجازفة بالصحة؛ لأن نتائج هذه المغامرات أو التهاون في أعراضها الجانبية قد يعود بالأذى الكبير صحيا، وأحيانا الموت.