محددات اليوم التالي لغزة و الوحدة الوطنية الفلسطينية
صيغ المحاصصة، او تقاسم القرار الوطني هي صيغ من شأنها ابقاء قطاع غزة يعيش حالة الموت والدمار، وان تواصل الضفة العيش في حالة الاقتحامات وتدمير البنى التحتية وربما مع الوقت تقطيع اوصالها وضم مساحات واسعة منها، وان ينجح سموتريتش وبن غفير والحكومة الفاشية في تحقيق ما تسعى اليه.
لا يختلف اثنان حول اهمية الوحدة الوطنية بإطارها العام، ولكن اي وحدة يجب الا تعني وجود رأسين للشعب الفلسطيني او اكثر، ولا سلطتين، ولا تعني ان يتواصل الانقسام بشكل مبطن، او تقاسم السلطة تحت أي مبرر، وصيغة أي ثنائية، او مركزين للقرار تقود للفوضى.
في الوحدة الوطنية، هناك شيء، وحيد مقبول هو التداول السلمي للقيادة عبر عملية ديمقراطية، سواء عبر آلية الانتخابات العامة، او عبر مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، المجلس الوطني والمجلس المركزي.
ربما اصبح مطلوبا من الطبقة السياسية الفلسطينية ان تنتقل من المفاهيم التي تتعايش مع تعدد مراكز القرار، او ان تكون هناك قيادة جماعية تصبح غطاء لغياب جهة واحدة مسؤولة عن القرار وتتم محاسبتها، وكل ما قيل عن قيادة جماعية في التاريخ كانت تجارب فاشلة، لا مجال لإعطاء امثلة.
الصيغة الوحيدة المقبولة هي ما يحددها القانون الأساسي والنظام الأساسي لمنظمة التحرير حتى يتم الاتفاق على دستور فلسطيني ينظم كل شيء. الوحدة الوطنية بهذا المعنى يجب ان تستند الى احترام مبدأ سيادة القانون وليس تعميعه في صيغ ثبت تاريخيا انها وصفة للفوصى وعدم بناء دولة المؤسسات.
بالنسبة لليوم التالي، ليس فقط بما يتعلق بقطاع غزة، وإنما بالواقع الفلسطيني بشكل عام، هناك إدراك ان اليوم التالي هو بمثابة مرحلة انتقالية، والحديث يدور عن مدتها قد تطول إلى عامين او ثلاث، بعدها تجري انتخابات عامة تنبثق عنها قيادة جديدة ينتخبها الشعب.
إذًا لنتفق ان الحديث يدور حول مرحلة انتقالية، يجب ان يكون فيها سلطة واحدة ومركز قرار واحد، ويمكن المشاركة في القرار في هذه المرحلة عبر المجلس المركزي لمنظمة التحرير، والذي يمكن ان تنضم اليه كافة الفصائل بما فيها حماس، هذا المجلس يراقب ويقر الميزانية ويسائل ويصادق على المراسيم. أي صيغة أخرى هي وصفة للاستمرار بالانقسام.
المسألة الاخرى هي الحكومة، الذي يراقبها المجلس المركزي يمكن ان تشمل تمثيلا غير مباشر للقوى السياسية، ولكن هذا يأتي في مرحلة لاحقة بعد ان ننجح في السيطرة على قطاع غزة. المهم ان نفكر بطريقة عملية تسهم في إعادة السيطرة على قطاع غزة وإعادة بنائه وعجلة الحياة الاقتصادية والتعليمية والصحية، وإعادة بناء المؤسسات، ويشعر الغزيون بالثقة، ان القطاع سيعود كمنطقة قابلة للحياة.
إقرأ أيضا : خطاب «حميدتي» في ميزان التحليل السياسي
في المحادثات التي تجري في القاهرة على حماس قبل غيرها ان تكون حريصة وتصر ان تمسك السلطة الوطنية الفلسطينية بالاوضاع في قطاع غزة، بالرغم من الرفض الإسرائيلي، والا تستغل هذا الرفض لمواصلة الانقسام وفصل القطاع. السلطة ليست حكرا على اي فصيل وهي في نهاية المطاف تخضع للانتخابات ومن يفوز يمسك بالسلطة حتى إجراء الانتخابات مرة أخرى، اي محاولة لمنع ان يكون هناك سلطة واحدة وقرار واحد لا تخدم سوى ما تخطط له إسرائيل.
ومن الضروري التمييز بين اليوم التالي في قطاع غزة، والحديث عن تعزيز الوحدة الوطنية، والمساران قد يسيران معا بشكل متواز، ولكن المهم ان نعمل على استعادة القطاع عبر ما يسمح به المجتمع الدولي ومن نتوقع منهم ان يدعموا استعادة السيادة الفلسطينية على القطاع، ومن يمكن ان يسهم في إعادة البناء من أشقاء عرب ومن الدول الصديقة، ومشاريع الأمم المتحدة. اما محادثات الوحدة الوطنية فهي تتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير والنظام السياسي الفلسطيني، والتحضير للانتخابات.
هناك حاجة كي تدرك حماس ان الواقع تغير، ولا نعني هنا بمنطق الهزيمة والنصر، وإنما واقع يسهل إعادة بناء القطاع وسحب كل الذرائع من إسرائيل وغيرها لإبقاء جيش الاحتلال في غزة ومواصلة فصله عن الضفة وتعطيل استقلال الدولة الفلسطينية.
صيغ المحاصصة، او تقاسم القرار الوطني هي صيغ من شأنها ابقاء قطاع غزة يعيش حالة الموت والدمار، وان تواصل الضفة العيش في حالة الاقتحامات وتدمير البنى التحتية وربما مع الوقت تقطيع اوصالها وضم مساحات واسعة منها، وان ينجح سموتريتش وبن غفير والحكومة الفاشية في تحقيق ما تسعى اليه.
من دون شك، بل بالضرورة ان لا يخطر لاحد، ان الأولوية تبقى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وان كل ما نتحدث عنه بهدف توحيد الجهد الوطني بشكل صحيح وفاعل وتوجيهه نحو الاحتلال الإسرائيلي، ولكن اي مواجهة حقيقية وفاعلة اذا لم تكن مبنية على اسس صحيحة وليس عبر مواصلة حالة الانقسام بأشكال وصيغ عدة ستكون انخراطا في المخطط الإسرائيلي.