أمريكا

محاكمة ترمب.. دقت ساعة الحقيقة

كانت هذه القضية القذرة الحقيرة مهينة لرئيس سابق، بدا عليه كبر السن بوضوح عندما غلبه النعاس مرات عدة في المحكمة. كما كشفت المحاكمة جوانب غير مشرفة في حياته وأسلوب عمله البشع.

الأسبوع المقبل يحتمل أن يلعب 12 شخصاً من سكان نيويورك دوراً محورياً في تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني). فقد التزم هؤلاء طوال أسابيع مقاعدهم في الصف الأول في المهزلة الاستعراضية التي شهدتها المدينة: محاكمة دونالد ترمب بقضية أموال شراء الصمت.

على مدى أسابيع طوال وجدوا أنفسهم عالقين خلالها داخل عوالم متصادمة بطلها زير نساء حيناً، وقطب في سوق العقارات أحياناً – دون أن ننسى طبعاً – رئيس جمهورية خدم مرة واحدة لولاية واحدة. انقضت الجلسات بين تفاصيل مباريات الغولف اللامتناهية، وضرب المؤخرات بالمجلات الملفوفة، والعلاقة الجنسية العابرة لليلة واحدة (التي نفى ترمب حدوثها) مع ستورمي دانيالز، والمصلحين وحتى الأصدقاء أحياناً الذين كانت مهمتهم التخلص من كل المشكلات والأخطاء. لم تكن تلك الجلسات غذاء للروح، وهذا أقل ما يقال فيها.

وشهدت المحاكمة في النهاية دراما عظيمة مع شهادة مايكل كوهين الذي كان محامي ترمب في ما مضى. فالرجل انتقل من موقع الخادم المطيع إلى موقع المهاجم الشرس. تغير الشخص الذي كان ينفذ كل ما يريده ترمب ويحل له مشكلاته إلى العدو اللدود للرئيس السابق، بل إلى شخص استخدم أشد العبارات سوقية لوصف كيف يرغب برؤية مديره السابق خلف القضبان.

لعب الرجل دور الشاهد الملك بالنسبة إلى الادعاء، مع أنه كان شاهداً خطراً. دين كوهين بتهمة الكذب على الكونغرس وقضى حكماً بالسجن بسبب سلوكه – وهو بالتالي شاهد مشكوك بأمانته. ويتعين على الادعاء التعامل معه بحذر. لكن كوهين لم يتهرب من ماضيه، بل اعترف به وأخبر المحكمة بأنه مجرم مدان بسبب كل التصرفات السيئة التي قام بها نيابة عن رئيسه دونالد جاي ترمب.

شن عليه فريق دفاع ترمب هجوماً ضارياً فاتهمه بالسرقة من منظمة ترمب، ليقر كوهين بذلك وهو على المنصة. بعدها أتى شاهد الدفاع، روبرت كوستيلو، وهو أيضاً محام سابق عمل لمصلحة ترمب – ثم قرر الرجل أنه من الفطنة أن يسخر من القاضي، خوان ميرشان. أظهر كوستيلو تبرمه بالمحكمة وحملق بعينيه، وتأفف عندما قبل ميرشان اعتراض الادعاء. ويمكن أن نقول إن ذلك التصرف ولد أشد اللحظات درامية في المحاكمة، فأمر القاضي بإخلاء قاعة المحكمة كي يوبخ كوستيلو ويجعله يفهم بلا أي التباس من هو صاحب السلطة داخل قاعة محكمته.

ماذا سيحصل إذاً، عندما يرسل 12 رجلاً وامرأة شهدوا – أو ربما اضطروا إلى احتمال – هذا الاستعراض، كي يتوصلوا إلى حكم في القضية؟

تحدثت هذا الأسبوع مع شخص ربما يعرف ترمب أفضل من معظم سكان نيويورك. وقال لي إن ترمب شخصية جدلية ينقسم حولها الناس لدرجة أنه لا بد برأيه، أن يكون بين أعضاء لجنة المحلفين شخص واحد في الأقل يكرهه إلى حد يجعله يصوت لمصلحة إدانته بغض النظر عن الأدلة المقدمة للمحكمة. وفي المقابل، لا بد من وجود شخص واحد في الأقل سيصوت لتبرئته، مهما كانت الأدلة.

في حال أصاب في افتراضه، نصبح أمام هيئة محلفين معلقة ويخرج ترمب حراً طليقاً. لو أسلمت الحكم إلى الرجل المبدئي داخلي، سيقول إن القضية ستكون عندها مثالاً كلاسيكياً عن خسارة الجميع: كانت هذه القضية القذرة الحقيرة مهينة لرئيس سابق، بدا عليه كبر السن بوضوح عندما غلبه النعاس مرات عدة في المحكمة. كما كشفت المحاكمة جوانب غير مشرفة في حياته وأسلوب عمله البشع.

وفي ما يتعلق بالادعاء، ستثار التساؤلات حول سبب مقاضاة (لا شك أن ترمب سيقول اضطهاد) المدعي العام آلفين براغ للرئيس السابق بهذه الصورة. هل شكل تزوير سبب دفع 130 ألف دولار لستورمي دانيالز قبل أيام من انتخابات 2016 جرماً خطراً لدرجة تستدعي التعامل معه على أنه جريمة جنائية قد تعاقب بالسجن؟

لكن في القضايا المتعلقة بترمب، لا مجال للترفع والنبل والمبادئ السامية. فبالنسبة إليه، إما كل شيء أو لا شيء. لو انتهت القضية بهيئة محلفين معلقة، فقد فاز. وخسر المدعي العام براغ، بل في الحقيقة، ليس المدعي العام وحده الخاسر، بل النظام القضائي بأكمله خسر – بدءاً من جو بايدن “الأعوج” ووصولاً إلى المدعي العام، مروراً بأروقة وزارة العدل حتى المدعين العامين في مانهاتن والقاضي الذي ترأس القضية. سينقض على منافسيه فيما يردد أتباعه كلماته ويضخمونها. لو خرج ترمب من القضية حراً طليقاً دعوني أتنبأ بشيء واحد: لن يخرج بتواضع ولا لياقة.

وسيعطي ذلك قاعدته الشعبية من مؤيدي تيار “ماغا” سبباً إضافياً لعدم الثقة بالقضاء الأميركي والديمقراطية الأميركية. لو لم تحدث هذه المحاكمة البائسة لأفردت حيزاً أكبر للتحدث عن كل الذين يعرضون أنفسهم بلا أي خفر كي يختارهم ترمب نائباً للرئيس. لتكلمت عن السيناتورات الذين يظهرون على التلفزيون ويرفضون الإجابة عن السؤال البريء ظاهرياً “هل ستتعهد قبول نتائج انتخابات 2024؟”. ولقضيت مزيداً من الوقت على نيكي هايلي التي عذبت ترمب واتهمته بأنه مخادع عندما كانت تنافسه على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، لكنها الآن تقول إنها ستصوت له في نوفمبر.

وربما أيضاً، كنت لأذكر البريد الإلكتروني الذي أرسله ترمب لمؤيديه هذا الأسبوع، زاعماً بأن صياغة مذكرة تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي – العادية جداً برأيي – التي نفذت في 2022 كجزء من التحقيق في الوثائق المصنفة سرية في مارا لاغو، بينت أن الرئيس بايدن أراد من عملاء المكتب المسلحين أن يطلقوا عليه النار.

هذا صحيح. لم يكتف الرجل بالادعاء بأن وزارة العدل تضطهده، فالتجأ الآن إلى الزعم بأن بايدن يريد قتله. كما قلت، أمام المحلفين الـ12، رجالاً ونساءً، قراراً بالغ الأهمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى