مبادرات عربية بشأن غزة
حينما تقول إسرائيل مثلاً أنها تنوى الاستمرار في السيطرة الأمنية على غزة أو اقتطاع جزء من مساحتها لإقامة شريط أمني على حدودها، أو تستمر هناك لمدة ثماني أو عشر سنوات، فإنها تختبر الجميع من أول الفلسطينيين إلى العرب إلى الولايات المتحدة وأوروبا. وبالتالي فمن المهم أن يكون للعرب أو الأطراف الفاعلة مبادرات وأفكار مضادة
إسرائيل تقدم كل فترة أفكاراً ومقترحات بشأن اليوم الثاني في غزة، وكذلك الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية.. فماذا يفترض أن نفعل نحن العرب.. هل نكتفي بالصمت وردّ الفعل، أم أنه من المفترض أن تكون لدينا أفكارنا ومبادرتنا واقتراحاتنا؟
أطرح هذا السؤال لأنني أخشى أن نتحول إلى مجرد ردود فعل لأفكار إسرائيلية أو أميركية أو غربية هي خطرة علينا بالفطرة.
قبل أيام قليلة حضرت سحوراً رمضانياً في مقر سكن السفير الأردني بالقاهرة أمجد العضايلة ضم مجموعة قليلة من السياسيين والمفكرين وشخصية سياسية عربية مرموقة.
الحديث تناول آخر تطورات العدوان وتوقعات كل شخص وإلى أين نحن ذاهبون، لكن أهم ما لفت نظري أن غالبية الحاضرين أكدوا على ضرورة أن تكون هناك أفكار عربية كثيرة بشأن مستقبل القضية الفلسطينية، وليس فقط قضية غزة، حتى لا نترك الساحة فقط للأصوات الإسرائيلية وداعميها في الولايات المتحدة وأوروبا.
معظمنا كعرب يندد بإسرائيل وعدوانها الوحشي، وهو أمر طبيعي لأي مواطن سويّ ينحاز للإنسانية والعدل والحق، لكن يفترض أن هناك من يجب أن ينشغل بعد الشجب والإدانة بتقديم الأفكار والمقترحات.
نعلم أن جزءاً من العقلية الغربية ينشغل طوال الوقت بتقديم الأفكار والمقترحات.
سيقول البعض ولكن إسرائيل تضرب بالسياسة والقانون عرض الحائط، بل وتتجاهل كل القوانين والقرارات الدولية، فما الداعي لتقديم أفكار ومقترحات نعلم تماماً أنها لن تؤدي إلى شيء؟!
الكلام يبدو منطقياً، لكن وبما أن الفلسطينيين أضعف عسكرياً ولا يملكون إلا صدورهم العارية وقوة عسكرية غير نظامية، وطالما أن الدول العربية ليست في وارد الدخول في عمل عسكري ضد إسرائيل، فمن الطبيعي أن تكون التحركات العربية سياسية ودبلوماسية واقتصادية وقانونية وإعلامية.
العالم خصوصاً في الغرب يتعامل مع مثل هذه الصراعات بمن يملك القوة أولاً، ثم من يملك القدرة السياسية والاقتصادية، وهنا من المهم أن يكون للعرب رؤية وأفكار ومبادرات حتى لا نصبح دائماً أسرى للأفكار والتحركات الإسرائيلية والأميركية.
حينما تقول إسرائيل مثلاً أنها تنوى الاستمرار في السيطرة الأمنية على غزة أو اقتطاع جزء من مساحتها لإقامة شريط أمني على حدودها، أو تستمر هناك لمدة ثماني أو عشر سنوات، فإنها تختبر الجميع من أول الفلسطينيين إلى العرب إلى الولايات المتحدة وأوروبا. وبالتالي فمن المهم أن يكون للعرب أو الأطراف الفاعلة مبادرات وأفكار مضادة.
ليس مطلوباً من العرب أن تجد كل أفكارهم ومبادراتهم طريقها للتطبيق، وعلى حد قول أحد الحاضرين في هذا السحور، فإنه لو طرح طرف معين ١٠٠٪ من الأفكار والمبادرات، وحقق منها ٣٠٪ فقط، فهذا شيء طيب وجيد جداً، لأن هناك أطرافاً أخرى تطلق أفكاراً ومبادرات، وبالتالي فأن تجد ٣٠٪ من أفكارك ومقترحاتك مطبقة ويقبل بها بقية أطراف الأزمة، فهذا يعني أنك طرف فاعل، أما أن تجلس صامتاً فلن تملك وقتها إلا الرفض أو القبول الجزئي، وهو ما يعني أن الخصم سوف يحقق جميع أهدافه أو معظمها في حين أنك لن تحقق شيئاً.
هل التفكير السابق واقعي أم خيالي أم ماذا؟
الإجابة مرة أخرى هي أن العرب وطالما أنهم لا يملكون حسم المعركة عسكرياً، وطالما أن هذه هي ظروفهم، وطالما أن الطرف الإسرائيلي مدعوم بأقوى قوة في العالم وبعض الدول الأوروبية فإن على الفلسطينيين والعرب اللجوء لكل الخيارات المتاحة إلى أن يملكوا القوة الشاملة.
وفي هذه الحالة فإن الواقعية تحتم عليهم طرح أفكار وبدائل ومقترحات ومبادرات واقعية إلى حد ما، وأن تكون لديهم علاقات وآليات تمكنهم من ترجمة هذه المبادرات على أرض الواقع. المهم ألا يظلوا أسرى لرد الفعل على مبادرات إسرائيل وأميركا.
السؤال هل آلية السداسية العربية يمكنها أن تلعب دوراً في هذا الصدد؟! الإجابة نتمنى ذلك ونتمنى أن كل الدول العربية القادرة تسعى بكل ما يمكنها من جهد وقدرة على تقديم الأفكار والمبادرات القادرة على التصدي للمراوغات والألاعيب الإسرائيلية المدعومة من قوى كبرى كثيرة.
عملياً الدول العربية بوضعها الراهن ليس لديها موقف موحد، لكن على الأقل هناك قوى عربية فاعلة يمكنها أن تلعب هذا الدور.
ونتذكر أن مصر قدمت قبل أسابيع مبادرة مصرية بشأن مستقبل غزة.. والسؤال أين وصلت هذه المبادرة، وهل يمكن تطويرها والدفع بها مرة أخرى بدعم عربي ودولي؟
عماد الدين حسين