صادق الزعماء العرب على خطة بقيمة 53 مليار دولار لإعادة إعمار غزة التي مزقتها الحرب في قمة طارئة عقدت في القاهرة في الرابع من مارس/آذار. وتنافس هذه الخطة، التي أعدتها مصر وحظيت بدعم فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، فكرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي تقضي بأن “تسيطر الولايات المتحدة على غزة” وتعيد توطين سكانها البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة بشكل دائم.
وتنص خطة إعادة الإعمار المصرية على إعادة بناء غزة على مدى خمس سنوات. وهي مصممة على ثلاث مراحل، تهدف إلى تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار وتطوير المنطقة إلى اقتصاد قادر على الاكتفاء الذاتي. وسوف يظل سكان غزة في وطنهم طيلة هذه الفترة.
وبموجب هذه الخطة، سيتم تهميش حركة حماس الفلسطينية المسلحة. وسيتم استبدال حماس، التي كانت الهيئة الحاكمة بحكم الأمر الواقع في قطاع غزة منذ عام 2007، على الفور بـ “لجنة إدارية” تتألف من تكنوقراطيين مستقلين وشخصيات محلية غير حزبية.
وبحسب المسودة، ستتولى اللجنة إدارة المنطقة لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر. وبعد ذلك، ستستأنف السلطة الفلسطينية، التي تمارس سيطرة جزئية على عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل والتي لا تحظى بشعبية بين الفلسطينيين ، السيطرة الكاملة على الجيب.
ورفض البيت الأبيض ووزارة الخارجية الإسرائيلية الاقتراح المصري . وقال بريان هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، إن الخطة “لم تعالج حقيقة مفادها أن غزة غير صالحة للسكن حاليا ولا يستطيع السكان العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة”.
ووصف ترامب الخطة بأنها “تفتقر” إلى جوانب حاسمة معينة. وأكد على ضرورة معالجة المخاوف الأمنية، وخاصة نزع سلاح حماس، لضمان السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد استبعد في وقت سابق سيطرة حماس أو السلطة الفلسطينية على غزة.
ومنذ ذلك الحين، تراجع المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عن معارضة إدارة ترامب للخطة. وقال ويتكوف للصحفيين خارج البيت الأبيض في السادس من مارس/آذار: “نحن بحاجة إلى مزيد من المناقشة حول هذا الموضوع، لكنها خطوة أولى حسنة النية من جانب المصريين”.
إعادة إعمار غزة
وستستغرق المرحلة الأولى من الخطة نحو ستة أشهر. وسينصب التركيز على إزالة الأنقاض وإزالة الذخائر غير المنفجرة وتوفير المساكن المؤقتة للنازحين بسبب الصراع. والهدف من ذلك هو استقرار الوضع الإنساني وإرساء الأسس لجهود إعادة الإعمار الأكثر شمولاً.
وتمثل المرحلة الثانية، التي ستستغرق عامين، جوهر عملية إعادة الإعمار. والهدف من ذلك هو بناء 200 ألف وحدة سكنية، مع استعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه وشبكات الطرق والمدارس والمستشفيات. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة هذه التطورات 20 مليار دولار أميركي، وستكون حاسمة لإعادة إرساء مستويات المعيشة اللائقة لسكان غزة.
وسيتم تقديم تقارير التقدم في مؤتمرات المانحين مرتين في العام لضمان المساءلة والكفاءة. وسيقوم الممولون الدوليون بتقييم التقدم وتعديل تخصيصات التمويل إذا لزم الأمر.
وتستهدف المرحلة الأخيرة، التي ستستمر لمدة عامين ونصف العام، تحويل غزة إلى اقتصاد مزدهر قادر على الاعتماد على ذاته. وتعطي هذه المرحلة الأولوية لإنشاء مناطق صناعية، فضلاً عن ميناء بحري ومركز تكنولوجي ومرافق سياحية ساحلية ــ وكل هذا بهدف خلق فرص العمل وتعزيز التجارة.
إن أحد العناصر الأساسية لمرحلة التنمية الاقتصادية ينطوي على إصدار منح الأعمال والحوافز الاستثمارية لتشجيع ريادة الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
واقترحت مصر إنشاء صندوق ائتماني يخضع لإشراف دولي لتوجيه الدعم المالي للمشروع من الجهات المانحة الدولية. ومن المتوقع أن يكون من بين المساهمين الرئيسيين دول الخليج الغنية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الاتحاد الأوروبي وغيره من الهيئات الدولية.
وسيتم قريبا عقد مؤتمرات للمانحين لحشد الموارد، والحصول على تعهدات ملزمة من الدول المشاركة، وإنشاء آليات لضمان الشفافية والمساءلة في تخصيص الأموال واستخدامها.
خطوة نحو إعمار غزة أم بداية الطريق نحو حل شامل؟
تعتبر خطة مصر لإعادة إعمار غزة من أبرز المحاولات الإقليمية التي تهدف إلى توفير حلول جذرية ودائمة لقطاع غزة، الذي يعاني من دمار هائل بعد سنوات من الصراع المستمر. في هذه الخطة، يتم التركيز على إعادة بناء البنية التحتية بشكل كامل، وتعزيز الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل للسكان. وتعمل الخطة على معالجة الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة، مثل نقص الكهرباء، والمياه، والسكن، والصحة، مع توفير دعم شامل للنازحين.
بالإضافة إلى ذلك، تشتمل الخطة على مشاريع ضخمة مثل إنشاء مناطق صناعية وتجارية جديدة، وتنفيذ مشروعات للبنية التحتية للطاقة، وتحسين التعليم، والمرافق الصحية. كل ذلك يُعتبر خطوة مهمة نحو تقديم حلول واقعية ومستدامة للقطاع.
التحديات الدولية أمام خطة مصر
على الرغم من دعم مصر لخطة إعمار غزة، فإن هناك تحديات كبيرة تواجهها على الساحة الدولية. أولاً، تحتاج الخطة إلى دعم مالي ضخم، يتطلب تعبئة الموارد من المجتمع الدولي، خاصة من الدول الغربية والداعمة في المنطقة. الدعم الذي حصلت عليه الخطة من دول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا يعد خطوة إيجابية، ولكنه قد لا يكون كافياً إذا لم تتمكن مصر من إقناع الأطراف الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، بتقديم دعم إضافي.
ثانياً، هناك تحديات سياسية عميقة. حتى مع الدعم الدولي، يتعين على مصر أن تواجه المشهد السياسي المعقد في غزة، بما في ذلك التوترات بين الفصائل الفلسطينية مثل حركة حماس والسلطة الفلسطينية. في حال عدم توافق الأطراف الفلسطينية على كيفية تنفيذ الخطة، قد تجد مصر صعوبة في تحقيق التقدم المرجو في إعادة الإعمار.
الدور المصري: القيادة الإقليمية والانخراط الدولي
لتحقيق النجاح في تنفيذ هذه الخطة، يتعين على مصر العمل بجد لتكثيف التواصل مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى لضمان الدعم السياسي والمالي. وستحتاج إلى توجيه الدعوات لعدد أكبر من الدول للاستثمار في إعادة الإعمار، والتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
كما أن مصر مطالبة بإظهار قيادة إقليمية مستمرة للحفاظ على استقرار غزة وتوجيه جهود إعادة الإعمار بشكل منسق. هذا يتطلب مواصلة الحوار مع الأطراف الفلسطينية والإقليمية، فضلاً عن الضغط المستمر على المجتمع الدولي لتوفير التمويل اللازم.
هل يمكن أن تنجح خطة مصر؟
إن نجاح خطة مصر يعتمد بشكل أساسي على قدرتها على تحقيق إجماع دولي وتنسيق فعال بين الفصائل الفلسطينية. إذا تمكنت مصر من إدارة هذه التحديات بنجاح، فإنها ستفتح المجال أمام إعادة إعمار غزة بشكل مستدام وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي للقطاع. ومع ذلك، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن لمصر أن تحشد الدعم الدولي بما يكفي، في ظل الأزمات العالمية والسياسات المتباينة للدول الكبرى؟
في النهاية، تبقى خطة مصر للإعمار خطوة كبيرة نحو حل الأزمة في غزة، لكن نجاحها يتطلب ليس فقط إرادة سياسية، ولكن أيضاً استجابة دولية موحدة ومدعومة بالموارد اللازمة لضمان التنفيذ الفعّال.