إيران

ما هي الخيارات المتاحة أمام إيران للانتقام وهل الحرب من ضمنها؟

الإهانة التي لحقت بإيران من اغتيال هنية فيها كبيرة، وهي بذاتها مبررة لتغيير القيادة الإيرانية استراتيجيتها

أسقطت إسرائيل في مواجهة “جبهة المقاومة” الخطوط الحمر، بإقدامها على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة في طهران التي كانت تستضيفه للمشاركة وآخرين في حفل تنصيب رئيسها الجديد مسعود بزشكيان. لم تكن الخطوط الحمر الإيرانية قد مسّت، عند إقدام إسرائيل على اغتيال قائد “المقاومة الإسلامية في لبنان” فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية لبيروت، إذ إنّ “حزب الله” وزع بعد ساعتين تقريباً من “الغارة القاتلة” على حارة حريك – وهي “عاصمة الحزب” – بياناً تضمن طلب مرشد الجمهورية الإسلامية في ايران علي خامنئي – وهو القائد الأعلى للحزب – من الشيخ نعيم قاسم والنائب في كتلة “الوفاء للمقاومة” حسن فضل الله، أن تبقى “المقاومة” في “المسار الحكيم” نفسه الذي سلكته، منذ بداية حرب “طوفان الأقصى”.
ولو اكتفت إسرائيل، في ضوء “وصية” الخامنئي لـ”حزب الله”، باغتيال “الحاج محسن” لكانت أثبتت أنّها “انتقمت” لضحايا الصاروخ الذي استهدف بلدة مجدل شمس في الجولان وواجهت رداً تملك القدرة الكافية على احتوائه، ولكنّ ذهابها، بعد ذلك، بساعات قليلة، إلى اغتيال هنية في مقر استضافته في طهران نفسها، وفي حمأة التنصيب الاحتفالي لرئيسها الجديد مسعود بزشكيان الذي خلف الرئيس إبراهيم رئيسي بعد مقتله في حادثة “مثيرة” تعرضت لها مروحية كانت تقله من الحدود الأذربيجانية، يعني أنّها انتقلت من خانة “الانتقام” إلى خانة “الاستفزاز”، بغضّ النظر عن  أنّه سبق لها أن وضعت هنية مع مجموعة من قيادات “حماس” في القائمة السوداء الخاصة بالرد على “المتورطين” بالهجوم على غلاف غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
ولم يستطع أحد في العالم عدم الربط بين اغتيال هنية في طهران، من جهة، وبين رغبة إسرائيل في الحرب الشاملة، من جهة أخرى. الجميع من أقصى الشرق الى أعماق الغرب اعتبروا أنّ إسرائيل، بما أقدمت عليه، تستدعي الحرب.
واستدعاء الحرب هذا لا يأتي من فراغ. معطياته الداخلية والإقليمية والدولية ملائمة: الإسرائيليّون التهوا عن “الخطر الخارجي” بالعودة الى انقسام داخلي كبير، ولا بد من إعادتهم إلى “دائرة الخوف”. و”جبهة المقاومة” أظهرت إشارات تقهقر نوعي، فالمعطيات “التراجعية” في مفاوضات الأسرى، أفهمت الإسرائيليين أنّ “حماس” باتت مرهقة، حتى لو استمرت في المقاومة. و”حزب الله” تراجع نوعيّاً في نقاط قوة كان قد أبرزها سابقاً مثل التصدي الفعّال للمسيّرات، وتحوّلت فاعليته الى عمليات دعائية، مثل أفلام “الهدهد” التي حمّلها أكثر مما تحتمل. ودقة الحزب في القصف الصاروخي أصابها الوهن مع خسارته لعدد كبير من المقاتلين المحترفين. وردّ الفعل الحوثي على استهداف ميناء الحديدة، لم يستطع بعد أن يتخطى “الشعارات الرنانة”. وسماح المرشد الإيراني علي خامنئي بوصول شخصية يرفضها “التيار المتشدد” مثل مسعود بزشكيان يعني أنّ بلاده تعاني من مآزق في العلاقة مع الداخل والخارج في آن. وانكفاء التنظيمات الموالية لإيران في العراق لأشهر طويلة عن استهداف القواعد الأميركية يعني أنّ التهديدات الجدية يمكن أن تكبحها. ودخول الولايات المتحدة الأميركية في فترة الانتخابات الرئاسية “الصعبة” على كل من المرشحين كامالا هاريس ودونالد ترامب، أعطى إسرائيل موقعاً متقدماً، الأمر الذي تجلّى، ليس فقط في التصفيق لرئيس الحكومة الإسرائيلية في الكونغرس الأميركي، بل في نوعية ما قيل له فعليّاً، في الاجتماعات التي عقدها مع كبار القادة الأميركيين، بحيث وافقت الإدارة والمعارضة على دعم الحكومة الإسرائيلية لـ”إنهاء العمل” تمهيداً لإنهاء الحرب، وفق خطط استراتيجيّة ناقشتها مطوّلاً وفود عسكرية وأمنية وسياسية أميركية وإسرائيلية.

ماذا يمكن أن يكون عليه رد الفعل الإيراني؟

أثبتت إيران، منذ بدء حرب “طوفان الأقصى” أنّها لا تريد أن تدخل حرباً تشكل الولايات المتحدة طرفاً فيها. سبق لها، إثر تعزيز الجيش الأميركي حضوره العسكري المباشر في المنطقة، بعيد هجوم السابع من أكتوبر، أن تراجعت عن تعهدات كانت قطعتها لـ”حماس” بفتح كل “جبهات المقاومة” بعنف ضد إسرائيل، بحيث تتعرّض لطوفان يشارك فيه أكثر من مليون متطوّع إيراني، في وقت سارعت فيه الى ضبط “حزب الله” ضمن إطار “الصبر الاستراتيجي” فامتنع عن توسيع الرد على إسرائيل عندما استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، في الثاني من كانون الثاني (يناير)، حين تمّت عملية اغتيال القائد في “حماس” صالح العاروري، على مسافة قريبة من مقر الإقامة المفترض للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله.
وعند استهداف إسرائيل قيادة “فيلق القدس” في القنصلية الإيرانية في دمشق، نظمت طهران رداً مدروساً كانت مشهديته كبيرة، ولكن بفاعلية ضعيفة. وللمقارنة، فإنّ إسرائيل بصاروخ واحد أطلقته على طهران حققت لنفسها هدفاً غاليّاً جداً، وهو اغتيال إسماعيل هنية، في حين أن ثلاثمئة مسيّرة وصاروخ باليستي وكروز أطلقتها إيران في 13 نيسان (أبريل) الماضي، لم يصب أيّ هدف نوعي في إسرائيل.
بطبيعة الحال، الإهانة التي لحقت بإيران من اغتيال هنية فيها كبيرة، وهي بذاتها مبررة لتغيير القيادة الإيرانية استراتيجيتها. على الورق تستطيع إيران ذلك، فهي، الى القوة الصاروخية والنارية التي تملكها، قادرة على تحريك كل تنظيمات “جبهة المقاومة” وأهمها على الإطلاق “حزب الله”. هذا على الورق، أمّا واقعياً، فهناك صعوبات جمة تحول دون ذلك، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، إعلان واشنطن استنفارها لمساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وإظهار الجيش الإسرائيلي قدرات هائلة، سواء على المستوى المعلوماتي، بدليل معرفته الدقيقة بالجناح الذي ينام فيه هنية والشقة التي يتواجد فيها القائد العسكري لـ”المقاومة الإسلامية في لبنان” فؤاد شكر، رغم اتخاذ الحزب وقياداته ومقاتليه أقصى درجات الحيطة والحذر، بعدما كانوا يتحضرون لرد إسرائيلي نوعي على صاروخ مجدل شمس.
وهذا يعني أنّ إيران، بغض النظر عن رغباتها وحاجاتها وتطلعاتها، سوف تفكر “ألف مرة” قبل أن تلبي نداء إسرائيل الى الحرب، ولذلك قد يكون تكرار سيناريو الانتقام على قصف قنصليتها في دمشق، مع إدخال تعديلات بسيطة، هو… المخرج الوحيد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى