دخلت سوريا مرحلةً جديدةً من تاريخها السياسي مع الإعلان عن رحيل بشار الأسد، ووصول المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق، بعد سنوات من الحرب والقتل والتهجير والتشريد، وهو يعني فتح صفحةً جديدةً لدمشق مع عواصم العالم، ضمنها الرباط.
عرفت العلاقات المغربية السورية تذبذبًا، ودخلت إلى النفق المسدود عدّة مرات؛ بسبب دعم دمشق لجبهة البوليساريو الانفصالية، وهو ما ترفضه الرباط، وترى فيه معاكسة لمصالحها السيادية، كما أن العلاقات بين البلدين مرَّت بصدامات بدأت منذ سنة 1965، عندما كانت المملكة هدفًا لهجوم شنته وسائل إعلام سورية، محملة الرباط مسؤولية اختفاء الشهيد المهدي بن بركة.
بعدها، لم يكن البلدان على وفاق تام، إذ تأرجحت علاقتهما بين المد والجزر، ووصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية أحيانًا.
وحافظت المملكة المغربية على نهجها الدبلوماسي في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتعاملت مع الأحداث التي شهدتها سوريا سنة 2012 بحنكة عالية، وأخذت مسافة واضحة من النظام، وأغلقت سفارتها بعد التصعيد الذي شهدته الأراضي السورية، ورفضت التدخل الأجنبي في سوريا.
وأكدت الخارجية المغربية حينها، أن “المملكة المغربية التي انخرطت بجدية وديناميكية في جميع القرارات والمبادرات العربية والدولية الهادفة إلى تسوية الأزمة السورية، والتي حرصت من خلال ذلك على إعطاء جميع الفرص لوقف العنف، تؤكد أن الوضع في سوريا لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، وتقرر مطالبة السفير السوري المعتمد لدى المملكة المغربية بمغادرة المملكة باعتباره شخصًا غير مرغوب فيه”.
وهكذا، التزمت المملكة المغربية بثوابت سياستها الخارجية، ونأت بنفسها عن التدخل المباشر في الأزمات الإقليمية، وهذا من صميم عقيدتها الدبلوماسية المبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى إلا من خلال البحث عن الحلول، مثلما وقع في ليبيا، عندما احتضنت المملكة الحوار الليبي- الليبي، وغير ذلك من المواقف الثابتة للمغرب.
إقرأ أيضا : لماذا سيحافظ ترامب على نهج بايدن تجاه روسيا؟
وبعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أن موقف المملكة المغربية ظل دائمًا واضحًا، ويرتكز على الحفاظ على الوحدة الترابية، وعلى السيادة الوطنية، وعلى وحدة الشعب السوري”.
وشدّد رئيس الدبلوماسية المغربية على أن “المغرب، بقدر ما يقف إلى جانب سوريا مناديًا بالحفاظ على سيادتها، وبعدم التدخل في شؤونها، فهو يدفع دائمًا نحو ما فيه مصلحة واستقرار وسيادة ووحدة سوريا، وما يحقق تطلعات شعبها الشقيق”.
وسيسعى المغرب، بعد أن تهدأ الأوضاع، إلى بناء علاقات جديدة مع سوريا، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من خراب تسببت به سنوات من التذبذب، خاصة أن دمشق كانت تدعم جبهة البوليساريو، الأمر الذي يرفضه المغرب جملة وتفصيلًا، إذ ينتظر موقف الحكام الجدد من قضية الصحراء، وبناء عليه قد يرسم معالم علاقاته المستقبلية مع سوريا، خاصة أن العقيدة الدبلوماسية للمملكة صارت واضحة، وأن قضية الصحراء هي المنظار الذي تنظر به.
وفي الوقت الراهن، سيحاول الحكام الجدد في دمشق إرسال رسائل طمأنة إلى العالم بإمكانية مدّ جسور التواصل، ويشمل ذلك المغرب، خاصة أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ستعزز التقارب بين الرباط ودمشق، في ظل تأييد غالبية الدول العربية للطرح المغربي، القاضي بمنح أقاليمه الجنوبية الحكم الذاتي.
ما يجب أن يُدركه الجميع هو أن سوريا دخلت مرحلة جديدة، تقتضي مصالحة بين السوريين، وهو ما يحتم على الجامعة العربية التحرك واحتضان هذه المصالحة، ومحاولة طي صفحة الانتقام والانتقام المضاد، والتي لن تزيد سوى في تأزيم الوضع ومزيد من التدهور.
فالمصالحة تقتضي رباطة جأش كبيرة، وتغليبًا لمصلحة سوريا العليا على حساب المصالح الشخصية، لأن الوطن أكبر من الجميع ويجمع الجميع، ونقل البلد إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتوافق بين مختلف مكوّنات المجتمع السوري وأطيافه السياسية.