ما دلالات تعيين مستشارة لكامالا هاريس
هذا هو المشهد اليوم، أمام المستشارة التي عينتها هاريس مهام جسام فإما أن تنجح في كسب العرب والمسلمين أو تفشل في ذلك والأحداث في غزة هي من يقرر نجاحها أو فشلها.
للحزبين المتنافسين في الولايات المتحدة برنامجان مختلفان على صعيد الوضع الداخلي وعلى الصعيد الخارجي. داخليًا، لكل حزب أجندته ، وخارجيًا، يميل الديمقراطيون إلى محاربة روسيا علنًا وتقزيمها، بينما يعمل دونالد ترامب الجمهوري على احتواء روسيا دبلوماسيًا. ولكن في النهاية، تلتقي مصلحة الحزبين في محاربة الصين الدولة الصاعدة.
إذن، الدعاية الانتخابية الأميركية اليوم تشهد حربًا ضروسًا بين الحزبين في ظل ما تشهده المنطقة من حروب طاحنة في الشرق الأوسط وفي ظل الحرب الأوكرانية – الروسية. هذا التوتر يلقي بظلاله على الانتخابات الأميركية بشكل كبير.
كي نضع الأمور في سياقها الصحيح، فإن السباق المحموم الذي نشهده اليوم للانتخابات الأميركية يجعلنا كمن يشاهد فصول معركة حامية الوطيس. الكل يريد أن يظفر بالرئاسة والدخول إلى البيت الأبيض، فهل هذا لمصلحة الولايات المتحدة، أم أنه حب بالكراسي وتشبث بها؟
السباق الانتخابي في الولايات المتحدة مختلف عن غيره، حيث يعول المرشح للرئاسة على الأقليات، فهي بيضة القبان. وفعلا هذا ما أقلق الحزبين. حيث جاء تعيين مستشارة لكامالا هاريس من أصول أفغانية هي نسرينا بارغزي لكسب أصوات الجالية العربية والإسلامية. ودليل ذلك ما قاله الأميركيون المسلمون وبعض نشطاء الحزب الديمقراطي من أنهم سيعملون على حشد الملايين من الناخبين المسلمين، وتشجيعهم على وقف التبرعات والامتناع عن التصويت لصالح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة عام 2024 ما لم يتخذ جو بايدن خطوات من شأنها أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وفي نفس السياق، حذرت النائبة الديمقراطية براميلا جايابال، من ولاية واشنطن، الرئيس بايدن من مغبة خسارة أصوات الناخبين المسلمين في حال استمر في دعمه للحرب ضد حماس، فهذا سوف يكلفه أصوات المسلمين الأميركيين.
ولا بد أن نشير هنا إلى فحوى البرنامج الانتخابي للطرفين. وكما قلت، لكل طرف منهما أجندة خاصة به. كلاهما يريد جمع قدر أكبر من الأنصار ليوم الصندوق. لهذا جاء تعيين مستشارة لهاريس تتواصل مع الناخبين العرب والمسلمين، الذين بدأت أصواتهم تتجه نحو الجمهوريين.
على المستوى الداخلي، أثار مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، جدلًا واسعًا عندما تحدث عن خططه لفرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة “حتى يتم تحديد كيفية التعامل مع خطر الإرهاب”، على حد قوله. وهذه نقطة ضعف ارتكبها ترامب ستحاول هاريس استغلالها. ووفقًا للمعهد الأميركي العربي، هناك 3.7 مليون ناخب عربي ومسلم، ينتشرون جغرافيًا في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ويسكن 90 في المئة منهم المناطق الحضرية، ويعوّل على أصواتهم بشكل كبير.
لكن رغم قوة هذه المستشارة وحضورها وقبولها في أوساط الناخبين العرب والمسلمين، يبقى الوضع الأمني المتردي وما تشهده غزة من حرب طاحنة هو من يحدد وجهة الناخب العربي والمسلم. لهذا يحاول أنتوني بلينكن ترميم ما أفسده بايدن خلال الشهور العشرة الماضية. وجولاته الأخيرة ربما تحمل في طياتها بعض البشائر، وقد يضغط باتجاه إنجاح المفاوضات التي ستلتئم في قطر، إضافة إلى جهود المستشارة والدور الذي ستلعبه. لكن ما يحدد نجاح هذه المفاوضات مقدار تصلب الموقف الإسرائيلي. فما رشح من أخبار يفيد بأن بنيامين نتنياهو أضاف بعض البنود وأبلغ الوفد المتوجه للدوحة بها، هذا بحد ذاته قد ينسف الجهود المبذولة من أجل إتمام الصفقة.
الأكثر لفتًا للانتباه هو محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي وضع العصي في الدواليب من أجل مدّ أمد الحرب، وخصوصًا ما يتعرض له من تهديدات من قبل أعضاء حكومته، ففي حال إبرام صفقة سوف يتم حل الحكومة. ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم ماذا يريد نتنياهو؟
يبقى بعض ما يقوله المحللون من أن سعي نتنياهو لعدم إنهاء الحرب مرده الخوف من المساءلة مستقبلًا، وهذا صحيح. رغم ذلك يريد البقاء في غزة إلى الأبد، وصديقه ترامب هو من يدعمه في هذا الموقف فقط. وما أود قوله بأن نتنياهو يعوّل على نجاح ترامب والحزب الجمهوري.
باختصار أجندات المرشحين للرئاسة وسياساتهم لها تأثيراتها على توجهات العرب والمسلمين. والتاريخ شاهد على ذلك. لقد غيروا ولاءاتهم السياسية في الماضي، عندما صوتت غالبيتهم لصالح الحزب الجمهوري، بما في ذلك جورج دبليو بوش، وذلك قبل الابتعاد عن الحزب الجمهوري بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003، وكذلك مع تزايد الخطاب ضد المسلمين الذي عززه الجمهوريون بعد الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001. وبالتالي، من تحصيل حاصل أن يحافظ غالبية العرب والمسلمين الأميركيين في هذا السياق على دعمهم للديمقراطيين في انتخابات 2020.، كما أن سياسة ترامب التعسفية التي فرض من خلالها حظرًا على سفر القادمين من بعض الدول الإسلامية، إلى جانب اتخاذه قرارًا بنقل السفارة الأميركية إلى القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل، أثارت غضب المسلمين والعرب.
بناء على ذلك، فإن الناخب العربي والإسلامي على مفترق طرق وهو محتار أيّ طريق يسلك، ولكن يعتمد تحديد وجهته الانتخابية على جهود وقف إطلاق النار في غزة. وكما ذكرت، لقد جرب الناخب العربي والمسلم فترة ترامب وعاش كل تفاصيلها بدقة، ويعلم تمامًا أن ترامب العنصري والرافض للهجرة لا يخدم مصالحهم في الولايات المتحدة.
وأكاد أزعم أن الحرب على غزة طغت على مصالحهم. هذا هو المشهد اليوم، وأمام المستشارة التي عينتها هاريس مهام جسام، إما أن تنجح في كسب العرب والمسلمين أو تفشل في ذلك، والأحداث في غزة هي من يقرر نجاحها أو فشلها.
تعليق واحد