تقارير

ما الذي يمكن فهمه من تحركات الصين في الشرق الأوسط؟

لا تهتم بكين بأن اتفاق “الوحدة الفلسطينية” الذي توصلت إليه بين “حماس” و”فتح” غير قابل للتطبيق أو أن انتصار “حماس” من شأنه أن يقوّض المصالح الصينية في استقرار الشرق الأوسط – بل إنها تريد فقط خسارة الولايات المتحدة.

من منظور غربي، من السهل أن نعزو الحماس الصيني لما يسمى بـ “إعلان بكين” بين “حماس” و”فتح” إلى السذاجة البسيطة. ففي النهاية، بينما لطالما ادّعى هذين الفصيلين الفلسطينيين تأييد فكرة الوحدة الفلسطينية، إلا أنهما في الواقع عدوّان مريران يتبنّيان نهجين متعارضين لتحقيق التطلعات السياسية الفلسطينية. وربما أدت الحرب في غزة والتوترات والعنف المصاحبة لها في الضفة الغربية إلى دفع الفصيلين إلى نوع من الهدنة، لكنها لم تفعل شيئاً لتخفيف المعارضة الجوهرية بينهما – والواقع أن مسؤولي “فتح” يشكون بمرارة من أن أنانية وتطرف قادة “حماس” قد جلبا الدمار على الفلسطينيين.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ النظر إلى المصالحة الفلسطينية باعتبارها الهدف الحقيقي لبكين. فهناك ثلاث دوافع وراء تركيز بكين المفاجئ على الحرب في غزة وعلى السياسة الفلسطينية. اثنان منها قائمان منذ فترة طويلة.

أولاً، تسعى الصين منذ فترة طويلة إلى تحديد موقفها كزعيم ومدافع عما يسمى بـ “الجنوب العالمي”. وقد قطعت بكين شوطاً طويلاً في قضية (الصراع) الإسرائيلي الفلسطيني، من دعمها النشط للفصائل الفلسطينية خلال الحرب الباردة إلى تنمية علاقات أمنية واقتصادية وثيقة مع إسرائيل بدءً من ثمانينيات القرن الماضي وإلى العقد الثاني من القرن الحالي، ومع ذلك لم تتخلَّ تماماً عن نزعتها السابقة.

ثانياً، مع نمو مكانتها العالمية، سعت الصين إلى إظهار نشاطها الدبلوماسي في القضايا الدبلوماسية الكبرى مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لتأكيد أهميتها. وتحقيقاً لهذه الغاية، أرسلت بكين مبعوثين إلى المنطقة واستضافت وفوداً منها، وحتى أنها أصدرت عدة خطط ذاتية التصميم لإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وبينما كانت تلك الخطط تتألف إلى حد كبير من استحضارات غامضة للحكمة الدبلوماسية التقليدية، إلّا أن الموضوع الأكثر أهمية كان إصدارها وليس محتواها.

ومع ذلك، فإن الدافع الثالث، الأحدث والأكثر إثارة للقلق، واضح أيضاً في تصرفات بكين منذ هجوم “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. فقد تحوّل المسؤولون والمحللون الصينيون بسرعة من موقف مؤيد لإسرائيل نسبياً إلى السماح ليس فقط إلى الانغماس بانتقادات سياسات الحكومة الإسرائيلية، بل السماح بانتشار معاداة السامية في وسائل الإعلام الاجتماعية والإذاعية الصينية. ويبدو أن هذا لا يعكس اهتماماً جديداً بالتطلعات الفلسطينية، بل محاولة من بكين لاستخدام الصراعات، سواء في أوكرانيا أو غزة أو مناطق أخرى، لحشد الرأي العام العالمي ضد الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك على حساب التضحية بعلاقات استغرق بناؤها عقوداً مثل تلك التي تربطها بكل من إسرائيل وأوكرانيا.

وقد وصف يان شوتونغ، عميد “معهد العلاقات الدولية في جامعة تسينغهوا”، الأمر على النحو التالي: “ستقلل حرب إسرائيل وغزة من النفوذ السياسي العالمي للولايات المتحدة. وقد أصبح هذا واضحاً للغاية، لأن حتى حلفاءها سيضطرون إلى الابتعاد عنها في هذه القضية… ومع تقويض العلاقات الاستراتيجية للولايات المتحدة مع القوى الكبرى الأخرى، فإن التوازن الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة سوف يصبح أقل ملاءمة للولايات المتحدة”. إن القول بأن الوحدة الفلسطينية غير واقعية، أو أن حكم “حماس” لن يخدم الاستقرار في الشرق الأوسط الذي ترغب فيه الصين، هو غير ذي صلة في نهاية المطاف. الأمر المهم هو أنه إذا خسرت الولايات المتحدة، فإن بكين – وفقاً لهذاه النظرة إلى العالم – ستكون هي الفائزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى