شهد تاريخ السابع من أكتوبر 2023 تصعيدا خطيرا في الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، إذ قامت حركة حماس بعملية عسكرية خاطفة وواسعة، أطلقت عليها “طوفان الأقصى”، سيطرت من خلالها على مستوطنات غلاف غزة، وقتلت وأسرت الكثير من الجنود الإسرائيليين. وقع الهجوم على إسرائيل كالصاعقة، وصنّفه الإعلام الإسرائيلي كهزيمة عسكرية ونفسية، حيث انهارت قوة ردع الجيش الذي لا يقهر، ومعه فقد الإسرائيليون الأمن والأمان. لهذا كله، ردت إسرائيل بحرب إبادة جماعية على قطاع غزة شملت البشر والحجر، أطلقت عليها “السيوف الحديدية”، ووصفتها بأنها حرب على الوجود في الحاضر وعلى المستقبل في الخمسين سنة المقبلة.
السؤال الذي نطرحه هنا، بعد أكثر من عام على الحرب والحديث عن وقفها، هو: هل حسبت حركة حماس كل إسقاطات هذه الحرب على قطاع غزة والمنطقة برمتها، وخصوصا محور المقاومة ووحدة ساحاتها؟
فرضيتنا هنا هي أن حماس ربما لم تقدر الموقف بشكل صحيح في الأمور التالية:
1. رد الفعل العسكري الإسرائيلي: كان من المتوقع أن ترد إسرائيل بشكل مكثف وعنيف على أي تصعيد، لكن ربما لم يكن التقييم دقيقا حول مدى حجم القوة العسكرية والردود الانتقامية التي ستستخدمها إسرائيل، وكذلك حرب الإبادة الجماعية واستمرارها لفترة طويلة.
2. الدعم الدولي: قد تكون حماس توقعت ردود فعل وتدخلات دولية تجبر إسرائيل على وقف الحرب بعد مدة زمنية معينة، لكن العكس حصل، إذ دعمت أميركا ومعها دول أوروبية محورية و”الناتو” إسرائيل عسكريا في الميدان، وسياسيا في المحافل الدولية، دعما مطلقا وأعطتها كل الهامش الزمني المطلوب لتنفيذ أهدافها.
3. التعويل على تفكك المجتمع الإسرائيلي وضعفه: قد يكون التقدير غير دقيق بشأن قدرة إسرائيل على تجاوز أزمتها الداخلية والتوحد، ورد الصاع صاعين. وأبعد من ذلك، قد يكون القرار قد خضع في هذا السياق لمنطق مقولة حسن نصر الله “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، وردت إسرائيل لتثبت أنها “بيت من فولاذ”، وقتلت حتى صاحب المقولة، كما عبر عن ذلك نتنياهو.
4. البنية التحتية والاحتياجات الإنسانية: ربما لم تُقدّر حماس بشكل كافٍ عواقب التصعيد على البنية التحتية المدنية، بما يشمل المستشفيات والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والدينية وغيرها، ومعها النخب والكوادر المهنية، وتسطيح المدن والقرى، والتهجير والتجويع والقتل، إلى حد نهش الكلاب جثامين الشهداء. نعم، ربما لم تقدّر حماس أن يُباد البشر والحجر بهذه الوحشية أمام صمت عربي ودولي مريع.
اقرأ أيضا| حماس وإسرائيل.. وخراب المنطقة
5. ردود الفعل الشعبية وأبعاد فلسطنة القضية عربيا: قد تكون هناك توقعات غير دقيقة بشأن كيفية رد فعل الشارع العربي تجاه العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومدى التأييد والرفض لها. هنا لم تأخذ حماس بالحسبان عمق كارثية قرار قمة الرباط 1974 بفلسطنة القضية الفلسطينية، ونزعها من عمق بحرها الشعبي العربي خطوة بخطوة، وفق خطة وزير الخارجية الأميركية آنذاك، هنري كيسنجر، حتى أصبح شعار “فلسطين ليست قضيتي” على لسان الكثيرين بالعلن أو بالسكوت والتفرج.
6. أصاب النظام العربي حركة حماس في مقتل بتعميمه صورتها كمتحالفة مع الشيعة وإيران ضد السنة؛ قد يجوز أن حماس لم تمنح هذا الجانب وزنا، في وقت نجحت الأنظمة في عزلها شعبيا، ولتجرؤ على دعم إسرائيل بالعلن أو الصمت تحت شعار منع توسع المشروع الإيراني في المنطقة، ومنع فرض التشيع على السنة.
7. انهيار محور المقاومة ووحدة الساحات: قد لم تحسب حماس بشكل دقيق إسقاطات توريط محور المقاومة في حربٍ لم يعرف عنها مسبقا، والتي أدّت إلى نتائج كارثية على محور المقاومة ووحدة الساحات، بما في ذلك قتل أحد أفضل مناصري القضية الفلسطينية، الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وسقوط حليفه نظام الأسد، وضرب عمق إيران.
8. الوحدة الفلسطينية: ربما لم تدرك حماس أن التصعيد لن يؤثر فقط على موقفها مع السلطة الفلسطينية، بل سيساهم ايضا في تحييد دعم الكثير من الشعب الفلسطيني، ويعمق الانقسامات وتباين المواقف بين الفصائل المختلفة إلى حد اندلاع الاقتتال الداخلي، كما يحدث اليوم في جنين.
9. في المقابل، قد تقول حماس إن الأمور تقاس بنتائجها وتحقيق أهدافها، وأنها حسبت حساب كل ذلك، وجهزت نفسها من حيث العدة والعتاد لحرب طويلة الأمد، تفرض من خلالها أهداف معركة “طوفان الأقصى”، وعلى رأسها إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وفك الحصار عن غزة، وتثوير المنطقة بدلالة بركان سورية، الذي سيعقبه براكين أخرى كردود فعل لـ”طوفان الأقصى”، على حد تعبير منصف المرزوقي، رئيس تونس السابق.
خلاصة القول: تحتاج “حماس” بعد الحرب إلى وقفة جادة مع النفس للجواب على كل ما طُرح أعلاه. كما أننا بحاجة إلى شيءٍ من الموضوعية في تقييم الموقف، سلبا وإيجايبا.