أمريكا

ماسك يسمح بنشر معلومات طبية مغلوطة وربما مميتة على “إكس”

منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تحث مرضى السكري على خفض استخدام الإنسولين والتركيز على أسلوب عيش ونظام غذائي صحيين، ولكنها تنطوي على معلومات مغلوطة وخطرة. بالنسبة إلي كمريض سكري من النوع الأول ربما تكون عواقبها مميتة

كدت أسقط من الكرسي عندما قرأت تغريدة تقول: “إذا كنت مصاباً بمرض السكري، توقف عن تناول كل الكربوهيدرات. ينتج الجسم غلوكوزه الخاص من خلال عملية تكوين الغلوكوز (gluconeogenesis) [عملية يقوم فيها الجسم بإنتاج الغلوكوز من مصادر غير الكربوهيدرات، مثل الأحماض الأمينية واللاكتات والغلسرين (من الدهون). يحدث هذا بصورة أساسية في الكبد، وبدرجة أقل في الكلى]. إذا تناولت الكربوهيدرات / السكر، ستحتاج إلى الإنسولين، مما يفاقم حالتك. كلما زادت كمية الإنسولين التي تأخذها، ساء مرض السكري لديك.

يبدو كل ما ورد معقولاً جداً، أليس كذلك؟ بما في ذلك المصطلح العلمي “تكوين الغلوكوز”، إذاً هل علي أن أتخلى عن 50 عاماً من التحكم الناجح (إلى حد كبير) بداء السكري من النوع الأول، وأرمي الإبر في القمامة وانضم إلى صيحة النظام الغذائي المنخفض الكربوهيدرات لأحول جسدي إلى هيكل كامل الصحة لا تشوبه شائبة؟ أفترض أن تلك الأماكن في جسمي التي اعتادت الحقن ستشكرني إذا اخترت ذلك، لأنها صارت مليئة بالتكتلات (لا تسألني عنها). أما عافية جسدي؟ فلا أعتقد أنها ستشكرني كثيراً.

إليك بعض الحقائق العلمية الصحيحة: الإنسولين عنصر ضروري في تكسير الكربوهيدرات وتحويلها إلى طاقة يستخدمها الجسم. تحدث هذه العملية البيولوجية لدى معظم الناس بصورة طبيعية ومن دون مشكلات، وذلك من طريق ما يسمى “جزيرات لانغرهانس”islets of Langerhans ، علماً أنها خلايا موجودة في البنكرياس [حيث تظهر على هيئة بقع صغيرة مختلفة في الشكل والوظيفة عما حولها من خلايا، ولذلك سميت جزيرات]. في مقدور الأشخاص العاديين أن يتناولوا البيتزا والمعكرونة والبقول والرز والموز كما يحلو لهم من دون أي قلق، ذلك أن الإنسولين نفسه جزء من عملية التمثيل الغذائي الطبيعية [تحويل الطعام والشراب إلى طاقة] التي تطورت على مدى مئات الملايين من السنين.

تظهر المشكلة إذا كان جهازك المناعي يدمر الخلايا المنتجة للإنسولين. بدأت معاناتي هذه عندما كنت في الثانية من عمري. ومنذ ذلك الحين وأنا أواجه تأثيرات وعواقب داء السكري من النوع الأول، [فأراقب مستويات السكر في دمي وأحقن نفسي بالإنسولين].

يستخدم مرضى السكري من النوع الأول مضخات إنسولين أو أداة تشبه القلم مزودة بإبرة (في حالتي) بغية دعم الجسم بالإنسولين الاصطناعي الذي تصنعه شركات الأدوية [كبديل عن الإنسولين الطبيعي الذي يصنعه الجسم]. بناء عليه، عليك أن تكون حذراً عند تناول الكربوهيدرات. إذا استهلكت كمية غير كافية من الإنسولين، سيتراكم السكر في دمك ويدمر بدوره أعضاءك الحيوية. أما إذا تناولت كميات كبيرة منه، فستنتهي بك الحال في المستشفى بسبب نقص السكر في الدم (انخفاض خطر في نسبة السكر في الدم).

إقرأ أيضا : من وراء الهجوم الإرهابي على تركيا؟

ولكنني أكتب هذه المقالة، وتناولت بيتزا من مطعم “إكسبريس” الليلة الماضية، ويبدو أنني على ما يرام. بلغ مستوى السكر في دمي 99 في المئة خلال الأسبوع الماضي، على ما يشير جهاز مراقبة مستويات السكر المثبت على ذراعي. كيف؟ ببساطة، لقد زدت قليلاً كمية الإنسولين التي تصل إلى جسمي لمواجهة تأثير البيتزا (الكربوهيدرات) وبقي مستوى السكر في الدم ضمن النطاق الطبيعي.

كل التقدير لفريدريك بانتنغ، الذي شارك في اكتشاف الإنسولين واستخداماته العلاجية. فاز الطبيب الكندي بجائزة “نوبل” في عام 1923، مناصفة مع الاسكتلندي جون ماكلويد، ولكنه رفض تسجيل اسمه على براءة اختراع لقناعته بأننا إزاء علاج ينقذ الأرواح، ومن غير الأخلاقي [ألا يكون متاحاً للجميع من دون قيود تجارية]. قبل ذلك كان الخيار الوحيد المتاح اتباع نظام غذائي أقرب إلى الجوع الشديد، الأشخاص الذين يعانون حالتي نفسها لم يكتب لهم العيش طويلاً قبل ظهور الإنسولين في عشرينيات القرن الماضي.

بول سانديلز، البلوغر ومقدم “البودكاست” المعروف باسم “الأب المصاب بالسكري”، [يشارك تجاربه ومعرفته حول السكري]: “إذا لم أتناول الإنسولين، سأشعر بالتوعك والإعياء في غضون ساعات، وأدخل المستشفى في نهاية اليوم. يؤثر تغيير نظامك الغذائي في [كيفية استجابة الجسم للسكر في الدم] ويتطلب بالتالي تعديل كمية الإنسولين التي تستخدمها، ولكنها ليست مسألة بسيطة. هل تسمح موازنتك بشراء وجبات غذائية معينة؟ مثلاً، نعلم جميعاً أن الأطعمة المليئة بالسكر أرخص ثمناً [مقارنة بالأطعمة الصحية وذات الجودة عالية].

في الواقع، هذا كلام دقيق تماماً. تؤدي العوامل الاقتصادية دوراً مهماً هنا [في إمكان الوصول إلى أنواع معينة من الغذاء]. ربما يحقق بعضهم نتائج صحية جيدة عند اتباع نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات. لست في صدد تقديم توجيهات للناس في شأن التعامل مع حالتهم الصحية. ولكن النظام الغذائي قليل الكربوهيدرات لن يلغي حاجتك إلى الإنسولين، لذا فإن المعلومات والآراء [المغلوطة] المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي حول مقاومة الإنسولين غريبة ومقلقة جداً. تبدو أشبه بـ”الحركة” المعارضة للقاحات، ولا تقل عنها جنوناً أو عدم مسؤولية.

الحد من الكربوهيدرات في النظام الغذائي ربما يعود بالنفع على بعض المصابين بداء السكري من النوع الثاني، الذين يظهر لديهم عادة في وقت لاحق من الحياة ويرتبط أحياناً بأسلوب العيش. يعانون هذه الحالة نتيجة مقاومة الجسم للإنسولين الذي ينتجه. في المقابل، من الخطر الكبير القول إن الإنسولين الذي لا بد أن يأخذه بعض منا للبقاء على قيد الحياة تدبير سيئ ومضر وفي المستطاع تجنبه ببساطة من طريق خفض الكربوهيدرات، ولا يجب أبداً اتخاذ خطوة كهذه من دون طلب المشورة الطبية أولاً.

ولكن مع ذلك، تبقى إشاعة التغريدات التي تدعي ذلك [أن الإنسولين الاصطناعي مضر] وتتكرر دائماً. أضف إلى ذلك أنها تترافق غالباً مع خطط نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات.

أريد أن أوضح أنني أؤيد حرية الناس في التعبير عن أفكارهم من دون رقابة. في الواقع، تشكل هذه الحرية أساس الديمقراطية ولا يمكن أن تتحقق من دونها. وفي رأيي، من الأفضل عموماً عدم تدخل الحكومة في تعبير الناس عن آرائهم. ماسك نفسه يعلن أنه من أنصار حرية التعبير المطلقة. ولكن ماذا لو كانت الحرية في التعبير عن بعض الأفكار مميتة؟

سبق أن شهدنا موجة من المعلومات المضللة الخطرة خلال حوادث كارثية، من قبيل إعصار “ميلتون” [الذي ضرب فلوريدا الأميركية أخيراً]، وحذر “الصليب الأحمر” الأميركي من أن هذه المنشورات كانت تعوق جهود الإغاثة وتعرض حياة الناس للخطر.

وينطبق الكلام نفسه على “الخطاب المناهض للإنسولين” الذي يجتاح وسائل التواصل الاجتماعي حالياً، وذلك في أعقاب نظريات المؤامرة المتعلقة باللقاح المضاد لـ”كوفيد”. ليس مقبولاً هذا النوع من الخطاب، لأنه خطر وخاطئ ويبعث على قلق كبير.

لا بد من معالجة مسألة [توفير] الإنسولين بعيداً من النقاشات الأيديولوجية. والمشكلة الأكبر التي نواجهها تعذر الحصول على هذا الدواء في الأجزاء الفقيرة من العالم، وفي الولايات المتحدة التي تفتقر إلى التغطية الصحية الشاملة، فضلاً عن ممارسات شركات الأدوية في ما يتصل بأسعاره، (سيتقلب بانتنغ في قبره بسبب ذلك).

بمقدور المعلومات المضللة عن الإنسولين أن تقود إلى وفاة شخص ما بسهولة، خصوصاً في الأماكن حيث لا يملك الناس ترف الخيار بين تدفئة منازلهم أو شراء علاج ينقذ حيواتهم. قد تكون المعلومات المغلوطة عن السكري أقل ضجيجاً من نظريات المؤامرة الخاصة بمعارضي التطعيم ضد كوفيد، ولكنها سامة بالقدر عينه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى