غزة

ماذا يريد الجميع من أحداث غزة؟

ترى مصر ضرورة إحلال السلام حتى نضمن استقرار الشعب الفلسطينى فى غزة وأن تعود لهم الحياة الكريمة، ومن هنا فإن الجهود المصرية كوسيط مع الجانب القطرى والولايات المتحدة فى محاولة لسرعة وقف إطلاق النار وعودة الرهائن، وعودة الهدوء لغزة، وإدخال المساعدات الإنسانية.

تعريف بسيط للسياسة هى لعبة المصالح إذا كانت مصلحتك أن تتجه يمينا فإن سياستك سوف تتجه إلى اليمين، والعكس صحيح، لذلك نتناول اليوم فى هذا الموضوع ماذا يريد الجميع من أحداث غزة، وبمعنى أصح ما هى مصلحة كل طرف لكى تكون أساس بناء سياسته تجاه أحداث غزة؟.

فى البداية، نبدأ بالولايات المتحدة الأمريكية رغم أنها تؤثر على العالم كله وأنها المفتاح الأساسى لحل كل مشاكل العالم، كما قال السادات من قبل، إن أمريكا لديها ٩٥٪ من حل كل مشاكل العالم إلا أن الظروف الحالية الداخلية فى الولايات المتحدة مختلفة، فهى الآن فى مرحلة انتخابات الرئاسة، وعموما كل ما تراه أمريكا حاليًا هو أولا المحافظة على أمن إسرائيل، وهى الاستراتيجية الأساسية لأمريكا فى أى عصر من العصور.

وثانيا ما يريده جو بايدن الرئيس قبل ١٠٠ يوم من مغادرة البيت الأبيض، هو أن يتحقق السلام فى الشرق الأوسط، حتى يقال إنه خلال فترة حكم أربع سنوات حقق إنجازًا عالميًا، وهو تحقيق السلام فى منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنه لم يحقق شيئا فى أى اتجاه، خاصة خلال الحرب الروسية الأوكرانية، ومن هنا تعمل أمريكا الآن بكل قواتها للضغط على كل الأطراف، وأولهم نتنياهو لقبول اتفاق السلام، ويخرج جو بايدن من البيت الأبيض ليكون فى تاريخه أنه حقق السلام فى الشرق الأوسط.

أما العنصر الثانى فهو إسرائيل، التى تنقسم إلى قسمين: الأول نتنياهو، رئيس الوزراء وهدفه إطالة مدة الحرب، لأن السلام يعنى بالنسبة له السجن للآتى:

١- أنه سوف تتم مساءلته عن أسباب قصور الجيش الإسرائيلى بعد حرب عشرة أشهر ضد حماس لم يحقق فيها أهدافه، فهو لم يقض على حماس، ولم يحرر الرهائن، ولم يستول على غزة ويؤمنها.

٢- إن أمامه ثلاث قضايا مدنية للفساد، ينتظر فيها تنفيذ الحكم بالسجن بعد مغادرته كرسى رئاسة الوزراء، ويواجه أيضا نتنياهو مشكلة أسر الرهائن التى تطالب يوميًا من خلال مظاهرات فى تل أبيب بالإفراج عنهم.

٣ – الوقوف أمام رغبة أمريكا، وأعنى جو بايدن، الذى يريد السلام بأى طريقة، بينما نتنياهو يرفض تحقيق ذلك.

والطرف الثانى فى إسرائيل، وهو وزير الدفاع وباقى الحكومة، فالكل يريد توقف الحرب، وذلك لإخراج الرهائن من أيدى حماس، وإيقاف الحرب، لأن الجيش الإسرائيلى تعب من القتال، وتكبد خسائر كثيرة على كل الجبهات، علاوة على الخسائر الاقتصادية التى تعانى منها إسرائيل عندما توقفت المصانع والشركات لوجود أفرادهم فى خدمة الجيش الإسرائيلى فى الاحتياط، ورغم أن أمريكا تعوض إسرائيل عن هذه الخسائر الاقتصادية، إلا أنه ما زالت أكبر الخسائر لأصحاب المصالح فى إسرائيل، كذلك هناك المهاجرون الإسرائيليون من المستوطنات حول غزة والمستوطنات حول جنوب لبنان، وهم حاليًا ٤٠٠ ألف شخص، تركوا مستوطناتهم، ويعيشون حاليا فى أماكن داخل إسرائيل، حيث يطالب كل منهم كل يوم بأن يعود إلى مستوطنته.

اقرأ ايضا| طوفان الأقصى بين مسار التفاوض واستمرار العدوان

وبالنسبة للفلسطينيين هناك السلطة فى رام الله التى تريد أيضا السلام، ولكن بهدف آخر، وهو أحداث اليوم التالى بعد انسحاب إسرائيل من غزة. حيث سيتم خلال ستة شهور إجراء انتخابات لإفراز حكومة تكنوقراط جديدة فى غزة، وبالطبع لن يكون فيها حماس، وبالتالى تضمن حكومة السلطة فى رام الله انضمام وعودة غزة إلى حضن السلطة الفلسطينية فى رام الله، ولكن خوف السلطة فى رام الله هو أن العالم يطالب حاليًا بتغيير عناصر وأفراد السلطة فى رام الله، وأن عباس ورجاله يجب أن يرحلوا، وأنه يجب أن تكون هناك سلطة جديدة فى رام الله من وجوه شابة تغير الموجود فى السلطة الفلسطينية حاليًا، على الرغم من أنها اختارت رئيس وزراء فلسطينيا جديدا فى رام الله، لكن أمريكا والعالم تطالب بالتغيير الشامل فى السلطة الفلسطينية فى رام الله.

ومن هذا المنطلق رحبت الولايات المتحدة بطلبات السنوار مؤخرًا خلال المباحثات بإيقاف إطلاق النار على أن يكون مروان البرغوثى وأحمد سعدات من بين المفرج عنهم من السجناء الفلسطينيين فى سجون إسرائيل، على أساس أنهم سوف يكونون طليعة العناصر الشابة فى الحكومة الجديدة فى رام الله.

أما الشعب الفلسطينى نفسه فإنه يريد السلام أمس قبل اليوم، خاصة أهالى غزة، بسبب الحالة السيئة التى يعيشونها بلا طعام وبلا مياه نظيفة وبلا مستشفيات، وكل يوم تحت الضغط والقصف الإسرائيلى، ووقوع القتلى والخسائر فى مجازر يومية، والكل بلا مأوى، وأصبح الجميع الآن يطالب بوقف إطلاق النار والتفاوض لالتقاط الأنفاس، ودخول المعونات الإنسانية، وبدء إعمار غزة، وإعادة بناء البنية الأساسية من مياه وصرف صحى، وكهرباء، وعودة المدارس، والمستشفيات والمنظمات الأممية، مثل الأونروا.

وبالنسبة لموقف الضفة الغربية من الفلسطينيين، وإن كانت ظروفهم المعيشية ليست بالسوء مثل أهالى غزة، لكن ظروفهم أيضا تسوء يوما بعد يوم، ولذلك يأمل الفلسطينيون جميعا فى عودة السلام وإيقاف إطلاق النار.

أما الطرف الرابع فهو مصر، وأقول إنها ثانى المتضررين من هذه الحرب، والأحداث فى الشرق الأوسط، بعد الشعب الفلسطينى فى غزة، وهدف مصر حاليا هو إيقاف إطلاق النار وتحقيق السلام، لأن مصر تتحمل أعباء هذه الحرب، حيث هناك ألف فلسطينى يتم علاجهم فى المستشفيات المصرية، ومع كل منهم مرافق أو اثنان. وأن حجم المساعدات التى تصل إلى غزة ٨٠٪ منها من مصر.

كذلك فإن أعمال القتال فى المنطقة قد أضرت بالسياحة المصرية ضررًا كبيرًا فى الفترة الماضية، وهى أحد عناصر الدخل للخزينة المصرية من العملات الحرة. كذلك هناك استنفار الجيش المصرى على الحدود الذى يمثل تحديا أيضا للأمن القومى المصرى، كذلك أقامت مصر معسكرًا لأهالى غزة فى رفح وخان يونس من خلال الهلال الأحمر المصرى.

ومن كل ذلك ترى مصر ضرورة إحلال السلام حتى نضمن استقرار الشعب الفلسطينى فى غزة وأن تعود لهم الحياة الكريمة، ومن هنا فإن الجهود المصرية كوسيط مع الجانب القطرى والولايات المتحدة فى محاولة لسرعة وقف إطلاق النار وعودة الرهائن، وعودة الهدوء لغزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، والبدء فى عمليات اليوم التالى بعد خروج إسرائيل من غزة وإعادة الأعمار هذه هى فكرة وسياسة مصر تجاه الأحداث.

وفى المقال القادم نقدم تحليلا ورؤية لكل من إيران وأذرعها فى المنطقة، حزب الله وحماس، ثم روسيا وباقى دول أوروبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى