ماذا وراء زيارة أردوغان للعراق؟
بمشهد غاب عنه العلم العراقي، استقبل ممثلو وزعامات المكون السني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته بغداد، جلس الجميع أمامه وكأنهم طلاب مدرسة يتلقون النصائح من معلمهم
في السياسة لا يُفهم لقاء رئيس دولة يحل ضيفاً على دولة أخرى ويستقبل جمعاً من مكون معين للتباحث في شؤون الطائفة وسير العمل السياسي في دهاليزها إلا تدخلاً في الشأن الداخلي للبلد، وانتهاكاً للأعراف الدبلوماسية التي تفرض على الضيف احترام واجب الضيافة.
لم يكن غريباً في بلد كالعراق يغرق في بحور الطائفية والمحاصصة أن نشهد حكاية من حكايات السيادة المهزومة التي سقطت في قعر صفصف بتوصيف يثير الرثاء لما وصل إليه الوضع العراقي المتشرذم.
بمشهد غاب عنه العلم العراقي، استقبل ممثلو وزعامات المكون السني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته بغداد، جلس الجميع أمامه وكأنهم طلاب مدرسة يتلقون النصائح من معلمهم.
كان المشهد يوحي أنَّ الجلسة تفرض على الحضور فروض الطاعة والولاء الواجب تقديمها إلى أردوغان “الإخواني” الذي وِصفت زيارته إلى بغداد بالمُقلقة من بعض الأطراف حين وجدت أنَّ الكفة تميل لصالح الجانب التركي من خلال تحوّل العراق إلى حديقة خلفية لتركيا وجعله وسيلة لجباية الأموال لصالح الاقتصاد التركي المتعثر دون الأخذ بالمصالح الاستراتيجية والتنموية للعراق.
حاول أردوغان ابتزاز العراق من خلال ملف المياه، وهو يعلم ومعه الحكومة العراقية أن القانون الدولي يُتيح للدول المتشاطئة إمكانية تقاسم مياه الأنهار عبر الروافد التي تمر في أراضيها.
ما يتسرب في دهاليز السياسة في بغداد أنَّ زيارة أردوغان لم تتناول ملف النفط الذي كان يعتقد الكثيرون أنَّه سيكون الملف الأكثر أهمية لأسباب قد يكون من أهمها أنَّ تهريب النفط من كردستان إلى الأراضي التركية ما زال مستمراً، بالرغم من قرار المحكمة الاتحادية بمنع تصدير نفط كردستان إلا بموافقة الحكومة المركزية، إذ لا زال ما يقارب من 220 ألف برميل يتم تهريبها يومياً إلى تركيا وإيران بسعر منخفض يصل إلى 30 دولاراً للبرميل، مما يعود بالفائدة على تركيا، يستحوذ عليها الحزبان الرئيسيان في الإقليم في فرصة تستفيد منها حكومة الإقليم بعد أن استطاعت التخلص من أزمة رواتب موظفي الإقليم وإجبار حكومة بغداد على دفع رواتب موظفيها، إضافة إلى عدم إعطاء بغداد ذلك الملف الأولوية في المباحثات، باعتبار أنَّ العراق على وشك استكمال إصلاح الخط العراقي التركي الذي يمكن من خلاله تصدير نفط كركوك إلى تركيا دون الحاجة إلى إستخدام خط أنابيب كردستان، وربما لم يغب عن بال المسؤولين العراقيين أنَّ إعادة تصدير النفط من كردستان يعني تخفيض حصة العراق الإنتاجية بمقدار 400 ألف برميل يومياً، مما قد يؤثر سلباً على الإيرادات النفطية العراقية ويزيد من عجز الموازنة.
بعد ما يقارب من 13 عاماً من آخر زيارة قام بها أردوغان إلى بغداد، تأتي هذه الزيارة في وقت الاحتدام بين زعامات المكون السني لاختيار البديل لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، الذي أقالته المحكمة الاتحادية والتي قد تعطي هذه الزيارة زخماً وتعجيلاً للاختيار.
اعتراف بغداد بمنظمة العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية أعطى إرتياحاً لأردوغان مما يؤشر أنها من أولويات زيارته، لكن هل هذا يكفي؟
من بين ملفات الزيارة الملف الأمني ومحاربة تلك المنظمة المحظورة إضافة إلى ملفات المياه والتجارة وتأشيرات العراقيين وحديث عن خطوات ربما تتخذها أنقرة في الأيام القادمة بالتوغل مسافات داخل الحدود العراقية لتأمين حدودها البرية مع العراق مما يعني استباحة الأراضي العراقية واحتلالها.
ما زالت أهداف الزيارة تشوبها الضبابية من ردود الأفعال التركية في الشمال العراقي بقضية الـPKK وفيما إذا كانت ستتوقف الغارات التركية بعد تعهد عراقي بملاحقة تلك التنظيمات.
يُدرك العراقيون أنَّ العامل الاقتصادي من الممكن أن يكون سلاحاً فعالاً في صراعهم مع الجارة من أجل الحصول على حصتهم من المياه، لكنَّ المحاصصة الطائفية والتشرذم السياسي يصعِّب الاتفاق على قرار سياسي يُلزم تلك الدول بتنفيذ التزاماتها، وهي مشكلة بلد يغّط في الفوضى والانقسام.