صار واضحاً أن أحزاب الموالاة الجزائرية قد أعادت المشهد السياسي الجزائري مرة أخرى إلى ما كان عليه الأمر في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي استطاع تشكيل تحالف رئاسي، الأمر الذي مكنه من البقاء على رأس الدولة الجزائرية مدة عشرين سنة متتالية كانت قد انتهت بحراك شعبي كاد أن يزلزل أركان الدولة الجزائرية التي لم تقدر أن تتغلب على أزماتها المركبة بشكل سلس.
ففي هذا الأسبوع أعلنت أربعة أحزاب محسوبة على الموالاة عن ائتلاف سياسي موحد هدفه دعم المرشح والرئيس الحالي عبد المجيد تبون في الانتخابات المقبلة التي ستُجرى في 7 أيلول (سبتمبر) المقبل.
في هذا السياق يرى عدد معتبر من المراقبين السياسيين الجزائريين أن هذا الائتلاف الذي يضم حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديموقراطي، وجبهة المستقبل، وحركة البناء الوطني قد تم في ظل السلبية النمطية لأحزاب المعارضة التي لم تتوحد أو يحصل بينها أي اتفاق مؤسس على الإجماع، يسمح بخوض الانتخابات الرئاسية في إطار تكتل يجمعها ويضمن المنافسة الجادة وعدم ترك الساحة السياسية لأحزاب الموالاة لتلعب فيها حسب مشيئتها.
وبالمقابل فهناك فريق من هؤلاء المراقبين السياسيين يؤكد أن الانتخابات الرئاسية الجزائرية سوف تحسمها القوى التي اعتادت على صنع الرؤساء الجزائريين منذ الاستقلال، وأن الأحزاب لا تقرر مصيرها سواء كانت معارضة أو موالية متكتلة أم متشظية.
وبسبب هذا الوضع الذي تتميز به السياسات الانتخابية الجزائرية، فإنه يبدو للرأي العام الوطني أن الانتخابات الرئاسية المقبلة قد حسمت مسبقاً لصالح الرئيس الحالي عبد المجيد تبون لأن معظم المترشحين الذين أعلنوا عن نيتهم خوض الانتخابات الرئاسية حتى الآن هم مجرد سياسيين أفراد بلا قاعدة شعبية حقيقية لها ثقل ويمكن أن يعولوا عليها لتحقيق أي فوز دراماتيكي يذكر. ولذلك فإن اختيار الأحزاب الأربعة لشعار “ائتلاف أحزاب الأغلبية من أجل الجزائر” يعني ضمنياً أن الاختيار قد وقع فعلاً على الرئيس تبون بشكل صريح.
وهكذا لم يعد الأمر مدهشاً الآن، وخاصة عندما أعلن عبد القادر بن قرينة بعد يوم فقط من تشكيل هذا الائتلاف عن ترشيح حزبه الرئيس الحالي، عبد المجيد تبون، للانتخابات الرئاسية، علماً أن حزبه (حركة البناء الوطني) يختلف عقائدياً عن الأحزاب الثلاثة المذكورة آنفاً حيث يصنف نفسه كحزب إسلامي، في حين يصنف حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديموقراطي نفسيهما كحزبين يقبضان على العصا من الوسط، أي أنهما يمزجان بين العلمانية الوسطية والإسلام التقليدي الذي لا علاقة له بأية أصولية عقائدية متطرفة، أما حزب جبهة المستقبل فهو حزب شبه مجهري وبلا هوية عقائدية تغري الناخب الجزائري، بل إنه كان قد مرّ بأزمات معقدة أطاحت أخيراً برئيسه التقليدي عبد العزيز بلعيد مرشح الرئاسة السابق.
في هذا السياق ينبغي الإشارة إلى أن هذه الأحزاب الأربعة تملك مجتمعة 243 مقعداً في البرلمان من مجموع 407 مقاعد، ولكن هذا المجموع ليس كله منتخباً لأن ثلثه هو من تعيين رئيس الدولة، وذلك في إطار ما يعرف في الدستور الجزائري بالثلث الرئاسي.
وهنا يطرح هذا السؤال: هل ينتظر أن تحذو أحزاب أخرى، معروفة بتذبذبها، حذو الأحزاب الأربعة المذكورة وتلتحق بهذا الرباعي الذي أعلن أمام الملأ أنه يساند الرئيس تبون؟
وفي الواقع فإن التحليلات السياسية التي تظهر هذه الأيام في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية تتفق أنه من السابق لأوانه توقع التحاق أحزاب معروفة بمعارضتها للنظام الجزائري ولبرتوكولات السياسات المعمول بها منذ تدشين التعددية الحزبية الشكلية التي لم تتحول إلى سياسات ديموقراطية بأي معيار.
ونظرا لذلك فإن القراءة الواقعية والصحيحة للمشهد الحزبي الجزائري في صيغته المثبتة منذ فتح التعددية الحزبية حتى الآن سوف تفضي إلى القول بأن حزب القوى الاشتراكية المعارض قد يرمي بمرشح له إلى ساحة السباق الرئاسي فجأة ولكن هذا الحزب لا يملك راهناً شخصية تاريخية، أو فكرية، أو اجتماعية يمكن لها أن تحدث أي فارق نوعي خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.
كما كان ينتظر ذلك في الماضي البعيد عندما كان على رأسه حسين آيت أحمد الحسين الذي كان يتمتع برمزية خاصة وبسجل تاريخي حافل باعتباره أحد أقطاب ثورة 1954، أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية (إر. سي. دي) فلا يمكن له في الوقت الحالي أن يرفع هامته بعد تشتت وانسحاب قياداته التقليدية التي أسسته وكانت حينذاك تتمتع ببعض الشعبية، وبخاصة بين الأوساط الأمازيغية في محافظات تيزي وزو، وبويرة، وبجاية ومحافظات منطقة الأوراس والجنوب الجزائري.
ومن الملاحظ أيضاً أن ما يدعى نظرياً بالمجتمع المدني الجزائري، بمختلف روابطه واتحاداته المهنية والثقافية ومنظماته الجماهيرية والذي يعتبر القوة الضاربة، لن يقدم على ترشيح شخصية وطنية مدنية محورية لها عمق جماهيري تمثله وتسانده وذلك لأن السلطات الجزائرية التي تحكم البلاد قد تمكنت، على مدى سنوات طويلة، من ترويضه بمختلف السبل، وجراء ذلك فإنه من المتوقع أن ينحاز إلى جانب الرئيس تبون، وبذلك تبقى الأحادية (سواء كانت حزبية أو ممثلة في شخص حاكم معيّن)، سيدة الموقف في مشهد السياسة الجزائرية التي لم تنضج فيها بعد الثقافة الديموقراطية التي تعمل بواسطة التداول على الحكم.