في محاولة أمريكية جديدة لفرض واقع قسري على القضية الفلسطينية، بهدف تهجير الفلسطينيين بدلا من إيجاد الحلول العادلة لهم ولقضيتهم، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دولا أوروبية وبعض الدول العربية من بينها مصر والأردن إلى استيعاب سكان قطاع غزة، الأمر الذي أثار حالة من الجدل الواسع بين صفوف الفلسطينيين والعرب وحتى العالم أجمع.
والغريب في تصريحات ترامب الذي يعشق اثارة الجدل في العالم، وهذه هي سياسته منذ أن كان في هذا المنصب عام 2017، أنه قلب الميزان في القضية الفلسطينية، فبدلا من ارغام إسرائيل على إيجاد حلولا عادلة للفلسطينيين المغلوب على أمرهم بعد أكثر من 70 عاما من الاضطهاد والظلم، اعتبر أن الفلسطينيين في غزة “ليس لديهم خيار سوى المغادرة”، في طرح جدي لتكريس فكرة التهجير القسري، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول تداعياتها السياسية والإنسانية، ومدى تقبل الفلسطينيين والمجتمع الدولي لهذا الطرح.
اقرأ أيضا.. رؤية ترمب لـ “غزة الجديدة”.. كيف تكون؟
لطالما عبّر ترامب عن مواقف داعمة لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، وكان أحد أبرز قراراته في هذا السياق نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. لكن حديثه عن تهجير سكان غزة يتجاوز حدود الدعم السياسي التقليدي إلى محاولة فرض حل قائم على التهجير بديلًا عن إنهاء الاحتلال.
هذه الرؤية لا تأتِ بمعزل عن مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي لطالما دعا إلى تفريغ غزة من سكانها وتحويلها إلى منطقة غير مأهولة أو ضمّها إلى دولة أخرى، وهي تعطي غطاءً سياسيًا لهذه التوجهات، ما يثير القلق من محاولات فرض أمر واقع جديد.
ويرى الفلسطينيون، في الداخل والشتات، في هذه التصريحات امتدادًا لمشاريع التهجير القسري التي بدأت منذ نكبة 1948، حين تم ترحيل مئات الآلاف من الفلسطينيين من مدنهم وقراهم. لذلك، فإن الفكرة بحد ذاتها مرفوضة، لأن الفلسطينيين يعتبرون البقاء في أرضهم جزءًا من نضالهم السياسي والوطني.
وعلى مستوى الشارع الفلسطيني، فإن الفلسطينيين يرفضون بشدة فكرة مغادرة غزة، حتى في ظل الظروف الصعبة، إذ يرون فيها تصفية للقضية الفلسطينية، ويعتبرون أن الحل الحقيقي هو إنهاء الاحتلال ورفع الحصار وإعادة إعمار غزة، وليس تهجير سكانها.
ولا يخفى على أحد وجود مخاوف من أن مثل هذه التصريحات قد تستخدم للتغطية على جرائم الحرب الإسرائيلية وإضفاء الشرعية على سياسات التطهير العرقي.
أما على مستوى العرب، فإن الأردن ومصر لم تبديا أي نية لاستقبال الفلسطينيين بهذه الطريقة، لأن ذلك يعني تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها وتعزيز الاحتلال الإسرائيلي، فيما تتعامل الشعوب العربية مع هذه التصريحات بحذر، لأن القبول بها يعني الموافقة الضمنية على مخططات إسرائيلية سابقة للتهجير القسري.
ورغم مواقفها المتباينة بشأن القضية الفلسطينية، فإن الدول الأوروبية، لا تبدو متحمسة لمثل هذه الفكرة، إذ إنها تواجه تحديات متزايدة فيما يتعلق بالهجرة، وخاصة في ظل صعود اليمين المتطرف، ولا يوجد أي مؤشر على استعداد أوروبي لاحتضان الفلسطينيين من غزة بهذه الطريقة، لأن ذلك سيكون بمثابة تطهير عرقي تتورط فيه القوى الدولية.
إذن، فإن تهجير سكان غزة ليس حلًا، لأنه في البداية انتهاك للقانون الدولي وجريمة كبيرة، وتصريحات ترامب تعكس تجاهلًا لهذه الحقيقة، كما أنها تعد تكريسا للاحتلال، لأن إخراج الفلسطينيين من أرضهم يعني منح إسرائيل فرصة للاستيلاء على غزة بالكامل دون مساءلة، وليس انتهاء بأن هذا الخيار من المستحيل تنفيذه، فالفلسطينيون يرفضون هذه الفكرة جملة وتفصيلا، والدول المجاورة غير مستعدة لاستقبالهم، ما يجعل هذه الطروحات غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع.
إن تصريحات الرئيس الأمريكي الجمهوري ليست مجرد وجهة نظر سياسية، بل تعكس محاولة لفرض واقع جديد في القضية الفلسطينية، يقوم على التهجير بدلًا من الحلول العادلة، لكن من يدرس التاريخ جيدا، يعلم أن الفلسطينيين أثبتوا عبر التاريخ أن التهجير ليس خيارًا، وأن تمسكهم بأرضهم أقوى من أي ضغوط دولية أو مشاريع تصفوية.
على ترامب وغيره، أن يعلم بأن الحل الحقيقي للقضية الفلسطينية لا يكمن في ترحيل أهل غزة، بل في إنهاء الاحتلال ورفع الحصار، وإعطائهم الحق في تقرير مصيرهم على أرضهم..وإلا فليدرس التاريخ جيدا.